نشأته ودراسته:
ولد نجيب الأتاسي في حمص بحدود عام 1833م.
والده الشيخ أمين الأتاسي (1811-1872): علّامة ومحدّث مجاز ومدرّس في جامع النوري الكبير وأمين إفتاء حمص.
جدّه الشاعر والأديب مفتي حمص عبد الستار الأتاسي.
درس على والده وأعمامه، ثم نزل دمشق فطلب العلم على علمائها، ومنهم الشيخ عبد الله الركابي السكّري، الذي أجازه عن مشايخه بالأربعين العجلونية.
عاد إلى حمص وغدا فقيهًا محدثًا، فتسلّم بعد وفاة والده التدريس في الجامع النوري عن أبيه بموجب براءة (شهادة) سلطانية شريفة ومتصرفًا على أراضٍ ومزرعة في حمص أوقفت وارداتها على المدرّس في المسجد. وقد تنازل نجيب افندي عن التدريس في الجامع المذكور لأخيه الأكبر عبدالساتر الأتاسي عام 1297هـ/ 1880م.
ومن المؤكد أنه برع في العلوم العصرية وخاصةً الرياضيات، فكان أن شغل عدة مناصب إدارية رفيعة آتٍ ذكرها.
نجيب الأتاسي وأول طريق معبّد في سورية:
تسلّم مدحت باشا منصب والي سورية في نهاية عام 1878م، وقد كان بدأ بفعالياته الإصلاحية بشكل جدي منذ تعيينه رغم قلة المال واليد العاملة والعرقلات من الإدارة المركزية. وكان قد خرج في أوائل شهر أيلول من عام 1879م في جولة تفتيشية إلى مناطق حماة وحمص وطرابلس واللاذقية، بعد أن انتهى تعبيد طريق طرابلس- دمشق، وفي 23 حزيران 1879م صدرت الإرادة السنيّة للبدء بطريق طرابلس- حمص بعد تذكرة مفصلة قدمها مدحت باشا في أواخر آذار.
وقد بذل مدحت باشا أكبر الجهود لإتمام الطريق بأموال وأيادٍ محلّية دون الحاجة للقروض والإمتيازات الأجنبية، إذ أن ما يميّز هذا العمل هو كونه وطني بالكامل، ومن أجل ذلك شكّلت هيئة من كبار أعيان مدينتي طرابلس وحمص للإشراف على فعاليات العمل وتنظيمها، سمّيت بـ “الشركة الوطنية العثمانية للطرق والمعابر”، واختير عبدالقادر افندي المنلا من طرابلس رئيسًا لها، وفي حمص عيّن في إدارتها خالد الأتاسي في البداية، ولكن يبدو أنه استقال من منصبه، فترأسها من بعده نجيب الأتاسي.
وكانت لنجيب افندي أيادٍ بيضاء في تطوير شؤون النافعة بحمص وريفها، فكانت أول مشاريع الشركة الوطنية بإدارته في حمص ترميم جسر المزرعة الممتدّ بطول 500 متر وعرض 7 أمتار على طريق طرابلس حمص (1882م)، وبعدها إتمام طريق طرابلس- حمص عام 1883م، وهو أول طريق معبّد في سورية الحديثة امتدادًا لطريق طرابلس دمشق، وجُلبت من أوروبا في ذات العام العربات التي ستمشي عليه، ومدّت ذات الطريق إلى تدمر في قلب البادية السورية شرق حمص، كما عملت على إتمام طريق حمص- حماة وترميم جسر الرستن على نهر العاصي، و كذلك إتمام طريق حمص- حسياء- النبك وفرشه بالحصى، وكل ذلك بتخطيط وإشراف المهندس محمد أنيس حسين آغا.
وكان لنجيب الأتاسي الفضل الرئيسي في بناء محطة الطريق البرّي (الشوسة) بحمص، حيث وفّر جملة مصاريف في بنائها برأس مال محلّي وطني. وحينما زار والي سورية ناشد باشا مدينة حمص في أيار 1884م، تحدثت صحيفة لسان الحال عن إعجابه بنجيب الأتاسي فذكرت:
“ويوم الاثنين صباحًا قبل أن يركب توجّه بادئ بدء إلى الاستاسيون محل محطة شركة الشوسه فأعجبه حسن موقعه وترتيبه وسعته البالغة مائة ذراع طولًا وسبعة وخمسين ذراعًا عرضًا، وأثنى ثناءً حميدًا على جناب مأمور شعبة الشوسة بحمص جناب العالم الوجيه فضيلتلو (صاحب الفضيلة) أتاسي زاده السيد نجيب افندي، الرئيس الثاني لشعبة المعارف، لما سمع عنه من حسن إدارته ودرايته وخدمته الصادقة وسعة حذاقته وتدبيره لمهام مأموريته.”
وفي عام 1903م بعد صدور إرادة السلطان عبد الحميد الثاني بتجديد جامع خالد بن الوليد بحمص؛ كان أحد أعضاء هيئة الإنشاءات التي تم تشكيلها برئاسة المفتي والنيابي السابق خالد الأتاسي.
رئاسة بلدية حمص:
في عام 1879م زار الصدر الأعظم السابق مدحت باشا (وفاته: 1884م) مدينة حمص حين كان يشغل منصب والي سورية، وقد عيّن نجيب بن أمين الأتاسي رئيسًا لبلدية حمص بشكل مباشر، لاقتداره وأهليته في مجال الإدارة، وكان حينها رئيس الشركة العثمانية الوطنية للطرق والمعابر في حمص، فكان ثاني من تولّى رئاسة البلدية من آل الأتاسي.
لكن مدحت باشا عدل عن رأيه بعد مدّة وأعاد رئيسها السابق؛ يحيى آغا الترجمان، لإن نجيب الأتاسي كان يعقد جلسات المجلس باللغة العربية، ولم يجد في المجلس من يتقن اللغة التركية كيحيى آغا الترجمان.
رئاسة شعبة معارف حمص:
تأسست هذه الهيئة عام 1884م كي تعنى بشؤون العلم والتعليم في المدينة، ضمن سياسية السلطان عبدالحميد الثاني بدعم المعارف والمؤسسات التعليمية، وهذه الشعبة هي امتداد للجمعية الخيرية المحلّية التي أسّست أولى المدارس الابتدائية النظامية في حمص برئاسة مصطفى باشا الحسيني.
وقد حملت هذه الشعبة على عاتقها تأمين الموارد المالية وإدارتها لدعم وإنشاء وفتح المدارس داخل حمص، بالإضافة إلى التفتيش والمراقبة.
وتكوّنت الشعبة من رئيس أول شكلي وهو نائب (قاضي) المدينة الذي يتغيّر كل سنتين، ورئيس ثاني فعلي من أعيان المدينة، بالإضافة إلى 6 أعضاء من داعمي التعليم المحلّيين، أصبح عددهم أربعة لاحقًا.
ترأس هذه الشعبة منذ بداية تأسيسها (1884) وحتى عام 1893م نجيب افندي الأتاسي، الذي كان قد تسلّم مناصب رئاسة البلدية ومدير شركة الطرق والمعابر بحمص. وقد تواجد في عضويتها منذ تأسيسها وحتى عام 1900م زوج ابنته؛ الحقوقي يحيى بن المفتي سعيد الأتاسي، الذي شغل موقع الكاتب ولاحقًا المفتّش العام، وذلك منذ عام 1887م وحتى عام 1892م.
وكانت من أولى نشاطات شعبة المعارف برئاسة نجيب الأتاسي في 1884م ترميم الأبنية الموقوفة على التعليم بباب السوق في المدينة القديمة لتنتفع منها شعبة المعارف بثلاثة آلاف قرش سنويًا، بعدما كانت تؤجر جميعها بستمائة قرش. وتمّ افتتاح مدرسة للإناث ومدرسة إبتدائية ثالثة في حمص بجهود مفتش المعارف يحيى الأتاسي وعناية قائمقام حمص في 1890م.
وفي عام 1892م أرفدت الشعبة مفتشها يحيى الأتاسي للإشراف على المدارس الستة التي تم افتتاحها في ريف حمص بمعية متصرف حماة عارف باشا، كما أجرت تسوية للمحلات التي أوقفها والي سورية السابق ناشد باشا في 1876م على المدارس الإبتدائية بحمص ضمن إطار قانوني بعد ما لحق بها من استغلال، وظلّت طوال فترة عملها تشرف على المناهج وتعيينات المعلّمين في مدارس حمص وتدير مصاريفهم ومصاريف المدارس.
وفاته:
توفي في حمص عام 1911م ودفن في مقبرة عائلة الأتاسي.
نعته صحيفة الإقبال فكتبت:
“نعت أنباء حمص وفاة حضرة العلامة الفاضل الحاج نجيب افندي الأتاسي عن عمر ناهز الثمانين، صرف جلّها في خدمة العلم والدين الوطن، فكان الأسف عليه عامًا، وبكته العيون، واحتفل بدفنه احتفالًا عظيمًا إلى أن واروه في جدثه، فنعزّي أنجاله الأفاضل وجميع الأسرة الأتاسية، وندعو الله تعالى أن يلهم الجميع الصبر، ويسكن الفقيد في أعلى فراديس الجنان”.
اقترن السيد نجيب بسيدة من آل يوسف آغا.
وأولاده هم السادة وصفي بك، توفيق النجيب، رشدي، وجيه، سليم، عبد العزيز.
والسيدة منيرة زوجة يحيى سعيد الأتاسي
تحرير:
فارس الأتاسي، التاريخ السوري المعاصر
المصادر:
الأتاسي، (باسل)، بغية الناسي والعقد الألماسي في مناقب السادة آل الأتاسي.
حسين آغا، مدينة حمص وأوائل المهندسين في ظل الخلافة العثمانية، 174-175
أسعد، منير- الخوري عيسى، (2/399)
ŞİMŞİR, Bilal.N, Fransız Belgelerine Göre Mithat Paşa’nın Sonu, Bilgi YE (2020), 19:
Delaporte a Waddington, 10.IX.1879, No.15, Op.Cit.ff.126-127
COA, İ..MMS.62/ 2949.7
COA, İ..MMS.62/ 2949.2
COA, ML.EEM.924/ 8.1
COA, MF.MKT.242/23
COA, ŞD.504/ 35.3
صحيفة لسان الحال، 26 تشرين الثاني 1883م
صحيفة لسان الحال، 8 أيار 1884م
صحيفة لسان الحال، 8 أيار 1884م
صحيفة لسان الحال، 28 نيسان 1890م
صحيفة لسان الحال، 25 نيسان 1892م
جريدة الإقبال، السنة العاشرة، العدد 386، ص7 (1329هـ/1911م)
سالنامهء ولايت سوريه 1299هـ (1882م)
سالنامهء ولايت سوريه 1303هـ (1887م)