من الصحافة
صحيفة 1954- القصة الكاملة لحركة الجيش واستقالة الشيشكلي 1954
في الخامس والعشرين من شباط عام 1954 جرى الإنقلاب على الرئيس أديب الشيشكلي الذي قدم استقالته مساء ذلك اليوم قبل أن يغادر سورية إلى لبنان.
صحيفة ألف باء نشرت خبراً يتناول تفاصيل حركة الإنقلاب على الشيشكلي في العدد الصادر في السابع والعشرين من شباط عام 1954مز
عنوان الخبر:
القصة الكاملة لحركة الجيش واستقالة الشيشكلي
الحركة بدأت في حلب ورسمت خطوطها من قبل ضباط لوائي حلب والجزيرة
الشيشكلي يفاجأ بالنبأ فيجمع أعوانه للمقاومة ولكنه يضطر بالنهاية إلى التسليم.
نص الخبر:
كانت حركة القيادة الشمالية مفاجأة غير منتظمة بالنسبة للقائمين على الحكم في العاصمة.
مفاجأة بأوسع ما تعني هذه الكلمة، كما كانت حاسمة حازمة لم تترك ناحية يمكن أن تطرأ إلا وتحسبت لها.
فقد تأكد القائمون عليها بأن معظم ألوية الجيش إن لم يكن كلها لابد وأن تنضم إليها بعد أن شعر الضباط وأفراد الجيش بأن عاطفة واحدة واتجاهاً موحداً يلفهم جميعاً.
بدء الحركة
وكانت الخطة قد وضعت لتنفيذ صباح الجمعة وليس الخميس “25شباط” ولكن التعجيل بها استلزمته الحيطة وفرضته طبيعة الحدث سيما بعد أن وثق القائمون على الحركة بأن نجاحها أصبح مضموناً.
الأسباب العميقة للحركة
وتعود الجذور العميقة لحركة الجيش الأخيرة إلى الأحداث التي وقعت خلال الشهر الماضي بإعلان الأحكام العرفية وحوادث جبل الدروز واعقتال رجالات البلاد ومحاولة إصدار قانون بإطلاق يد الزعيم الشيشكلي في الجيش من حيث تسريح وترفيع الضباط.
المنفذون
وقد ثبت لدينا حتى الآن أن حركة القيادة الشمالية تمت على يدي العقيد فيصل الأتاسي والزعيم أمين أبو عساف والرئيس مصطفى حمدون وبضعة ضباط آخرين.
إعلان الانفصال:
وفي تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل توجه العقيد أتاسي إلى منزل قائد اللواء الثاني الزعيم خان تمر واعتقله واستولى على القيادة واحتل المؤسسات العامة ومنها محطة حلب.
وفي الساعة الثامنة تماماً بدأ الرئيس حمدون بإلقاء بيان قيادة اللواء الثاني بإعلان الانفصال عن دمشق حتى يغادر الشيشكلي العاصمة مستقبلاً.
وما أن مرت الساعات الأولى من صباح يوم الخميس حتى كانت ألوية الجزيرة والفرات وحمص وحماه واللاذقية وحوران قد انضمت جميعها إلى حركة اللواء الثاني في حلب.
العاصمة
ومنذ الساعة التاسعة بدأ الناس يتهامسون عن حركة حلب وظن بعضهم أن الأمر لا يتعدى حد الشائعات وهرعوا إلى المذياع لتفاجئهم الحقيقة الطيبة وبسرعة كانت دمشق كلها على علم بما تم في حلب.
الشيشكلي وأعوانه
أما الزعيم الشيشكلي فقد علم بالحدث منذ أن أذيع لأول مرة في الساعة الثامنة وحسب أن الأمر لا يتعدى منطقة حلب ودعا أعوانه من السياسيين الرسميين كما اتصل برئاسة الأركان العامة وعقد إجتماعاً طارئاً لدراسة الوضع. وبينما كانت جهوده منصرفة إلى إيجاد مخرج للحركة التي ظنها لا تتعدى منطقة حلب فوجئ بالأخبار الجديدة تعلن عن انضمام ألوية جديدة إلى اللواء الثاني.
وحتى ذلك الوقت كان الزعيم الشيشكلي يحسب أن الظروف قد تساعده على قمع الحركة التحريرية التي قام بها لواء حلب.
وكانت العاصفة هي انضمام لواء المنطقة الوسطى من سوريا ثم منطقة حوران. عند ذلك بدأ يفكر جدياً بالرضوخ للأمر الواقع ومع ذلك فقد تريث وجمع بعض العسكريين في إجتماع صغير لدراسة إمكانية المقاومة ولكنه وجد إعراضاً ظاهراً لدى الضباط الذين استبعدوا منذ اللحظة الاصطدام بأخوانهم في السلاح في معركة خاسرة على كل حال.
الاصطدام بالواقع
ومنذ الظهر بدأ الواقع يصطدم بالخطط التي فكر الشيشكلي بها. أيسحب قوات الجبهة فتنكشف الحدود؟ أم يستدعي القوات المرابطة في جبل الدروز؟
وبعد حساب بسيط تبين له أن جميع القوى لا تستطيع أن تجابه حركة الجيش الإجتماعية، كما أن قادتها لم يبدو استعداداً لتنفيذ أوامر القيادة.
في هذه الأثناء ورد على الزعيم الشيشكلي إنذار من قادة الإنقلاب بأن يستقيل قبل الساعة التاسعة من مساء أمس الخميس، وإلا فإنهم سيهاجمون دمشق.
وكان القادة قد اتصلوا بالرئيس هاشم الأتاسي في حمص وكلفوه أن يؤمن صلاحيات رئاسة الجمهورية وعند المساء اتصل الرئيس الأتاسي هاتفياً بالشيخ معروف الدواليبي الموجود في بيروت، وأبلغه خبر الإنذار المشار إليه، وطلب إليه أن يبلغ ممثلي الدول العربية في بيروت أن القوات ستهاجم دمشق إذا لم يستسلم الشيشكلي لذلك يجدر بهم الإتصال بحكوماتهم وإيلاغها كي تتدخل لإقناعه بالإنسحاب حقناً للدماء.
وقد قام الشيخ معروف بالمهة. وعلى أثر وصول الإنذار، عقد الشيشكلي إجتماعاً آخر في القصر لدرس الموقف، فقام أكثر القادة بالاستسلام، ولكن بعض المقربين إليه ألحوا عليه بالبقاء والمقاومة.
الاستقالة
وهكذا طالت المناقشة في الإجتماع حتى قاربت الساعة التاسعة، وعندئذ اتصل القصر بقادة الإنقلاب في حمص، وطلب إليهم تمديد المهلة نصف ساعة.
وكان عدد كبير من أنصار الشيشكلي من النواب والوزراء مجتمعين في القصر. وفي الدقائق القليلة الباقية، قرر الشيشكلي الاستقالة، وقدمها إلى رئيس المجلس النيابي.
وكانت قد جرت أثناء النهار اتصالات بين القصر والسفارة السعودية، أبلغته هذه على أثرها أن جلالة الملك سعود مستعد لاستقباله إذا شاء السفر إليها.
وكان الوقت لا يسمح بتدبير طائرة فقد ركب الزعيم سيارة خاصة نقلته إلى بيروت، ومعه مرافقه وأخيه صلاح الشيشكلي، وحل في بيروت ضيفاً على السفارة السعودية في انتظار وصول طائرة تقله إلى الرياض.
وعند الساعة الحادية عشرة وقت دمشق أذاعت دمشق نبأ الاستقالة رسمياً. ثم أذاع الحاكم العسكري الزعيم شوكت شقير رئيس أركان حرب الجيش ببيانه المعروف.
إطلاق سراح المعتقلين
وقد توجه العقيد شقير في الساعة الواحدة إلى سجن المزة حيث أطلق سراح المعتقلين جميعاً.