وثائق سوريا
كلمة حافظ الأسد في المأدبة التي أقامها للرئيس ريتشارد نيكسون في دمشق عام 1974
د.أنس غازي
كلمة الرئيس حافظ الأسد في المأدبة التي أقامها في الخامس عشر من حزيران عام 1974م، تكريماً للرئيس ريتشارد نيكسون رئيس الوالات المتحدة الأميركية بمناسبة زيارته لسورية.
السيد الرئيس،
السيد نيكسون،
أيها الضيوف المحترمون،
أيها السيدات و السادة،
إنه لمن دواعي سعادتي أن أرحب ترحيباً حاراً بالرئيس ريتشارد نيكسون و السيدة عقيلته، و بضيوفنا الأمريكيين المحترمين، متمنياً لهم طيب الإقامة في بلادنا.
إننا، أيها السيد الرئيس، إذ نحيي في شخصكم أيضاً الشعب الأمريكي، نقدر معنى زيارتكم التي تسجلون بها حدثاً تاريخياً، باعتباركم أول رئيس للولايات المتحدة يزور بلادنا.
ولزيارتكم، إضافة إلى ذلك، دلالة خاصة، من حيث أنها تأتي في مرحلة هامة من تاريخ منطقتنا الحديث، وفي أعقاب حقبة من التباعد في العلاقات بين بلدينا، ومن حيث أنها جزء من جولة أعلنتم أن هدفها هو العمل لإحلال السلام العادل في منطقتنا.
إننا نرحب بكل مسعى مخلص لتحقيق السلام العادل، ونرجو لكم النجاح فيما تسعون إليه. وأقول بكل وضوح: إن السلام نزعة أصيلة في أمتنا العربية، ولنا فيه مصلحة حقيقية، ونحن نريد استقراراً تظلله الحرية الحقيقية ويؤمن لنا التقدم المتعدد الجوانب، مما يؤدي في النهاية إلى أن يستعيد شعبنا قدرته على أداء دوره في المجتمع الدولي لما فيه خيره وخير البشرية.
وقد ناضلت أمتنا العربية خلال حقب طويلة، من أجل السلام، فلاقت الكثير من الصعاب، ووضعت في طريقها، العراقيل، وتعرضت للضغوط والتهديدات لسلبها إرادتها وحريتها ولحملها على التخلي عن مبادئها التي ترفض أن تساوم عليها.
إن أمتنا التي أنبتت أرضها أقدم حضارات الإنسان، وكان وطنها مهبط الرسالات السماوية، والتي أسهمت خلال تاريخها إسهاماً كبيراً في إغناء حضارة البشر، هي أمة معطاء، لاتضمر شراً لأحد، ولاتبغي سوى أن يعيش أبناؤها أحراراً في أرضهم، وأن يعيدوا بناء حياتهم في كل المجالات لتستأنف عطاءها السخي للبشرية في ظروف السلام. ولكنها لاتستطيع أن تفعل ذلك وهي مهددة في الوطن والمصير، في ظل حرية مبتورة، حيث تحتل أجزاء من أرضنا، ويشرد الملايين من أبناء أمتنا في فلسطين وفي غير فلسطين.
إن شعب فلسطين يعيش منذ ست وعشرين سنة، مشرداً محروماً من حقوقه التي أقرتها كل المواثيق الدولية وأكدتها قرارات الأمم المتحدة سنة بعد أخرى منذ عام 1947، مما دفع به إلى اليأس من عدالة الإنسان، ومن إنصاف المنظمات الدولية، لأنه كان كلما طالب بالإنصاف ازدادت وطأة العدوان عليه، وازداد المعتدون تنكراً لحقوقه، حتى بلغ بهم الأمر حد إنكارها وإنكار وجوده أصلاً، وكأنهم بذلك يدفعونه دفعاً إلى أن يسلك سبلاً لم يكن يريد أن يختارها، ليذكر العالم بوجوده وبقضيته التي لايمكن أن يستتب سلام في هذه المنطقة بدون حل حقيقي وعادل لها.
وباستطاعتكم أن تتصوروا مدى ما أصاب شعبنا العربي من خيبة أمل في السنين الماضية، وهو يرى كيف كانت تضحياته وجهوده من أجل العدل والسلام تقابل بإيصاد الباب في وجهه، وإحباط كل مسعى لإنصافه.
إن السلام القادر على البقاء والاستمرار هــو السلام العادل الذي ينهي الاحتلال الإسرائيلي، ويعيد الأرض إلى أهلها، ويزيل الظلم النازل بالشعب الفلسطيني، ويؤمن له حقوقه الوطنية المشروعة.
وقد جرت في السنين الأخيرة محاولات لفرض أمر يحمل في طياته كل عناصر تجدد الحرب وإراقة الدماء، ولايمت إلى السلام بأية صلة. وكان لزاماً علينا أن نقاوم تلك المحاولات، كما فعلنا في حرب تشرين الأول-اكتوبر- وامتدادها في حرب الجولان، حيث ثبت أن الأمر الواقع القائم على الاحتلال والعدوان لايمكن أن يستمر، وتأكد أن الاستناد إلى القوة لانتزاع مكاسب من الغير ومن صميم حقوقه المشروعة، إنما يشكل استخفافاً بالقيم الإنسانية من جهة، وسطحية في الرؤية والإدراك من جهة ثانية.
كما تأكدت حقيقة أكدتها الظروف التاريخية المتتالية، وهي أن كل انتصار يقوم على غير الحق والعدل- إن صح أن نسميه انتصاراً- إنما هو انتصار وقتي هزيل البنيان لايلبث أن ينهار عند أول رح عاصفة تحركها إرادة الخير والحق والعدل.
إن السلام الحقيقي مطلب ملح وحاجة أكيدة لجميع شعوب العالم. والسلام الحقيقي هو ما قام على تأمين حقوق الشعوب، بحيث تنتفي عوامل الشعور بالظلم. وإذا كان السلام العادل في عصرنا هدفاً أسمى للبشرية تتبناه الحكومات وتناضل من أجله الشعوب، فإن من تقرير الواقع أن السلام العالمي يكاد يكون مستحيل التحقيق بدون السلام العادل في هذه المنطقة التي تشكل أحد أهم مراكز الثقل في العالم.
السيد الرئيس
إننا نتمنى أن تشكل زيارتكم الجمهورية العربية السورية بداية عهد جديد في العلاقات بين بلدينا، على أساس الاحترام المتبادل، والتعاون النزيه، والالتزام بالمبادئ التي يجسدها ميثاق الأمم المتحدة. وفي قناعتنا، إن قيام مثل هذه العلاقات يخدم المصالح الحقيقية لشعبينا.
وفي اعتقادي، أن مفتاح التفاهم وأساس العلاقات السليمة بين أي دولتين، هما الصراحة والوضوح. وسنحرص، بكل تأكيد، على أن تكون محادثاتنا صريحة واضحة، آملين أن نصل عبرها إلى تصورات مشتركة حول الأمور موضوع البحث. وإلى فهم مشترك لمقومات السلام العادل في منطقتنا. ولاشك في أن ذلك سيساعدنا في التحرك بخطى ثابتة نحو سلام تكمن فيه مصلحة شعبنا العربي وشعوب العالم جميعاً.
إننا ندرك بوضوح دوركم الشخصي، ومبادرات السياسة الأمريكية، وقيمة هذه المبادرات، وأثرها في سياسة الوفاق الدولي، ونقدر حرصكم على إقامة علاقات طيبة وودية في منطقتنا، وتوجهكم للعمل على إقامة سلام عادل ودائم فيها. وقد رأينا تعبيراً عن هذا الموقف الجديد في إيفاد وزير خارجيتكم، الدكتور هنري كيسنجر، إلى المنطقة، للإسهام في تحقيق الخطوة الأولى على طريق السلام العادل والدائم. ونحن نقدر له الجهود الكبيرة التي بذلها في محادثات الفصل بين القوات على الجبهة السورية.
ولاشك في أنه لأمر هام جداً أن ننظر إلى ما تم على أنه مدخل إلى المرحلة المقبلة التي يجب أن ترسي السلام على أساس مقوماته الحقيقية، وهذا التحدي الكبير الذي يجب أن تبذل في سبيله جهود كل المخلصين لقضية السلام.
السيد الرئيس
إنكم في الولايات المتحدة مقبلون على الاحتفال بالذكرى المئتين للاستقلال، فلنستذكر المبادئ الرفيعة التي حاربتم من أجلها حرب الاستقلال، وأولها مبدأ الحرية.
ويسرني أن أنوه بأن في الولايات المتحدة عدداً كبيراً من المواطنين الذين ينحدرون من أصل عربي سوري، وقد عاشوا في وطنهم الجديد مواطنين صالحين في كل مجالات الحياة، وهذا في حد ذاته حافز لتعزيز صداقة الشعبين.
فلنعمل على فتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين بلدينا، نؤكد فيها على الحرية والعدل، ونزيل أسباب العدوان، ونسطر عليها أعمالاً تحظى بتأييد شعبينا ودعمهما، وتكون لخير الجميع.
وأخيراً، أيها السيدات والسادة، أود أن أؤكد أهمية هذه الزيارة، وأن أحيي الرئيس ريتشارد نيكسون والسيدة عقيلته، وأتمنى لهما الصحة والسعادة، وأحيي الشعب الأمريكي الذي نتمنى له استمرار النجاح والتقدم.
انظر:
كلمات ومقابلات رسائل حافظ الأسد