You dont have javascript enabled! Please enable it!
وثائق سوريا

بيان مصطفى السباعي حول جعل دين الدولة الإسلام عام 1950

 شكلت الجمعية التأسيسية في سورية لجنة لكتابة دستور جديد في سورية عام 1950م. واستقبل رئيس اللجنة في يوم الأحد الخامس من شباط عام 1950 وفداً من ما يسمى “خريجو الجامعات العليا” والذي قدم له ورقة تتضمن ملاحظاتهم وآراؤهم حول دستور الجمهورية الجديد ولاسيما في موضوع دين الدولة والرئيس، وطلبوا من اللجنة العدول عن قضية اعتماد مادة تنص على جعل دين الدولة الإسلام.

اعترض الكثير من السوريين حينها على خطوة جماعة ما تسمى “خريجو الجامعات العليا” هذه ، ونشر مصطفى السباعي بياناً حول فند فيه هذه المزاعم ودعا إلى إعتمد مادة تنص على جعل دين الدولة الإسلام.


نص البيان:

بيان الشيخ مصطفى السباعي عن فكرة جعل دين الدولة الإسلام

الأسباب والدوافع السياسية والقومية والاجتماعية التي يراها الشيخ السباعي موجبة لذلك

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسله وعلى دعاة الحق والخير إلى يوم الدين

لقد كنت أؤثر بناء على رغبة لجنة الدستور ورغبة المخلصين جميعاً، وأن يظل النقاش حول دين الدولة محصوراً بين أعضاء لجنة الدستور، والمجلس التأسيسي ومن أجل هذا أوقفت كل نشاط في الدعاية لهذه الفكرة، سواء في أوساط الجمهور أو الأندية العامة، أو على صفحات الصحف، ولم أبد رأيي من قبل إلا حين طلبت مني “المنار” الإجابة على أسئلة تتعلق بهذه الفكرة، فأجبت بما اعتقد أن فيه غاية الصراحة واللباقة ومراعاة شعور المعارضين لنا، وخاصة أبناء الطوائف الأخرى.

ولكنني قرأت أمس بياناً نشرته بعض الصحف لمن أسموا أنفسهم خريجي الجامعات العليا وزعموا أنهم كلهم مسلمون، وقد خانتهم الجرأة والشجاعة فلم يذكروا لنا إسماً واحداً من أسمائهم لنعرف مبلغ الصدق فيما ادعوه من تخرجهم من الجامعات العليا ومن انتسابهم إلى دين الإسلام.

وقرأت اليوم بياناً من بطريركية الروم الكاثوليك بدمشق. كما قرأت مثله في معناه لبعض أحياء النصرانية في المدن السورية. وحين نزل أصحاب الرأي الثاني إلى الميدان الصحفي الشعبي يدلون بآرائهم وحججهم، أصبح من واجبنا أن ندلي بحججنا وآرائنا، وأن نطلع الرأي العام على حقيقة فكرتنا، وأنا نناقش أدلة المخالفين ونفندها، الأمر بعد ذلك كله للشعب، إذ هو مصدر كل سلطة، وسيادته هي السيادة الحاكمة التي تتمثل في مجلسه التأسيسي وحكومته الدستورية.

لماذا نطلب بالنص على دين الدولة؟

الدساتير تعبر عن رغائب الشعوب، واتجاه قادتها وممثليها في الإصلاح الذي يلزمها، ولا شك أننا نحن السوريين جزء من الأمة العربية، وإرادة الأمة العربية واضحة جلية في أنها تريد أن تشق طريقها إلى المجد في ظلال العقيدة والأخلاق.

تلك هي طبيعة الأمة العربية في جاهليتها وفي اسلامها في حاضرها، وكل ادعاء بغير هذه الحقيقة يكذبه الواقع، وكل محاولة للانحراف بالأمة العربية عن هذا السبيل ستصده إرادة الأمة الحازمة، وكل دعوة إلى الاتجاه نموالعلمانية والإلحاد والمادية خطر جسيم على حاضر العرب ومستقبلهم ، فالإنسانية اليوم تتجه نحو الروح والإيمان بعد أن حطمت المادية أعصابها وجرتها إلى الشقاوة، ولسنا نحاول التدليل على ميل الأمم الحديثة نحو هذا الاتجاه بعد أن أقرت هيئة الأمم حفلاتها بصلاة الله لأنها في حاجة إلى حمايته.

وسنذكر فيما بعد أن أحدث الدساتير الراقية من شرقية وغربية قد نصت على الدين في دستورها، وإذا كانت الإنسانية في حاجة إلى الأديان ترد إليها الثقة والطمأنينة فنحن أحوج ما نكون إلى هذه الثقة والطمأنينة، خصوصاً بعدما قامت بجوارنا دولة إسرائيل، وهي تجند الدين لتجمع شمل اليهود في العالم، وتستثير حماسهم، وتستدر أموالهم وقد نصت في أول دستورها على أنها قائمة على المبادئ التي جاء بها أنبياء إسرائيل، ونصت في آخر مادة من دستورها على رقابة القضاء على القوانين الحالية بحيث يجب أن يردها القضاء إلى شريعة إسرائيل وان كل تشريع حالي أو سينشأ في المستقبل يجب أن يقوم على أساس التشريع اليهودي..

فإذا كانت هذه تجند الدين لتوطيد أقدامها في فلسطين ثم لتمديد عدوانها إلى ما يجاورها، ونحن أول من يتعرض لعدوانها، أفلسنا ملزمين بأن نجند الدين لالهاب الشعوب العام واستثارة حماسة الشعب وبذل ماله في التسلح وتقوية الجيش وبذل الجهد والطاعة والتنفيذ كل نظام في الدولة يؤدي إلى قوتها وصيانها؟

أفلسنا نحتاج بعد أن رأينا في معركة فلسطين أن الذين حاولوا أن يستثيروا العرب عن غير طريق الدين فشلوا، وأن الذين جاهدوا واستبسلوا واستشهدوا لم يدفعهم إلى ذلك إلا الدين الذي يعدهم بالخلود في الجنة، إذا وهبوا أرواحهم لله؟

إننا نحاول أن نبني دولة، فلتكن على أسس قوية، ونحاول أن نعالج مشاكل، فلنعالجها بروح واقعية، ونحاول أن نحل أزمة مستعصية، فلنعرف أقرب الطرق إلى إصلاحها.

ولست أرى أصدق من تصوير واقعنا وواقع الإنسانية اليوم من كلمة اللورد صموئيل زعيم حزب الأحرار البريطاني إذ قال في خطاب له بتاريخ 25 شباط 1947 “ان الأزمة الحالية التي تعانيها الإنسانية هي أزمة أخلاقية، ويجب أنعاش الروح الدينية إذا أردنا التغلب عليها”.

ومادمنا في حاجة إلى الإيمان لنتغلب به على الصعاب ونحل به أزمتنا  النفسية والأخلاقية فلنجعل هذه الرغبة في دستورنا واضحة جلية حتى تكون الخطة واضحة لكل حكومة وكل متزعم لهذا الشعب في المستقبل ومن ثم فالنص على أن للدولة ديناً أمر ضروري تحتمه مصلحتنا الاستقلالية والوطنية والأخلاقية، ولا يعارض في هذا الأمر إلا من يريد أن يسبح في بحر العلمانية المتحدة لنتردى في الشقاء أكثر مما نحن فيه، ونفقد البقية الباقية من الأمل بالمستقبل والثقة بالنفس، والقوة المعنوية، التي تحيل هزائم الشعوب إلى انتصارات خالدة.

لماذا يجب أن يكون دين الدولة الإسلام؟

إذا كان النص على أن للدولة ديناً أمراً تحتمه المصلحة العامة، فأي دين ينبغي أن يكون دين الدولة؟

1- القواعد الديمقراطية

إن القواعد المتبعة في دساتير العالم وأنظمة الأحزاب ومدلولات المجالس النيابية، بل في عرف الدينا جميعاً إن رأي الأكثرية هو المتبع والمعمول به‘ فإذا قلنا أن دين الدولة الإسلام وهو دين تسعة أعشار السوريين ودين 98 بالمائة من العرب، أنكون في هذا قد تجاوزنا الحق، وأهدرنا المنطق، وخالفنا الديقراطية؟ وهذه هي الدول التي نصت دساتيرها على دين معين إنما اتخذت دين الأكثرية دينها الرسمي في كثير من الأحيان.

فجمهورية الأرجنتين نصت في المادة الثانية من دستورها الصادر في 11 آذار 1949 أنها تدعم أو تؤيد أو تساند المذهب الكاثوليكي الرسولي الروماني. وهذه جمهورية ايرلندا تنص في دستورها الصادر في عام 1937 أن الكنيسة الكاثوليكية هي الكنيسة المفضلة ذات الامتياز في الجمهورية. هذا عدا عن دساتير الدول العربي والإسلامية، وليس في الدينا دولة أكثرية في الدين وأقلية، فهل نكون قد أتينا ببدع من الأمر إذا مشينا على القاعدة التي تمشي عليها دول العالم؟

2- المصلحة الداخلية

والدولة السورية اليوم في مطلع داخلي مؤلم لا ينكره أحد، وعبثاً تحاول النظام والقوانين أن تصلح روح أمة مالم يكن معها وازع نفسي من دين وخلق، فإذا أردنا لهذا الشعب حياة كريمة، وتعلقاً بالدولة، ودفاعاً عن الوطن كان النص على أن دين الدولة الإسلام حافزاً لشعب – وهو في أكثرية الساحقة مسلم- ان ينفذ النظام التي تسن له، والأوامر التي تصدر في مصلحته من حكوماته إذ يرى في ذلك أمراً دينياً محتماً لا يجوز التخلي عنه ولعمري أن أية حكومة في الدينا مهما كانت قوية راية تحتاج إلى هذا الوازع الديني النفسي فكيف تستغني عنه جمهوريتنا الناشئة المحاطة بالصعاب؟

3- المصلحة القومية

ونحن السوريين دعاة وحدة عربية نتعتبر أنفسنا جزءاً من الأمة العربية ووطننا السوري جزءاً من الوطن العربي الأكبر وجمهوريتنا هي اليوم عضو في الجامعة العربية، وسيكون غداً بفضل الله جزءاً من الدولة العربية الواحدة، والعرب سبعون مليوناً على أقل تقدير، ثمانية وستون مليوناً منهم مسلمون، واثنان مسيحيون، ودول الجامعة – ماعدا لبنان وله وضعه الخاص- تنص في دساتيرها على أن دين الدولة الإسلام كما في مصر والعراق والأردن، أو يقوم واقعها على ذلك كالمملكة العربية السعودية واليمن، فالنص على أن دين الدولة الإسلام عامل قوي من عوامل الوحدة الشعبية بيننا وبين اخواننا العرب، ومظهر رسمي من مظاهر التقارب بين دول الجامعة العربية، لماذا تهمل أقوى عامل من عوامل الوحدة العربية شعبية ورسمية؟ ولماذا نتجاهل الواقع الملموس؟

4- المصلحة السياسية

العالم ينقسم إلى كتل سياسية كبرى وكل معسكر يسعى إلى توسيع نفوذه الثقافي والاقتصادي والفكري والاستعماري.. ويبذل في سبيل ذلك الأموال الطائلة والجهود الجبارة.

ونحن العرب في واقعنا المؤلم، وفي حياتنا المقبلة لابد لنا من ميدان نفوذ يساندنا في الميادين الدولية ويتصل بنا بعاطفة الحب أو الصداقة أو التعاون، وقد جعل الإسلام لنا في العالم الشرقي ميدان نفوذ يمتد بين أربعمائة مليون مسلم كلهم يحبون لغتنا وتراثنا وكتابنا وثقافتنا حتى أن الباكستان قد قررت إعتبار اللغة العربية لغة رسمية لها، وقد رأيناها في هيئة الأمم تدافع عن حقنا في فلسطين دفاعاً حاراً قوياً استحق شكر الدول العربية وشعوبها، من حيث كانت الدول الغربية المسيحية تتآمر على مهد السيد المسيح ومبعث رسالته، فهل وقفت الباكستان هذا الموقف، وهل اتخذت لغتنا لغة رسمية إلا من أجل الإسلام الذي آمنت به وبنت دولتها وحياتها على أسسه؟

وقل مثل ذلك في أندونيسيا المجاهدة، وقد نصت هاتان الدولتان الكبيرتان اللتان يبلغ عدد سكانهما مائة وخمسون مليوناً في مشروع دستوريهما على أن دينهما الإسلام. أفليس مما يقوى الرابطة بيننا وبين هذه الدول والشعوب أن تعترف بالإسلام ديناً وهو ديننا الذي صدرناه إليهم ونشرناه في ربوعهم. ألسنا في حاجة إلى أسواق تجارية فيهما لمنتوجاتنا؟ ألسنا في حاجة معونات اقتصادية؟ ألسنا نجد في هذه الشعوب ميدان نفوذ طبيعي برئ للغتنا وثقافتنا وتراثنا وحضارتنا؟

فلمن نترك ذلك كله؟ لمن نتخلى عن مصلحتنا السياسية والاقتصادية والثقافية؟ هل يستطيع أحد أن يقول لنا ذلك بصراحة وجرأة؟؟ وبعد فهذه هي بعض الفوائد التي نجنيها من النص على هذه المادة في الدستور وهي كما يرى القارئ فوائد محققة لا نستغني عن واحدة منها في حياتنا المليئة بالمتاعب والمشاكل.. فما هي المساوئ التي تنشأ عن هذه المادة؟ سنحاول تلخيصها والإجابة عنها بإيجاز لى أن نعود إلى هذا الموضوع بالبسط والتوضيح؟

اعتراض الطوائف المسيحية:

يتضح مما قرأناه لرؤوساء الطوائف المسيحية، ومما سمعناه منهم ان اعتراضهم ينصب على ناحيتين اثنتين:

أ- ان معنى دين الدولة الإسلام، ان احكام الإسلام ستطبق على المسلمين والمسيحيين، ولما كانت للمسيحيين عقائد وأحكام وأحوال شخصية تختلف عن الإسلام فكيف يجبرون على أحكام الإسلام؟

وهذا الفهم خاطئ من نواح عدة أهمها أن الإسلام يحترم المسيحية كدين سماوي ويترك لأهلها حرية العقيدة والعبادة دون أن يتدخل في شؤونهم، أما أحوالهم الشخصية فلا يتعرض لها بحال، ولا يمكن أن يطبق عليها أي حكم من الأحكام التي تخالف شريعتهم أو تقاليدهم، وأحكام الإسلام في ذلك واضحة، وكتب التشريع الإسلامي بين أيدينا ووقائع التاريخ لا ينكرها إلا مكابر، وقد ظل المسيحيون العرب منذ عصر الإسلام  الأول حتى الآن يتمتعون بعقيدتهم وعاداتهم وأحوالهم الشخصية لم تتعرض لها دولة ولا حكومة في الوقت الذي كان الحكم فيه للإسلام خالصاً، فكيف يتوهم الآن أن يطبق عليهم أحكام تخالف دينهم ونحن في دولة برلمانية شعبية، الحكم فيها للشعب ممثلاً في نواة المسلمين والمسيحيين.

ونريد في ذلك أنه مع احترام الإسلام لكل ما ذكرناه فنحن لم نكتف بذكر هذه المادة في الدستور بل اقتراحتها أن تنص على احترام الأديان السماوية وقدسيتها واحترام الأحوال الشخصية للطوائف الدينية، فكيف يخطر في البال بعد هذا أن هنالك خطراً على عقيدة المسيحيين وأحوالهم الشخصية.

ب- إن معنى دين الدولة الإسلام العداء للأديان الأخرى، وانتفاض غير المسلمين في حقوقهم والنظر إليهم نظراً يختلف عن اتباع الدين الرسمي.

وهذا خطأ بالغ أيضاً، فليس الإسلام ديناً معادياً للنصرانية حتى يكون النصر عليه عداء لها، بل هو معترف بها ومقدس لسيدنا المسيح، بل هو الدين الوحيد من أديان العالم الذي يعترف بالمسيحية وينزه رسولنا الكريم وأمه البتول، وقد أمر القرآن اتباعه أن يؤمنوا بالأنبياء جميعاً ومنهم سيدنا عيسى عليه السلام فأين العداء وأين الخصام بين الإسلام والمسيحية.

أوليس النص على أن الإسلام دين الدولة الرسمي يتضمن أن المسيحية دين رسمي للدولة باعتبار الإسلام معترفاً ؟

وأما توهم الانتقاص من المسيحيين وامتياز المسلمين، فأين الامتياز؟ أفي حرية العقيدة والإسلام يحترم العقائد جميعاً، والدستور سيكفل حرية العقائد للمواطنين جميعاً، أم في الأحوال الشخصية والإسلام يحترمها والدستور يضمنها ويحترمها، والإسلام، ولا يفرق بين مسلم ومسيحي، ولا يعطي للمسلم في الدولة حقاً أكثر من المسيحيين؟ والدستور سينص على تساوي المواطنين جميعاً في الحقوق والواجبات.

أني سأضع أمام القراء وأمام أبناء الشعب جميعاً نص المادة المقترحة في هذا الشأن ليروا بعد ذلك أي خوف منها وأي غبن يلحق المسيحية فيها:

1- الإسلام دين الدولة.

2- الأديان السماوية محترمة ومقدسة.

3- الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية.

4- المواطنون متساوون في الحقوق لا يحال بين مواطنين وبين الوصول إلى أعلى مناصب الدولة بسبب الدين أو الجنس أو اللغة.

إني اسأل المنصفين جميعاً وخاصة أبناء الطوائف الشقيقة إذا كانت المادة التي تنص أن دين الدولة الإسلام هي التي تتضمن هذه الضمانات كلها، فأين الخوف؟ وأين الغبن، وأين الامتياز للمسلمين؟ وأين الانتقاص لغيرهم؟

اعتراض القوميين:

ويعترض بعض القوميين بأن النص على دين معين للدولة ينفى الوحدة بين أبنائها، وأن سوريا ذات أديان مختلفة فلا يصح أن ينص على دين معين.

والواقع أنه ليس في سوريا إلا مسلمين ومسيحيون، وقليل جداً من اليهود. أما الطوائف فهي كلها ترجع إلى هذين الدينين، وفي النص الذي ذكرناه سابقاً ضمان لحقوق المواطنين جميعاً وتساويهم وضمان لعقائدهم وأحوالهم الشخصية فأي تفرقة في هذا النص.

وهل في الدنيا دولة ليس فيها إلا دين واحد أو مذهب واحد؟ فهل منع تعدد الأديان أو المذاهب كثيراً من الدول أن تنص على دين معين ومذهب معين.

إن الوحدة القومية بين العرب ليست بطرح عواطف ثمانية وستين مليوناً وإهمال هذا الرابط الديني القوي بينهم، وإذا كان مفهوم القوميات في أوربا يحتم إخراج الدين من عناصرها الأساسية، فذلك لا ينطبق علينا نحن العرب. ان ألمانيا النازية قد تجد في المسيحية ديناً غريباً عنها، وان تركيا الطورانية قد تجد في الإسلام ديناً غريباً عنها، ولكن العرب لن يجدوا في الإسلام ديناً غريباً عنهم بل هم يؤمنون بأن قوميتهم العربية لم تولد إلا في أحضان الإسلام، ولولاه لما كانت ذات وجود حي قائم، فليفرق دعاة القومية بين أوربا والشرق، وبين نصرانية الغرب وإسلام العرب.

وإذا أضفنا إلى ذلك أن الإسلام يحترم المسيحية ويؤمن بها ديناً سماوياً لم يبق عندنا في القومية العربية دينان يتعاونان على بناء القومية العربية بناء سلمياً علمياً خالداً.

اعتراض العلمانيين:

ويعترض دعاة العلمانية في بلادنا كما جاء في البيان المنسوب إلى خريجي الجامعات العالية بأن “الشعوب التي سبقتنا في ميدان الحضارة مرت من مرحلة الدين في التنظيم والحكم حيث كان رجال الدين يسيرون أمور الدولة إلى مرحلة القومية، ثم هي تنتقل اليوم إلى مرحلة التنظيم على أساس التكتل السياسي والاقتصادي ذي الصبغة العالمية”.

ونحن تجيبهم بأن النص على دين الدولة ليس معناه أن يسير رجال الدين أمور الدولة، ولو كان كذلك لما وضعت هذه الأمم التي سبقتنا في ميدان الحضارة في دساتيرها النص على دين الدولة.

وفيما يلي بيان لبعض الدول الحديثة التي تنص في دساتيرها على دين معين: اسوج، النرويج، دانمارك، بلغاريا، بيرو، كوستاريكا، باناما، بولونيا- قبل أن تصير شيوعية، إيطاليا، اليونان- قبل الحرب الأخيرة- بوليفيا، الأرجنتين، إيرلنده الحرة، مصر، العراق، الأردن، إيران، الأفغان، باكستان، اندنوسيا، إسرائيل، انكلترة، إسبانيا، ليبيا.

فما قول العلمانيين في صنع هذه الدول الحديثة؟ ألا يدل على أن النص على دين الدولة لا يتنافى مع تطور الحضارة وتقدم المدنية؟.. أم يعتبرونها من مرحلة القومية إلى مرحلة التكتل السياسي الاقتصادي، فلماذا يرون من الأمور الطبيعية أن تتكتل بلغاريا وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا وألبانيا ورومانيا، المجر، والصين على أساس الشيوعية وهي عقيدة حديثة لديهم ولا يرون من الطبيعي أن تتكتل مصر وسوريا والعراق واليمن والحجاز والأردن على أساس الإسلام. وهو عقيدة هذه الأقطار؟ أليس الإسلام غاية ؟ أم أنتم لا ترونه كذلك أيها العلمانيون؟ فلماذا لا تصارحون الشعب بسوء ظنكم بالإسلام وصلاحه للحياة؟

من العجيب أن يحرص العلمانيون في بياناتهم على الروابط التي تربط ما بين السوريين وبين المغتربين في الخارج، ثم لا يبالون بالروابط بين السوريين وبين سبعين مليوناً من اخوانهم العرب، ومتى كان النص على دين الدولة سيقطع ما بيننا وبين المغتربين الذين نحرص على دوام الصلة بهم وارتباطهم بالوطن ولو فرضنا أن هذا النص سجعل فتوراً بيننا وبينهم – وهذا فرض مستحيل- لكنه سيربط ما بيننا وبين العرب، فهل تفضلون أن نلزم أنفسنا برغبة نصف مليون، أم بعقيدة سبعين مليوناً، فإن فضلتم الأولى كنتم قد كفرتم بالعروبة رابطة قومية، بعد أن جحدتم الإسلام نظاماً إجتماعياً صالحاً.

وأعود فأقول لهؤلاء أن “البعبع” الذي يخوفون به بعض المثقفين من أن النص على الإسلام ديناً للدولة يجعل لرجال الدين الكلمة الأولى في البلاد، هو بعبع لا يخيف الا من خيم الوهن، الباطل على عقولهم فليس في الإسلام رجال دين تكون لهم الكلمة العليا، ونحن لن نريد بهذا النص أن نلغي البرلمان ونطرد ممثلي الأمة ونمحو القوانين.

كلا كونوا مطمئنين فسيظل كل شئ على حاله، سيبقى لنا مجلسنا ونوابنا وقوانيننا وأنظمتنا ولكن مع سمو الروح ونظافة اليد واستقامة الأخلاق وعيش الإنسان الكريم.

ويعترض بعض الحقوقيين  بأن جعل دين الدولة الإسلام يلغى القوانين الحالية ويضطرنا إلى تنفيذ الحدود الإسلامية من قطع يد السارق وحد الزاني، هذا قول خاطئ ولا نفكر قطعاً بالدعوة إلى تنفيذ الحدود لأن الإسلام نظام كامل لا يظهر صلاحه إلا في مجتمع كامل، ومن كمال المجتمع، أن يشبع كل بطن، ويكتسي كل جسم، ويتعلق كل إنسان، ويكتفي كل مواطن. فإذا وقعت السرقة مثلاً بعد ذلك وقعت شراً محضاً لا يقدم عليه الا العريقون في الإجرام، والإسلام يريد أن يرهب هؤلاء الذين لم يردعهم العلم ولا الشبع ولا العيش الكريم عن الوقوع في الجريمة.

على أن الإسلام  قد حق تلك الحدود بشروط شديدة جداً يكاد يكون من المتعذر الحكم معها في حادثة واحدة من بين ألف حادثة مما يدل على أن  قصد الإسلام من ذلك الإرهاب والتخويف وحسبكم الحديث المشهور “ادرؤوا الحدود بالشبهات”.

وخلاصة القول إننا لا نريد إنقلاباً في قوانيننا الحالية، وإنما نريد التقريب بينها في التشريعات المدنية وبين نظريات الإسلام الموافقة لروح هذا العصر ولا صدق النظريات الحقوقية السائدة فيه، فإذا اتفق التشريع الإسلامي مع النظريات الحديثة فهل تجدون حرجاً في الأخذ به تراثاً قومياً عربياً تعتزون به وتفاخرون؟

هذا مع العلم بأن مسألة التشريع مسألة خاصة لا علاقة لها بمسألة دين الدولة فليس لوضع دين الدولة من غرض الا صبغ الدولة بصبغة روحية خلقية تجعل النظام والقوانين بها مطبقة بوازع نفسي عميق، ومن مفاسدها تمتين أواصر الصلات بيننا وبين اخواننا العرب والتعاون بيننا وبين الشرق الإسلامي..

أما أن تؤدي النص على دين الدولة إلى تطبيق الحدود الإسلامية فذلك ما نستغربه ممن يفهم ذلك بعد أن مضى على وضع مثل هذا النص في دستوري مصر والعراق قرابة قرن كامل دون أن يؤدي إلى ما توهموا هذا ما نصرح به علناً لا مجاملين ولا مواريين.

وبعد فهذه خلاصة الأدلة التي تحتم علينا وضع هذه المادة في الدستور وخلاصة الأجوبة على ما يخاف منها، ونحن نرجو أن يبحث هذا الأمر بحثاً واقعياً بعيداً عن العصبية الطائفية والأهواء المستحكمة يشعرون بخطر الالحاد على الأديان جميعاً. ونحن نعلم أننا نفضل أن يكون دين الدولة المسيحية على أن تكون الدولة علمانية ملحدة، فهل يفضلون الالحاد على الإسلام؟

ونريد أن نذكرهم أن العلمانية لا تضمن حقوق الطوائف ولا تزيل التعصب الطائفي، وإنما الذي يضمن ذلك، الدين الذي جعل من تعاليمه أن يترك الناس وما يعتقدون، وأن الناس جميعاً عباد الله أكرمهم عنده اتقاهم وأنفعهم.

أما اخواننا القوميون فنحب أن يكونوا قوميين عرباً حين يبحثون هذه الناحية، وأن لا يفضلوا مراعاة شعور وهمي محصور في ناحية ضيقة على حقيقة ثابتة شائعة في دنيا العرب جميعاً. يجب أن يكونوا قوميين سوريين بل قوميين عرباً.

أما العلمانيون فلسنا نقول لهم بعد هذا أكثر من أن نتوجه إليهم بالرجاء أن لا يحولوا بين هذه الأمة ومصادر قوتها. نحن شعب نريد أن نرجع إلى الله فلا تحولوا بيننا وبينه، ونريد أن نمد أيدينا إلى أخواننا العرب فلا تحولو بيننا وبينهم، ونريد أن نستند إلى أصدقاء أقوياء فلا تحرمونا منهم، ونريد أن نتعاون مسلمين ومسيحيين، مستمعين إلى صوت السماء وتعاليم الانجيل والقرآن فلا تملأوا عقولنا بالباطل، ولا تصكوا اسماعنا بأغنية الشيطان!

“قل هذه سبيلي ادعوه إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله ما أنا من المشركين”

دمشق في 19 ربيع الثاني 1369

6 شباط 1950

مصطفى السباعي


انظر:

بيان خريجي الجامعات العليا إلى لجنة كتابة الدستور عام 1950

كلمات وبيانات مصطفى السباعي

برقية الإخوان المسلمين في سورية إلى الملك فاروق في مصر 1946م

بواسطة
صحيفة الإنشاء، العدد 3155 الصادر في يوم الأحد في التاسع من شباط عام 1950



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى