شهادات ومذكرات
من مذكرات أكرم الحوراني – وزارة دفاع بلا جيش
من مذكرات أكرم الحوراني – صعود نجم المعارضة
طرحت على المجلس موازنة وزارة الدفاع. ولعل القارئ يتساءل : متى تشكلت وزارة الدفاع ولمن تدفع مخصصاتها؟
سمح الفرنسيون للشيخ تاج أن ينشئ وزارة دفاعية صورية، مكونة من وزير وبضعة جنود حراس ومكتب للوزارة، وكان الفرنسيون يحولون للخزانة السورية ما كانوا يقتطعونه من عائدات السوريين التقاعدين في الجيش المختلط، فأصبحت وزارة الدفاع السورية مكلفة بدفع رواتبهم التقاعدية، وكانت فرنسا تنفق على الجيش المختلط منذ انشائه من موازنة المصالح المشتركة في المفوضية العليا.
اعترض رئيف الملقي على طرح موازنة وزارة الدفاع قائلاً: “في الوقت الذي تصر فيه الأمة على استلام الجيش تتقدم الحكومة إلى المجلس بموازنة للدفاع الوطني يبلغ رقمها الإجمالي نحو مليون ليرة تقريباً، ولذلك أقترح عليكم ارجاء البحث في هذا الباب، حتى إذا تم استلام الجيش في هذه الفترة ينظر المجلس في هذه الموازنة، وقد أربك المجلس هذا الاعتراض، فعلق عليه رئيسه فاري الخوري بقوله: “إن عدم البت في هذه الموازنة معناه أن الوزير وبقية موظفي الوزارة يبقون بلا تراتب مع أنهم يقومون بالعمل فعلياً”.
فعقبت على الموضوع: “أنا أتفق مع الإخوان بأن وزارة الدفاع هي وزارة رمزية، ولكن هناك نقطة جوهرية تستحق البحث وهي : هل نريد أن ننشء جيشاً جديداً أو أن نستلم الجيش السوري الموجود حالياً؟.. لأن إنشاء جيش جديد مع بقاء الجيش السورية بيد الأجنبي يتنافى مع شروط السيادة، ولقد أقر الفرنسيون في معاهدة 1936 التي نكلوا عن ابرامها، بتسليم الجيش. مع أن البلاد أصبحت تأبي الآن أن تكون المعاهدات أساساً لعلاقتنا مع فرنسا، ولهذا أوجه نظر الحكومة إلى ضرورة المطالبة باستلام الجيش السوري، لأن بقاءه بيد الأجنبي، فضلاً عن أنه يتنافى مع شروط السيادة، فإنه يصبح قوة بيده تهدد سلامة البلاد. وإنني أثني على اقتراح الزميل السيد رئيف الملقي على تأجيل البحث في موازنة وزارة الدفاع، لا سيما وأن رئيس الوزراء أعلن في جلسة الصباح أن حكومته ستتقدم في بضعة أيام بمشروع يتعلق بوزارة الدفاع. فلا يضير المجلس ولا الحكومة هذا التأجيل”.
فقال رئيس المجلس مقاطعاً: “هل قال رئيس الوزارة: في بضعة أيام؟”.
فتابعت : قال: في أمد قريب.. وأنا أرى، إجابة لرغبة المجلس وتحقيقاً لإرادة الأمة باستلام الجيش، أن يؤجل البحث في موازنة الدفاع”.
وفي النهاية صادقت الأكثرية المجلسية على موازنة وزارة الدفاع كما صادقت على رواتب المستشارين الفرنسيين بعد مناقشة قصيرة اعترض فيها بعض النواب على وجودهم فأصر رئيس المجلس على بقائهم قائلاً: “إن وظائفهم تقتصر على الخبرة، أما قول مجلس النواب أن هذا خبير وهذا غير خبير فهذا ليس من صلاحيات المجلس، إنما الحكومة تقرر الخبرة والمجلس يصادف على اختيارها”.
توليت الرد عليه: “ان هؤلاء المستشارين قد فرضوا على البلاد فرضاً في عهد الانتداب وأنا لا أريد أن أبحث فيما إذا كانوا خبراء أم غير خبراء، بل أكفتي بالقول أنهم فرضوا فرضاً. وما دمنا قد أصبحنا مستقلين فمن الواجب الوطني أن نتخلص منهم، وعندما ترى الحكومة حاجة إلى أشخاص ذوي خبرة واختصاص يمكنها عند ذلك أن تستخدم من تشاء وتتعاقد معهم بملئ إرادئتها واختيارها. وأرى أن يقتصر بحث المجلس على عدم المصادقة على رواتبهم المخصصة لهم في هذه الموازنة”.
بالرغم من نجاح الحكومة – بمساعدة الأكثرية المجلسية- في الاستمرار على سياستها، فقد كانت المعارضة تعبئ الرأي العام، ومن هنا بدأت تتعاظم القوى الشعبية التي تؤيد الأقلية المجلسية المعارضة، وأصبح الشارع ضاغطاً على الحكومة والأكثرية المجلسية الموالية لها. ومن هذا الافتراق يتكامل الفكر السياسي وينمو الوعي الجماهيري الذي يسمح للأحزاب السياسية أن تشق طريقها بقيادة الأجيال الجديدة.
انظر :
من مذكرات أكرم الحوراني (129) – صعود نجم المعارضة
من مذكرات أكرم الحوراني (128) – قضية الجيش مرة أخرى
من مذكرات أكرم الحوراني (127) – المنطلقات المنحرفة لعهد شكري القوتلي منذ بدايته
من مذكرات أكرم الحوراني (126) – كل الصلاحيات، بلا جيش، لا تساوي بصلة
من مذكرات أكرم الحوراني (125) – أساس مفاسد النظام البرلماني الديمقراطي
من مذكرات أكرم الحوراني (124) – تشكيل لجنة العشائر (أواخر كانون الأول عام 1943)
من مذكرات أكرم الحوراني (123) – إستلام الحكومة السورية الصلاحيات عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (122) – إقدام في لبنان وتخاذل في سورية
من مذكرات أكرم الحوراني (121) – لماذا وهبت سوريا الأقضية الأربعة للبنان؟
من مذكرات أكرم الحوراني (120) – دور المجلس النيابي في قيادة الحركة الوطنية
انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني: