ولد الدكتور جميل محفوظ لأسرة حلبيّة متوسطة الحال في حيّ الهزازة عام 1914م.
وهو الأخ الأصغر لخمسة أشقاء (ثلاثة أولاد، وبنتان). نشأ يتيماً إذ توفي أبوه (مصطفى) خلال الحرب العالمية الأولى وهو ابن عامين، لكن أمه (زبيدة)، وأخويه (بكري وعمر)، رعوه وتولوا تربيته.
عندما بلغ السادسة من العمر أرسل إلى مدرسة النجاح الابتدائية. وفيها بدأت علامات الذكاء وأمارات النبوغ تلوح على محيّاه، ولعل هذا ما دفع مديرها الفاضل الأستاذ أمين كرمان إلى الاهتمام به اهتماماً فائقاً، مما جعله يحوز درجات عالية في امتحانات المسابقة (الشهادة الابتدائية)، تمكن على إثرها من الحصول على منحة دراسية مجّانية لمتابعة تعليمه في مدرسة التجهيز الأولى (ثانوية المأمون).
بعد أربع سنوات من الدراسة في مدرسة التجهيز الأولى نال الشهادة المتوسطة، ثم دخل دار المعلمين وتخرج فيها معلماً. وقد عُين مباشرة في حلب مدرساً للغة العربية في مدرسة الإليانس الخاصة إزاء إحرازه الدرجة الأولى في الامتحانات النهائية في دار المعلمين، وقد استمر معلماً فيها مدّة ست سنوات.
كان جميل محفوظ متفوقاً أيضاً في مجال الرياضة، فقد مارس لعبة كرة القدم، وألعاب القوى (الجري، والوثب)، وألعاب الجمباز (متواز، ثابت، وجهاز الحلقات)، ولا بدّ لنا هنا من التنويه بأنّ جميل أسهم في تأسيس فريق الخناقين لكرة القدم، وفريق السهم الأسود عام (1927)، ومن ثَمّ شارك في تأسيس نادي بني حمدان الرياضي.
يعدّ واحداً من رواد النشاط الكشفي في المدينة، حيث كان قائداً لأكثر من فوج كشفي بحلب، كما أنّه حضر المؤتمر الكشفي العالمي الأول الذي انعقد في هولندة عام (1937)، برعاية اللورد روبرت بادن باول مؤسّس الحركة الكشفية العالمية، كما اختير ليكون واحداً من أعضاء فريق الكشافة العالمي الذي طاف – خلال مدة شهرين – معظم دول أوربا، وقد تمخضت هذه الأنشطة كلها عن كتاب سمّاه الفتوة (الكشف) وضعه ليعرض فيه أسس الحركة الكشفية ومبادئها، وهو يقع في (76) صفحة، طبع سنة (1938) في المطبعة العصرية بحلب لصاحبها عبد الودود الكيالي.
ونتيجة لتميزه في التعليم بعد تخرجه في دار المعلمين، ثم في الثانوية العامة، ولتفوقه في مجالي الرياضة والكشاف، تم إيفاده عام (1938) مع مجموعة من الشبان إلى فرنسا مدة عام واحد على نفقة الحكومة السورية، وذلك لمتابعة الدراسة والحصول على مؤهل علمي جيد، هو دبلوم التربية وعلم النفس من معهد علم النفس بباريس، غير أنّ نشوب الحرب العالمية الثانية حال دون عودته إلى وطنه، لذلك عقد العزم على متابعة الدراسة في فرنسا، فحصل على شهادة المدرسة الوطنية للغات الشرقية بباريس، ثم على الإجازة في الآداب من كلية الآداب بباريس، ثم على الدكتوراه في التربية وعلم النفس عام (1944) من جامعة السوربون.
رجع الدكتور جميل محفوظ بعد ذلك إلى وطنه عام (1946)، فعين أوّل الأمر مدرساً للتربية في ثانوية جودت الهاشمي بدمشق، ثم أخذ يتقلب في مناصب بارزة كثيرة، بوسعنا أن نسردها – بحسب السنوات – كما يلي:
(1948) – مدرس للتربية وعلم النفس في داري المعلمين والمعلمات في دمشق.
(1949) – مدير البعثات العلمية بوزارة التربية في دمشق.
(1950-1951) – مدير لعدة ثانويات في حلب: ثانوية هنانو – ثانوية سيف الدولة – ثانوية المعري.
(1952-1954) – مدير لداري المعلمين والمعلمات في حلب.
(1955) – مفتش للفلسفة في المناطق الشمالية، والشرقية، والغربية من سورية.
(1956) – ملحق ثقافي للسفارة السورية في باريس.
(1957) – مفتش عام للبعثات العلمية في أوربا، ومقره في السفارة السورية بباريس.
(1958) – مدير للتعليم الخاص ومدير مساعد لمدير التربية في حلب.
(1959) – وكيل السكرتير العام للجنة البعثات العليا في الوزارة المركزية بالقاهرة، خلال فترة دولة الوحدة بين مصر وسورية (الجمهورية العربية المتحدة).
(1960-1964) – مدير التربية في إدلب.
(1965) – مدير للصحة المدرسية بوزارة التربية في دمشق.
(1966) – مدرس للتربية وعلم النفس في كليتي التربية والشريعة في مكة المكرمة.
(1967) – مدرس للتربية وعلم النفس في كلية التربية بجامعة البصرة بالعراق.
(1967) – رئيس قسم علم النفس والتربية وعضو مجلس الجامعة في جامعة البصرة بالعراق.
(1970-1975) – محاضر لتدريس مادة النصوص الفرنسية لطلاب الأدب العربي في جامعة حلب.
شارك الدكتور جميل محفوظ في العديد من المؤتمرات التربوية، والملتقيات الثقافية الفكرية، المحلية منها، والعربية والعالمية أيضاً.
تحمل عضويته في جمعية العاديات رقم (4) إزاء استئناف نشاطها مجدّداً عام (1949)، برئاسة الدكتور عبد الرحمن كيالي.
امتاز المرحوم الدكتور جميل محفوظ بالشهامة والمروءة، وعرف بالأريحية والكرم، وبالعلاقات الطيبة مع الناس، وقد ساعدته أسفاره المتعددة، ودراساته التربوية والنفسية المعمقة وعقليته المنفتحة على فهم نفوسهم واكتساب محبتهم واحترامهم، وهو رجل معروف مشهور، ما ذُكر اسمه لدى أحد إلّا وذكره بالخير، وترحّم عليه، وأشاد بمناقبه النادرة وخصاله الحميدة.
تزوج الدكتور جميل مرتين، في المرة الأولى تزوج فتاة فرنسية، اسمها (ميشيل بانسانل)، في سنة (1942)، وأنجب منها ولداً عام (1944)، أطلق عليه اسم رياض – أصبح فيما بعد صيدلانياً.
أما زواجه الثاني فكان من فتاة حلبية تدعى عزيزة مستت عام (1951)، وكان أبوها الحاج باكير فكرة مستت أستاذاً للدكتور جميل عندما كان يتابع تعليمه في مدرسة السلطاني (ثانوية المأمون)، و كان زواجه بها موفقاً إلى حدّ كبير، وقد أنجب منها عدّة أبناء: (ميادة جامعية، زياد حقوقي، إياد مهندس مدني، عماد طبيب في أمراض الأسنان وجراحتها).
مؤلفاته المطبوعة:
1- الفتوة (الكشف)، عام (1938).
2- رسالة الدكتوراه، (1944) باللغة الفرنسية، تعدّ إحدى المراجع المهمة في مكتبة السوربون حتى يومنا هذا.
3- الموجز في سيكولوجيّة الأطفال، بالاشتراك مع الخبير التربوي المصنف (محمد عدنان سبيعي).
4- ريادة في التربية، عام (2006)، وهو عبارة عن بحوث وآراء ومقالات في علم النفس التربوي، نشرها المؤلف في العديد من الدوريات والمجلات السورية والعربية، بين عامي (1945-1985)، وهو من إعداد ابنه (إياد جميل محفوظ).
مؤلفاته المخطوطة:
1- ترجمة رسالة الدكتوراه إلى اللغة العربية.
2- كتاب يضم مقالات وأبحاث في التربية وعلم النفس، فضلاً عن أخرى في الثقافة العامة، لم يشملها كتاب (ريادة في التربية).
3- رواية بعنوان (المنقذ).
4- رواية بعنوان (اليتيم).
قال عنه المفكر العربي الكبير الدكتور عبد الله عبد الدايم:
إنّ دراسات الدكتور جميل محفوظ في التربية العامة، وفي علم النفس التربوي، هي إضافات علمية جادّة إلى مخزون العلوم التربوية والنفسية، وتعدّ فتحاً جديداً في سورية والبلاد العربية، ومع ذلك العطاء البكر كله، كان الدكتور جميل بعيداً عن الادّعاء. يعمل وينتج ويجدّد بصمت وتواضع، وكان مجبولاً على دماثة الخلق، لا يبتغي على عطائه جزاءً ولا شكوراً. وحسبه منه أن يذيعه ويوطئه للدارسين، وأن يقدمه سائغاً لأبناء وطنه وجيله.
توفي الدكتور جميل محفوظ في منزله بسكينة وسلام، وذلك في الحادي عشر من تموز عام 1985م(1).
(1) إياد جميل محفوظ، موقع التاريخ السوري المعاصر 13 تموز 2022