بطاقات بحث
القطة – من الحكايات الشعبية الشامية
القطة – من الحكايات الشعبية الشامية
من حكايات حي مئذنة الشحم
الراوي: امرأة عجوز سمعتها من عجائز أسرتها وقد سمعنها بدورهنّ من أمهاتهن وجداتهن. ومعنى ذلك أن هذه الحكاية تحمل رواية الجيل الثالث للرواة. وجيل الرواية قد يمتّد زمنها إلى منتصف القرن الثامن عشر للميلاد.
توثيق الباحث نزار الأسود.
كان ياما كان في قديم الزمان
كانت في سالف الأيام، امرأة تعيش مع زوجها، وابنتها، وهذه البنت تربي قطة، ومع مرور الأيام، نشأت مودة ومحبة وألفة متبادلة بين البنت والقطة. فخافت الأم إن هي ماتت فجأة، ما سيحل بابنتها وقطتها! فأوصت زوجها بابنتها وقطتها خيراً! وكانت تشعر أن ابنتها لن تعيش دون القطة، وأن الخالة زوجة الأب سوف تقسو عليها، ثم ماتت الأم، مرتاحة البال، مطمئنة على ابنتها، إذ تعهد زوجها أن يبقى وفياً لما ولذكراها. وأن يحافظ على ابنته وقطتها.
وبالفعل فقد كان الأب وفياً لعهد زوجته، فاعتنى أيما اعتناء، والبنت تطعم القطة، وتدللها وتغسلها. إلى أن دخلت عليها جارتها ذات مساء، وقالت لها: أنت تضعين صباك، ومن يفني عمره بالعمل والطبخ والغسيل. اهتمي بنفسك، والرجل لا يعيش وحيداً، ينبغي أن تبحثي له عن زوجة صالحة..؟
وما أن سمع الأب بحديث ابنته، حتى صاح غاضباً: ومن يهتم بك، ويدللك أنت وقطتك؟ فلما أخبرت البنت جارتها بما قاله أبوها. ابتسمت وتنهدت: أولاد الحلال ما أكثرهم! وأنا منهم، أقبل بك، وبقطتك وأخدم أباك، وأنهض بأعباء المنزل فأنا شاطرة ونظيفة وست بيت.
وكذلك كان، فالجارة طُلبت، وخُطبت، فرضيت، وكتب كتاب ابن الناس على بنت الناس، إنها القسمة والنصيب. دخلت الجارة البيت، وأصبحت زوجة أب بمعنى الكلمة. ونسيت حديثها مع ابنة زوجها، وأصبح شغلها الشاغل! القطة! القطعة؟ حتى أجبرتها أن تأكل وحيدة مع قطتها، وكانت تلقي إليها بفضلات الطعام، بعد أن تأكل ما فيها من لحمة.
ثم ثارت الخالة على الزوج قائلة: ومن يصبر على قطة ابنتك، إما أنا أو ابنتك؟ أريد منك حلاً، قال الأب: أنت أولاً ثم ابنتي، حضّري لي زوادة من البيض، واللّحم واللّبن، لأذهب مع ابنتي في سيران على الحمارة، ثم أتركها وأعود فترتاحين.
وهكذا مشى الأب بابنته إلى بلاد ما فيها عباد، حتى ولا ظل شجرة، فقالت له ابنته: لقد تعبت من المشي، وأريد أن أنام وقطتي، ثم نامت على رجله.
ففكر في ذبحها، إلا أن قلبه لم يطعه في ذلك، فسحب رجله من تحت رأسها، ووضع رأسها على التراب، وهم بالرحيل، إلا أن قلبه ظل عند ابنته، فنظر إلى القطة، وناجى ربه ودعاه بحسنة هذه القطة، وبمعروف ابنتي معها، نجها يارب، ثم تركها وعاد إلى بيته..
حين استيقظت البنت من نومها، صاحت: أبي! أبي! ولكن ما من مجيب، وكان المساء يزيدها وحشة. ونظرت في السّلة، فوجدت زوادة خالتها، من الزّيت والزّعتر، مالا يسمن ولا يغني من جوع. ثم أنطق الله القطة واستجاب لدعاء الأب.! فأخبرت القطة البنت بالحقيقة وبمؤامرة خالتها، وبما فعله أبوها. وبعد أن غابت القطة قليلاً عادت، وبين يديها سفرة ملوكية، من لحم الدجاج والخراف، إنها صينية تليق بالوزراء والأمراء..!
وبعد مدة من الزمن، وبعد أن ملت البنت من الحياة في الأرض الموحشة. قالت لها القطة: امشي معي إلى بوابة قصر الملك، وما عليك إلا أن تفعلي ما أطلب منك، ثم أسرّت إليها بما يجب أن تفعل..
وعند المساء، فتحت بوابة القصر، وخرجت منها جارية، لتلقي الزبالة، فنظرت فرأت بنتاً حلوة جميلة، تأكل من بقايا الطعام! فأشفقت عليها كما أشفقت البنت على القطة. “كما تدين تدان”.
بعد أن اطمأنت الجارية إلى أنّ البنت أنسية، دخلت القصر مسرعة. أخبرت الملكة خبر البنت المسكينة. فرق قلب الملكة، فنادتها!! وسرعان ما قبلت البنت أن تعيش في القصر، وأن تفصص الثوم، وتقشر البصل. وقالت اسمي “فاطمة”
وطلبت القطة، ومن فاطمة، أن تأكل قليلاً من الطعام وأن تترك اللحمة، وأن تعف حتى عن أكل التفاح والبرتقالة، لتعرف أنها ابنة نعّم كما أظهرت فاطمة عفّتها عن المال والذهب. فتزايد إعجاب الملكة وصارت تعاملها كابنتها، ولاسيما بعد أن أحبها الأمير وأبدى رغبته في الزواج منها، فوافقت الملكة ووافقت فاطمة، وكتب الكتاب، وكان العرس وحفل الزفاف.
وفي صبيحة ليلة العرس، أخذ الملك يحدث فاطمة حديثاً رقيقاً، ويسلبها ويمزح معها..! وكان يشعر بالفرح والسعادة لزواج ابنه الأمير من فتاة بارعة الجمال. فقال لها: ما أحلى ذقني..! فأجابته: ذقنك جميلة إلى حد أنها تشبه مقشة بيت أهلي! فغضب الملك من قولها، وفار وغلى وقال: الشرشوح شرشوح، سوف أطرد فاطمة من القصر.
قالت القطة لفاطمة: لم قلت ذلك؟ أهكذا يخاطب الملوك؟ فاعتذرت فاطمة حيث لا ينفع الاعتذار..! فقالت القطة : لا بأس عليك؟ سوف أغيب أربعين يوماً وبعدها لن تكوني كذابة كذابة في قولك ذاك للملك.
ثم جاء مجمل الحج، وجاء الرجال يصيحون ويقرعون بوابة القصر: هنا فاطمة أين فاطمة؟ نريد فاطمة ابنة ملك الهند.
لما خرجت فاطمة أخبرها صاحب المحمل أن أباها الذي أصبح ملكاً على الهند يعاني من مرض عضال. وقد بعث مع محمل الحج يطلب حضورها إليه، ليراها قبل أن يموت. فأغمي على فاطمة من البكاء والنّحيب. ولم تصح إلا بعد أن أنعشت بماء الزهر. وما كادت تسترد وعيها حتى سافرت على الجمال إلى الهند بصحبة زوجها والملك والملكة.
وفي الهند جففّت فاطمة دمعتها – بعد الحزن على أبيها، الذي انتقل إلى رحمة الله- وتربعت على العرش لتحكم البلاد. وبعد مدة أحضرت لها القطة أربعين مفتاحاً كل مفتاح لغرفة في القصر. وفي كل غرفة الذهب والألماس. وطلبت منها أن يفتح الملك الغرف، وله ما فيها، شريطة أن يكنس الغرفة الأخيرة بذقنه. فوافق الملك. إلا أن احتار، كيف يكنس الغرفة بذقنه..!! فأحضرت له فاطمة مقشة أبيها، من اللؤلؤ والزمرد، والياقوت فكانت أحسن وأفضل من ذقنه..
ومضت الأيام، فكبرت القطة، وأسنت، وشعرت بدنو أجلها. فأرادت امتحان فاطمة الامتحان الأخير. وكان لديها جوهرة ثمينة فخبأتها في بشكير بغرفة الضيوف. وقالت لفاطمة: إذا متّ فغسليني بماء الزهر، وكفنيني ببشكير غرفة الضيوف. وكذلك كان. فعثرت فاطمة على الجوهرة..
توتة توتة خلصت الحتوتة.
انظر:
الحكايات الشعبية في الساحل السوري