إياد محفوظ – التاريخ السوري المعاصر
المطربة فيروز الماميش
تعدّ الفنانة الكبيرة فيروز الماميش من رائدات الغناء الطربي في مدينة حلب، وهي من أهم المطربات وأشهرهم في النصف الأول من القرن العشرين.
وفيروز الماميش هو اسمها الفني، أمّا اسمها الحقيقي فهو راشيل سموحة، ويقال إنّ هذا الإسم أُطلق على السيدة فيروز (نهاد حداد) في بداية مشوارها الفني تيمناً بالمطربة فيروز الحلبية.
تشير أغلب المصادر إلى أنّ السيدة راشيل ولدت عام (1895) في أحد أحياء حلب القديمة، ومنها ما يفيد بأنّها من مواليد عام (1870)، وأنا أرجّح الأخير بتحفظ، ثم انتقلت مع أسرتها للإقامة في حي الجميليّة، حيث عاشت فيه معظم سنوات حياتها.
تحدث عنها القاضي سعد زغلول الكواكبي في الصفحة (154)، من كتابه (ذكريات من ماضي حلب)(1)، وأقتبس منه:
“إنّها من يهود حلب، لها أغان كثيرة مسجلة، كانت جميلة الوجه والقوام، حسنة الصوت، فكانوا يطلبون منها أن تغني: (فيك كل ما أرى حسن)، لتهتز كراسي المقهى، وهي صاحبة أغنية (شاهدت الشمس وقد بزغت فعجبت لمنظرها الحسن)، التي لحنها لها الفنان المعروف أحمد الأوبري، كما هو مسجل على أسطوانتها، كما لحن لها أغنية (يا مليكاً عز نصراً)، غنتها للملك فيصل حين قدم إلى حلب سنة (1920)، ومبايعته ملكاً على الدولة العربية، وكان والي حلب يومئذ رفيقه الثائر رشيد طليع، وهي من تلحين الأوبري كذلك، كما سجلت أغاني كثيرة بعد العهد العثماني مما هو مدون على سطح الأسطوانات الموجودة عندي.
ويشير القاضي كواكبي إلى أنّ السيدة فيروز تزوجت من السيد حسين عوني باشا الذي كان أحد أفراد القائمة السوداء التي وضعها مصطفى كمال أتاترك، فهرب من تركية إلى حلب حيث تزوج بفيروز، ولها منه بنات أقمن في تركية.
ويتابع السيد كواكبي: في أواخر الأربعينيّات كنت مع أصدقاء في مقهى الشهبندر لنستمع إلى المطربة ماري جبران، وكان إلى جانبي المرحوم أحمد الأوبري صديق والدي، فإذا بإمرأة عجوز، عجم الدهر عودها، فقصم ظهرها أو كاد، تتوكأ على عصا وتتقدم إلى الصف الأمامي حيث نقعد، فهرع إليها المرحوم الأوبري وأمسك بها وأسندها حتى أوصلها إلى الكرسي بجانبه. فقلت: من هذه يا عم؟ فقال: يجب أن تعرفها يا سعد، هذه هي الست فيروز صديقة جيلنا.
وأعتقد أنّها صاحبة الأغنية الشهيرة:
أنا كاري خياطة بخيط للعصملي
كار الخياطة بطلتو كار العِشرِة أحسن لي
كانت تلك أول مرّة وآخر مرّة أشاهدها فيها. وتخلفتُ وتلكأت عن زيارتها حتى السبعينيّات، فسألت عنها فقيل لي إنّها تركت حلب، ورحلت إلى إستنبول حيث تعيش بناتها، وانقطعت أخبارها على إثرها”.
هنا ينتهي الاقتباس من كتاب الأستاذ سعد زغلول الكواكبي.
وكما ذكر القاضي كواكبي فإنّ للمطربة فيروز الماميش أغاني كثيرة، وعدد لا بأس به منها تمّ تسجيله على إسطوانات، ونذكر في هذا المقام عرضاً موجزاً لبعض منها:
يا مليكاً عزّ نصراً: تلحين الموسيقار الحلبي أحمد الأوبري، غنتها أمام الملك فيصل الأول عام (1920).
فيك كل ما أرى حسن: أطلقتها في العشرينيات من القرن العشرين.
طول بالك: أطلقتها عام (1926).
كلمات الأغنية:
طول بالك طول بالك
الزمن يومين يا نور العين
اللي فرحك يوم
يكدرك إثنين
طول بالك طول بالك
ده كل حد منه نصيب
إن كان عدو ولا حبيب
لا بد ما الحالة تتحول
وكل شيء يرجع للأول
طول بالك طول بالك
يروح الليل ويجي النهار
طول بالك طول بالك
شاهدت الشمس قد بزغت: تلحين الفنان الكبير أحمد الأوبري، غنتها أمام الملك فيصل الأول عام (1920).
كلمات الأغنية:
شاهدت الشمس وقد بزغت
فعجبت لمنظرها الحسن
ورأيت البدر وقد أشرق
فجلا ظل الليل الدجن
فسألت البدر لمن يعشق
فشكا وبكى حب الوطن
الشمس تحن إلى وطني
والبدر يحبك يا وطني
وأنا روحي وقلبي ودمي
والله فدا لك يا وطني
أوعك تصدق أكون أسير وأدوق المر: أطلقتها عام (1926).
هزي محرمتك: أطلقتها عام (1926).
يا مايلة على الغصن : أطلقتها عام (1926).
روح بحالك (روح بسبيلك) : ذكرت بعض المصادر أنّ هذه الأغنية أطلقتها المطربة فيروز الماميش في العشرينيّات من القرن الفائت، وهذه المعلومة أجدها تتعارض مع حقيقة أنّ ملحنها هو الفنان أنطوان زابيط لأنه ولد عام (1914)، فمن غير المنطقي أن يبادر إلى تلحينها وهو في عمر لا يتجاوز اثنتي عشر عاماً.
في الأحوال كلها بوسعنا الإشارة إلى أنّ لحنها هو من النوع الهادئ والناعم جداً، كلماتها جريئة ومعبرة، يرافقها على آلة الكمان العازف الحلبي الشهير سامي الشوا (1885-1965)، وعلى آلة البيانو الملحن أنطوان زابيطا (1914-1979)، ونلاحظ أنّ الأغنية تتدفق بسلاسة ورقّة دون إيقاع صاخب.
أنا أراها شخصياً أغنية سابقة لعصرها من حيث الكلمات واللحن، وهي متفردة في جنسها الطربي في زمن كانت القدود الحلبية، والموشحات، والأدوار، تطغى على المزاج العام في حلب، مدينة الطرب في ذلك العصر.
وفي أغنياتها الأخرى كان يرافقها إضافة إلى الفنانين أنطوان زابيطا وسامي الشوّا عازف العود اليهودي الحلبي شحادة سعادة.
وكلمات الأغنية تقول:
المقطع الأول
روح بسبيلك وتسهّل
الله يسهّلك أمرك
في حبي أوعى تتأمل
صار قلبي من نصيب غيرك
كان عقلي فين لمّا حبيت
ورميت بحالي بالغرام
ياما نهوني ما انتهيت
يا ريتني بس سمعت الكلام
يا ما قاسيت وصبرت عليك
وحملت ذُلي فوق همّك
ورميت بحالي بين إيدك
ما شفت الراحة من يمّك
المقطع الثاني
روح بسبيلك وتيسر
أوعك تحمل تُقلة عني
كفكف دمعك لا تتحسر
عندي ربي بدبرني
فراخ الحمام ما بينساها
من فضلو ما بيقطع فيها
عزّة النفس يا محلاها
لقمة خبزة بتكفّيها
من بعد ما قطفت الزهرة
حولت حبك وعطفك عني
يا ما ربيت بقلبي حسرة
يا ما دلالك لوّعني
المقطع الثالث
روح بسبيلك وتهنى
خليني إتكوى بناري
بُطلب من الله وبتمنى
يبعتلي مين ياخد تاري
ما فيش كلام أمر الله وصار
جرح الهوى ما لو دوا
ما في سبيل للإعتذار
حتى بكاك من غير نوى
استر على ما شفت مني
وارحال عنّي الله يسامحك
بس بترجاك لا تذكرني
ولا تتذكر حبّي بخاطرك
بعد مسيرة فنية طويلة، عامرة بالنجاحات والأعمال الفنية المتميزة انتقلت المطربة فيروز الماميش إلى جوار ربها عام (1955).
(1) كتاب ذكريات من ماضي حلب: تأليف القاضي سعد زغلول الكواكبي، صدر عن نادي السيارات والسياحة السوري، حلب، عام (2009).