بدر الدين تلجبيني – التاريخ السوري المعاصر
الوليمة عادةٌ قديمةٌ وإرث ديني توارثه الأبناء عن الآباء ، فحين كان أحدهم يقرر تزويج ولده ، يضع في حسبانه اولاً موضوع الوليمة ، فعرسٌ بلا وليمة ، خزيٌ وعارٌ وقلةَ قيمه، يلحق بوالد العريس السب والشتيمه !!
ففي القديم لم يكن يحضر الولائم سوى من تتم دعوتهم رسمياً ،فيجلسون أمام الموائد صامتين ينتابهم الخجل من أنهم حملوا معدتهم وجاؤوا ليأكلوا وينصرفوا ، فلا يتقدمون إلى الطعام إلا بعد النداء الثاني من صاحب الوليمة .
مرت الأعوام واختلفت الأيام ، فأصبحنا نرى في الولائم فصولاً مضحكةً ومبكيةً في آن ، فحين تتم دعوة الشخص إلى الوليمة يأتي ساحباً خلفه ثلاثة من أبناءه ، أو يدعو زميلاً عزيزاً عليه ليذهب معه ، ويتقاطر المدعوون إلى دار الوليمة ، فتجلس الدفعة الاولى بعيداً عن باب الدار بعدة أمتار ، وتحضر دفعة جديدة فيجلسون قريباً من الباب ، وحينما يشير والد العريس إلى الفئة البعيدة التي أتت مبكرة وينادي : ( تفضلواشباب !! ) يهبّ القريبون من الباب ويعتبرون النداء موجهٌ اليهم فيدخلون المكان عشوائياً ويبدأ التدافع في الممر وتمرق الأطفال من بين الأرجل ، وترى المدعو العفيف خجلان ، وفي الزحام ( عصيان ) يدفعونه الى الداخل فلا يستطيع النكوص ولا التقدم ويصبح على تلبية الدعوة ندمان !!
وحينما يصل الى المائدة يتصبب عرقاً تكون الكراسي قد باتت مشغولة بخليط جلّهم من الصبيان ، فيعود القهقرى وقد استبد به الضيق والخجل ، فلا يستطيع المغادرة خشية من ان يقال أنه ( حرد ) نصرة لبطنه !! فيعود الى ذات المكان منتظرا جولة جديدة وحظ جديد !! ويهمس والد العريس في اذن شقيقه : ( منين أجت كل هالعالم ما بعرف ! ..لك هادا ابو (الجمدانه) مين عزمو ؟؟ ) ويدخل إلى المطبخ ليقرأ سورة ( لإيلاف قريش ) على نية طرح البركة .!!
ويظل والد العريس وصحبه على (شيل وحط و عبّي وفضي) حتى لا يبقى احدٌ من المعازيم بلا طعام ، وفي النهاية إما ان يخرج أهل الوليمة رأسهم في عبهم مستورين ، او ينفَدَ الطعام ويغدون كما يقول القائل ( مبخوشين) !!
وبالرغم من المصاريف التي كان يتكبدها صاحب الوليمة ، والمجهود العظيم الذي يبذله هو واهل بيته فإنه قلّما كان يحوز على رضى جميع المعازيم ، فمنهم من يقول : بأن الطعام بارد ، و آخر يردد : لعن الله بخلهم ..!! اين اللحم ؟؟ واخر يقول : اشتهيت ان ارى على المائدة خضرة ولو ( قرن فليلفه) !!
لكن ومهما تنوّعت الصور وتعددت الأوضاع ، وبالرغم مما كان ينال أهل العريس من متاعب ، تبقى الوليمة هي سُنَّة من السُنن ، وإرثا خالداً من تراثنا الشعبي ، يخاطب فيها والد العريس بطون المدعوين ثم يخاطب منهم الآذان ، فيشنّف اسماعهم بمطرب يسمعهم أعذب الألحان ، فيحفِّزهم بعد ذلك على الرقص لينفضوا عن كاهلهم غبار الهموم والأحزان .
انظر:
بدر الدين تلجبيني: وقفة عيد الفطر في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: معقب معاملات في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: بائعون رائعون في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: رحلة الى السينما في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: دخول القوات الفرنسية إلى أعزاز عام 1920
بدر الدين تلجبيني: أيام شهر رمضان في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: نجارة المحاريث القديمة في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: حديث عن مدرسة ابن المقفع في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: السرايا الحكومية في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: جولة في ليل أعزاز
بدر الدين تلجبيني: الزودة في قديم أعزاز
بدر الدين تلجبيني: المولد النبوي الشريف في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: مقاهي أعزاز
بدر الدين تلجبيني: عيد الأضحى في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: المصارعة الزيتية في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: خان بيع الحبوب في أعزاز