وثائق سوريا
كلمة شكري القوتلي في افتتاح مؤتمر اتحاد نساء العرب في دمشق عام 1957
كلمة الرئيس شكري القوتلي في حفل افتتاح مؤتمر اتحاد نساء العرب في دمشق الذي أقيم على مسرح مدينة المعرض في التاسع من أيلول عام 1957
نص الكلمة:
(أيها المواطنات الفاضلات
أنها حركة قومية مباركة، تشرق أنوارها من دمشق، وترعاها السيدات السوريات في ظل الاتحاد النسائي السوري الذي يمثل اليوم هذا الوطن الناهض في المؤتمر الرابع لنساء العرب.
عندما أطلعت على فكرة عقد المؤتمر في دمشق، وأمامي جدول الأعمال والأبحاث استبشرت خيراً كبيراً، بهذه الخطوة الجريئة تخطوها السيدات السوريات في الميادين القومية والإجتماعية والإصلاحية والإنسانية عامة، وايقنت أن الرسالة الكبرى التي تنهض بها، ونضحي في سبيلها، ونعمل لها صغاراً وكباراً، شباباً وشيوخاً، لابد أن تتصدى لها المرأة في رحاب الوطن العربي كله، بما حباها الله من كل فضيلة وعزيمة وإخلاص وشعور قومي وإنساني فياض، ولابد أن تساهم المرأة العربية أمّاً، واختاً، وبنتاً، في تزويد النهضة العربية بروافد الجدّ والعمل، والنشاط والإبداع، وقد أصبح وطننا بحاجة ماسة إلى كل يد، وإلى كل جهد، وإلى كل صوت، وإلى كل فعالية وإمكانية في سبيل تلك الأهداف التي رسمناها لأنفسنا وتعالينا إلى ذراها، وطمحنا إلى بلوغها نطوي لها الليالي والأيام، ونسير نحوها بجرأة وإقدام.
وإن يكن الرجال بحاجة إلى شتى الصفات العقيلة والخلقية التي تؤهلهم لحمل الأعباء وتحمل الصعاب، والاستهانة بالأهوال، فهم بحاجة قصوى إلى هذا الرفيق الصادق الأمين، الذي يعطى من قلبه وعقله كلّ عون وأيد، وتشجيع.
فأهلاً بالمرأة العربية في الميدان القومي، أخت رجال، وبنت رجال، ورفيقة رجال، وأهلاً بها في البيت والاسرة مهذبة ومربية، وأهلاً بها في الأندية والمجتمات، رائدة وصاحبة كلمة، وأهلاً بها في ظل السلام، عاملة ومنظمة ومبدعة وفي أيام الطوارئ والحدثان في الشوارع، ووراء خطوط النار مجاهدة فدائية مغوارة. وأهلاً بها في جميع الأحوال، قدوة أخلاق ووطنية، ومنار برّ وتقوى وإنسانية.
أيها المواطنات الفاضلات:
نريدكنّ في مستقبل هذا الوطن العربي الأكبر، كما كنتنّ في ماضيه العزيز المجيد، قدوة حسنة في مجتمع يقوم على العزة والكرامة والأخلاق، فسواء كنتن في البيت أو في المصنع، في المنتدى أو في ساحات العمل والنضال الشريف، فأنتنّ الشارة المنيرة التي ترمقها العيون، وفي سلوككنّ، وأعمالكنّ للأمة خير اسوة، وأفضل مثال. وعندما تنهض المرأة إلى مباشرة رسالتها، اما، ومربية وعاملة، ومرشدة، وصاحبة حق مشروع في حياة إجتماعية كريمة، فإن شيئاً كثيراً من التطور والتبدل يصيب المجتمع في شتى شؤونه ومرافقه، وإننا لنحرص كل الحرص أن تكون الخطى متزنة عاقلة منسجمة مع روح الشعب وحاجاته كما أننا لنحرص أن تبذل المرأة في دور الإنشاء والبناء كل امكانياتها، وتتحمل أمام البيت والأسرة، والوطن كل تبعاتها. وليس أدلّ على وطنية المرأة مناضلة ومجاهدة في ميادين الاجتماع والسياسة، من حرصها على أن تكون في البيت والأسرة ومع أولادها مثالاً كريماً في الأخلاق والتربية الوطنية الفاضلة.
وفي هذه الظروف السياسية الدقيقة حيث نجتاز منعطفاً خطيراً في تاريخ وثبتنا القومية، وسط خضمّ مضطرب من عالم تعبث به مصالح الاستعمار والصهيونية، وقد روعته أصداؤنا المدوية، وأذهلته خطواتنا القوية، فقام يكيد لنا ويبيت لنا أمراً، وفي هذه الظروف الحرجة، إنما يدفع المرأة العربية إلى ساحات العمل، واجب قومي مقدس، ولا تدخر ازاءه أي جهد، ولا توفر عن نفسها أي عناء. وإنها لتغدو في الأيام العصيبة، قوة جديدة، ودماً جديداً في جسم الأمة، نتطلع إليها فنراها في كل مكان، في البيوت، والشوارع، والميادين، في الدفاع المدني، وفي المقاومة الشعبية، أمام خطوط النار، ووراءها، تؤدي رسالة المرأة العربية في معارك الجهاد الكبرى التي كتبت النصر للعرب، ونشرت حضارتهم في مشارق الأرض ومغاربها، وبذلك تحقق المرأة العربية بروحها ودمها شطراً كبيراً من وحدة النضال القومي عندما يشعر أبناؤنا الجنود المغاوير في القلاع والخنادق، وجبهة الجيش، أن أمامهم ووراءهم في جبهة الشعب، زوجات لهم، وبنات وأمهات، وأخوات، يعملن كل يعملون، ويناضلن كما يناضلون، ويصبرن كما يصبرون، ويظفرن كما يظفرون.
قلت في بدء هذه الكلمة أنها حركة قومية رائعة، تطل علينا من وراء أهداف هذا المؤتمر النسائي العربي التي أطلعت عليها من جدول أعماله. وإنني أذ أرحب بسيدات العرب بدمشق، أبارك لهن جهودهن، ونشاطهن، في سبيل المجتمع العربي، والوطن العربي، وأرجو أن يبلغن بقرارات المؤتمر وتوصياته ما رسمنه لهذه الأمة من مراحل النهوض والرقيّ والفلاح).