أنطون جرجي طرابلسي.
والده جرجي ندور طرابلسي، وهو من التجار ذوي الثروة وأحد أعضاء المحكمة التجارية بحمص.
والدته السيدة مسرة بنت ميخائل فركوح.
تعود أصول عائلته لبني ميخائل من آل الغرّيب، وهم من عرب الغساسنة الذين كانوا في حوران ثم نزحوا إلى طرابلس الشام فنالوا لقب الطرابلسي، وهم من أعرق عائلات طائفة الروم الأورثوذوكس.
النشأة والدراسة والحياة التجارية:
ولد في حمص بتاريخ 15 آذار 1860م.
درس أساسيات العلوم على الخوري جرجس الأنطكلي، ثم دخل في مكتب الشيخ ترك فدرس على الشيخ صالح الوفائي وتلقّى عنده حسن الخط ومبادئ اللغة التركية، وكان من زملائه في الكتّاب المفتي طاهر الأتاسي وأخيه أبو النصر الأتاسي أنجال المفتي والنيابي خالد الأتاسي.
وفي أوقات فراغه كان يتردّد إلى السوق فيقضي معظم أوقاته في محلّ والده الذي كان يتعاطى تجارة الحرير، فتعلّم أساسات المهنة وتجارتها.
وحين بلغ الخامسة عشرة من عمره افتتح له والده محلًا تجاريًا لبيع الغزول والنحاس، ولم يمضِ على وجوده فيه بضعة سنوات حتى حتى برز نجمه وحاز إعجاب جيرانه، فدعاه السيد إبراهيم الجلّاد لعقد شركة تجارية معه لبيع الأقمشة الوطنية والغزول، وتمّ ذلك تحت اسم “شركة طرابلسي وجلّاد”، واشتهر محلّهما بنسيج الملس بصورة خاصة.
استمرت هذه الشركة حتى عام 1904م حيث مُني الجلّاد بفقد بصره فانحلّت فعليًا وأبقاها الطرابلسيّ على إسمها حفاظًا على صداقته وظلّ يدفع له كل سنة مبلغًا من الأرباح حتى وفاته في عام 1908م.
بعد انحلال الشركة تمامًا افتتح مع أخيه توفيق شركة جديدة تحت اسم “انطون وتوفيق طرابلسي” لتجارة الحرير والنحاس والأصبغة، وتتعاطى الصرافة والرهون، وأصبح لتلك الشركة فرع في طنطا بمصر تحت اسم “فايق وبديع طرابلسي”.
رئاسة غرفة تجارة حمص:
نظرًا لوجاهته ضمن أبناء طائفة الروم الأرثوذوكس خصوصًا وبين أعيان حمص عمومًا، ولنفوذه الاقتصادي ضمن المدينة بحكم تجارته واشتغاله بالصرافة والرهون والاستثمارات، بالإضافة إلى كون والده جرجي طرابلسي عضوًا في محكمة حمص التجارية؛ كان للخواجة أنطون تواجد مستمرّ في المجالس والهيئات الرسمية المتعلقة بالجانب الاقتصادي في حمص.
ففي عام 1898م حينما استحدثت غرفة التجارة الأولى ملحقةً بغرفة الزراعة، تحت اسم” غرفة الزراعة والتجارة” برئاسة صادق الأتاسي]؛ انتخب انطون طرابلسي عضوًا لها برفقة الحاج رسول الصوفي، الشيخ سعيد الدروبي، والسيد باصيل نصور.
وحينما قرّرت الحكومة العثمانية في تموز 1913م تأسيس غرفة التجارة في حمص بشكلها الحالي المستقلّ؛ كان أنطون أول المدعوّين إلى لجنة تأسيسها، ثم انتخب رئاستها منذ عام 1913م وحتى عام 1928م حيث قدّم استقالته من الرئاسة بعد 15 عامًا وطلب من الأعضاء أن لا يعيدوا انتخابه بعد أن وصل إلى سن الشيخوخة.
وخلال فترة رئاسته لغرفة التجارة ساهم في عدّة مشاريع ومجالس مؤثرة في تاريخ حمص؛
فبعد تأسيس الغرفة التجارية عام 1913م أخذت على عاتقها برئاسة الطرابلسي جمع التبرعات لتنفيذ مشروع جرّ الماء إلى حمص وتنويرها بالكهرباء، وذلك في عهد رئيس البلدية عمر الاتاسي، فجمعت الهيئة 5000 ليرة عثمانية ذهبية في جلسة واحدة من خمسة ممولين فقط واؤتمن عليها الطرابلسي الذي كتب إلى بيروت فاستقدم أحد المهندسين الاختصاصيين، فوضع الخرائط المطلوبة والكشوف الفنية ونظّم قائمة بالنفقات اللازمة، إلا أن نشوب الحرب العالمية الأولى حال دون تنفيذ المشروع في تلك الفترة.
وبعد انتهاء الحرب العالمية اقترح مظهر رسلان تأليف لجنة خاصة تدرس استكمال مشروع تزويد حمص بالطاقة الكهربائية بالإضافة إلى الماء النقي فنال اقتراحه موافقة الجميع، فتألفت اللجنة في تموز 1927م، وتكوّنت من هاشم الأتاسي، مظهر رسلان، رئيس غرفة التجارة أنطوان طرابلسي، محي الدين الدروبي، علي الجندلي، شكري الجندي، رفيق الحسامي، ورئيس البلدية محمد ابراهيم الأتاسي.
جريدة حمص:
بعد حالة الانفتاح التي عاشتها السلطنة العثمانية عقب إعادة تفعيل الدستور العثماني عام 1908م، برزت فكرة تأسيس جريدة خاصّة بمدينة حمص، فتكون ناطقةً بلسان حالها وحال أهلها وصلة وصل بينهم وبين الحماصنة المغتربين. وتبلورت الفكرة عندما تبرّع المغترب الحمصي بشارة محرداوي المقيم في البرازيل بمطبعة خاصة بالجريدة، وحصول مطران حمص اثناسيوس عطالله على الرخصتين الرسميتين للمطبعة والجريدة في 7 آذار 1909م.
وكان أنطون طرابلسي أحد أعضاء لجنة الجريدة المنتخبة من قِبل المجلس الملّي الأرثوذوكسي، برفقة الدكتور كامل لوقا، الخوري عيسى أسعد، الدكتور إيليان الحلبي، يوسف شاهين، حبيب سلامة، شاكر سلّوم، عطاالله عطالله، جرجس ناصر، سابا مبيّض، داوود خوري، أمين صبّاغ.
وصدر بالفعل العدد الأول من الجريدة بتاريخ 13 تشرين الثاني 1909م، وكان صاحب امتيازها المطران اثناسيوس عطالله، والمدير المسؤول الدكتور كامل لوقا، والمحرّر قسطنطين يني.
الحكومة العربية المؤقتة:
عشية الانسحاب العثماني من مدينة حمص، تشكّلت في المدينة حكومة عربية مؤقتة ريثما يصل الجيش العربي إلى حمص بقيادة عمر بك الأتاسي.
تألفت الحكومة المؤقتة في حمص من حسني الجندي، المفتي طاهر الأتاسي، أنطون طرابلسي رئيس غرفة التجارة، علاء الدين بك الدروبي، وصفي بك الأتاسي، رفيق بك الحسيني، الخوري عيسى الأسعد، سليم ختن، رفيق رسلان.
وأصدرت الحكومة بيانها في 6 محرم 1337هـ/ 12 تشرين الأول 1918م فأعلنت تسليم إدارة الأمن العام في المدينة لعهدة حسن الزهراوي وأبي الخير الجندلي، وفي الضواحي لعهدة محي الدين بك الدروبي ومظهر الأتاسي.
ومع دخول عمر بك الأتاسي إلى حمص مع الجيش العربي في 13 تشرين الأول 1918م وتسلّمه زمام الأمور في المدينة، شكّل حكومته المؤقتة (مجلس الشورى) فاختار فيها أنطون طرابلسي، رفيق الحسن الأتاسي، صبري بك الدروبي، شكري الجندي، صالح الجندلي.
وهذا نصّ قرار عمر بك الأتاسي تعيين أنطون طرابلسي في حكومته المؤقتة:
“إلى حضرة أنطون طرابلسي المحترم:
بما أن الحكومة العربية هي مؤسسة على قاعد الشورى ويُرى مسيس حاجة لتأليف مجلس شورى تدار فيه إدارة هذا البلد، وكان حضرتكم من العقلاء الذين ينتفع برأيهم لتأييد كلمة هذه الدولة العربية الواجب تأييدها على كل عربي بظلّ مولانا أمير المؤمنين ملك العرب السلطان حسين أيّده الله، فقد عهدت إليك بعضوية هذا المجلس الشوريّ، فأرجو من غيرتكم المداومة عليه.
في 8 محرّم سنة 1337هـ (14 تشرين الأول 1918م)
رئيس الحكومة العربية بحمص: عمر الأتاسي
-الاجتماع اليوم الساعة 9 ونصف عربيّة”.
عضويته في لجنة تدقيق الميزانية السورية:
عقب دخول سلطات الانتداب الفرنسي إلى سورية وتشكيل الحكومة السورية، انتدب الطرابلسي ضمن لجنة تدقيق الميزانية السورية عام 1922م.
وهذا نصّ برقية حاكم دولة دمشق حقي بك العظم إليه بتاريخ 21 كانون الثاني 1922م:
“عدد 152- حمص- انطون افندي طرابلسي
قررت الحكومة بعد موافقة المفوضية العليا أن أن تعرض ميزانية عام 1922م على لجنة استشارية لتدققها وتبدي رأيها في نفقات الدولة ووارداتها، وقد انتدبتم لتكونوا من أعضائها، فأرجو إعلامي على كل حال برقيًا عمّا إذا كنتم تقبلون ذلك أو لا تقبلون، وفي حالة الإيجاب أرجو أن تتأهبوا منذ الآن للحضور لاجتماع اللجنة في 30 الجاري بدمشق، ونفقات السفر على الحكومة وستعطي بدل انتقال يوميًا ثلاث ليرات سورية لكم.
في 21-1-22
حاكم دولة دمشق: حقي العظم”.
وقبل الطرابلسي بهذه المهمة فسافر إلى دمشق برفقة نفر من أعيان المسلمين المنتدبين لهذه المهمّة، وظلّ في دمشق شهرًا كاملًا يوالي اجتماعاته بأعضاء اللجنة، وظهرت حينذاك خبرته الواسعة في الأمور المالية والاقتصادية.
عمادة الطائفة الأرثوذوكسية والمجلس الملّي:
عُرف أنطون طرابلسي بأنه عميد الروم الأرثوذوكس في حمص وزعيمهم، وكان على الدوام الساعد الأيمن لمطران الروم إثناسيوس عطالله، فلم ينشأ مشروع للطائفة في حمص إلا وكان الطرابلسي أول المتبرعين له، ولم تؤسس جمعية إلا وكان أول مؤسسيها ومشجعيها، ولم تنتخب لجنة تبرعات إلا كان أمين صندوقها.
بدايةً من عام 1905م انتخب لعضوية مجلس إدارة حمص ممثلًا لطائفة الروم،إلا أنه استقال لكثرة انشغاله. ثمّ في عام 1919م ونتيجة ضغوط من حوله قبل عضوية مجلس الإدارة مرغمًا فبقي فيها يمثّل طائفته إلى عام 1928م.
وحيث أن والده جرجي طرابلسي كان أحد أعضاء المجلس المفوّض الملّي الأرثوذوكسي بحمص، فقد انتخب خلفًا له في المجلس بعد وفاته عام 1906م، وظلّ انتخابه يجدّد في المفوّض حتى آخر انتخاب حصل للمجلس عام 1928م. كما أنّه كان مدير الأوقاف الأرثوذوكسية بحمص بتفويض من المجلس.
كما كان عضوًا في لجنة المدارس الأرثوذوكسية بحمص، وعيّن عضوًا في لجنة تشييد المدرسة الداخلية الأرثوذوكسية فأخذ على عاتقه جمع التبرعات لها.
ومما يذكر له أنه تسلّم أمانة تبرعات المهاجرين لللجنة المدارس بعد الحرب العالمية الأولى فأبدى في ذلك حسن التدبير والرأي.
ونظرًا لما اشتهر عنه من الأمانة والنزاهة كما تبرعاته المستمرة، كانت معظم الجمعيات تودع عنده أموالها للاستثمار، وبذلك كان رأس المال التنموي في حمص بأمانته وتحت إشرافه.
وقد وجّهت إلى عهدته أخوية القبر المقدس في القدس برئاسة بطريرك أورشليم القدس داميانوس الأول الأول وسام صليب القبر المقدّس من درجة فارس مع البراءة الرسمية، بواسطة مطران حماة اغناطيوس حريكة وبحضور جمع غفير من الطائفة وأعيانها بدايات عام 1928م.
محفل إميسا الماسوني:
كان أنطون طرابلسي قد انتسب إلى محفل “الاونين” التابع للشرق الأعظم الإيطالي في ثمانينات القرن التاسع عشر، وكان لهذا المحفل تأثير ونفوذ في حمص، غير أنه لم يعمّر طويلًا.
وفي عام 1908م أنشئ محفل “الاتحاد الخالد” بحمص تحت رعاية المحفل الأكبر العثماني، وحصل تبديل اسمه إلى “محفل إميسا” عام 1913م وأصبح بحماية المحفل الاسكوتلندي واستمرّ طويلًا. وفي المحافل الثلاثة كان الطرابلسي ركنًا أساسيًا إن لم يكن رئيسًا، وكان ينتخب عادةً لرئاسة لللجنة المالية في المحفل.
وحينما تقرّر إنشاء مبنى لمحفل إميسا عام 1924م كان الطرابلسي هو المموّل الرئيسي لشؤون البناء.
انتخب عام 1928م رئيسًا لمحفل إميسا، وقد كان حينها المحفل في حالة عجز مالي فأعاد له قواه وتمكّن بحسن تدبيره من تسديد العجز، ثم أعيد انتخابه للرئاسة عام 1929م فاستكمل تمويل بناء النادي الكبير إلى أن تم تدشينه سنة 1932م.
كما ترأس محفل “قدس” في حمص، وهو تابع للمحفل الأكبر المصري ومتّصل بمقام القدس. وحين أبدل اسمه إلى “محفل فاروق المصري” انتخب الطرابلسي رئيسًا شرفيًا له بمعية رئيسه الدكتور أمين قزما.
وقد قدّم له محفل إميسا بموافقة المحفل الأكبر الاسكوتلندي وسامًا ذهبيًا من الدرجة الأولى بمناسبة مرور خمسين عامًا على انتسابه للمجتمع الماسوني، وذلك بتاريخ 31 أيار 1932م.
وفاته:
توفي أنطون طرابلسي في حمص بتاريخ 7 حزيران 1933م، وحصل له حفل تأبين كبير في نادي محفل إميسا الماسوني بالتعاون مع لجنة من الشباب الأرثوذوكسي.
انظر:
رسالة عمر الأتاسي رئيس الحكومة المؤقتة بحمص لتعيين أنطون طرابلسي عام 1918
أنطون طرابلسي بالوشاح الماسوني