مقالات
خالد محمد جزماتي: القوى البحرية السورية وحرب تشرين الأول 1973 (4)
خالد محمد جزماتي – التاريخ السوري المعاصر
القوى البحرية السورية وحرب تشرين الأول 1973
المعركة البحرية الرابعة:
الزمان: ليلة 23- 24 تشرين الأول عام 1973.
المكان: الساحل العربي السوري من اللاذقية شمالاً وحتى طرطوس جنوباً.
سير المعركة:
بدأت هذه المعركة عندما أعلن في الساعة 23,00 من يوم 23 تشرين الأول من عام 1973 على مسافة 20 ميلاً شمال غربي طرطوس، وفي آن واحد عن اكتشاف مجموعة أهداف بحرية مكونة من 8 أهداف بحرية على مسافة 24 ميلاً غربي بانياس، ومتجهة إليها. ثم انفصل منها زورقان اتجها إلى اللاذقية بخط سير شمال شرقي، كما أُعلن عن وجود طائرات عمودية فوق مناطق طرطوس – بانياس – اللاذقية. عمم هذا الموقف، وأصدرت قيادة البحرية الأوامر إلى زورق صواريخ رباعي في طرطوس لتوجيه ضربة بالصواريخ إلى الأهداف المتقدمة نحو بانياس، وكذلك أصدرت الأمر إلى زورق صواريخ ثنائي من اللاذقية بتوجيه ضربة بالصواريخ إلى الأهداف المتقدمة إلى جنوبي اللاذقية، وأصدرت الأوامر إلى زورق صواريخ ثنائي آخر من اللاذقية بضرب الأهداف المعادية، المشاهدة أمام بانياس، عند انسحابها ووصولها إلى منطقة تتيح الإطلاق عليها.
في الساعة 23,45، رُصدت وحدات بحرية تقوم بالرمي على خزانات النفط في بانياس وطائرات عمودية تضيء جو المعركة وتقوم أيضاً بقصف الخزانات.
نفذت زوارق الصواريخ رشقتين ثنائيتين في وقت واحد من الجنوب (طرطوس)، ومن الشمال (اللاذقية) ثم تلتهما رشقة ثنائية من الجنوب على الأهداف المحددة. أُعلن بعدها عن إصابة وحدتين رصدتا بالرادار وشوهدتا بالعين المجردة من نقاط المراقبة على الساحل وعادت الوحدات السورية إلى قواعدها سالمة.
في الساعة 1,35 من يوم 24/10/1973 بدأت وحدات العدو البحرية التي قصفت خزانات النفط في بانياس، بالانسحاب وتجمعت في النقطة 12 ميلاً غربي بانياس واتجهت غرباً.
استمر وجود الطائرات العمودية على طول الساحل، من طرطوس إلى اللاذقية، حتى الساعة 2,15 واشتبكت المدفعية المضادة وكذلك الصواريخ المضادة المتمركزة في اللاذقية بهذه الطائرات. وفي الساعة 1,15، فتحت النار على طائرة عمودية مرت فوق محطة الرادار في الرويسة.
الاستنتاج:
1- دلت المعركة على ما يشوب الوحدات البحرية المعادية المهاجمة من ضعف واضح، على الرغم من كثافة الطائرات العمودية التي ساعدتها في تنفيذ مهمتها.
2-لم تنجح الوحدات البحرية في قصف خزانات النفط في بانياس لأن الوحدات التي نجحت في الاقتراب من الشاطئ غير مزودة بمدفعية ذات أعيرة كبيرة.
3- إن الطائرة العمودية هي التي استطاعت قصف الخزانات بعد أن أضاءت جو المعركة، لأن الوحدات البحرية المعادية أخفقت في تنفيذ مهمتها.
4- من المحتمل، والحالة هذه أن لا يكون الهدف الرئيسي للوحدات البحرية المعادية قصف خزانات البترول، وإنما جر الوحدات البحرية السورية لمعركة مع الطائرات العمودية والزوارق.
5-إن مفاجأة العدو برشقات الصواريخ التي أصابت منه مقتلاً، والتي وجهت إليه من اتجاهين مختلفين (اللاذقية – طرطوس) في آن واحد، حالت دون تنفيذ مهمته.
6-لم تصب الخزانات إلا من الاتجاهين الشمالي والجنوبي. وهذا ما يثبت أن الاتجاه البحري لم يستطع الرمي على الخزانات. وقد جاء في تقرير اللجنة المشكلة لهذه الغاية أنها لم تعثر على أي آثار لرمايات المدفعية من اتجاه البحر.
7- استطاعت وحداتنا البحرية الاشتباك بوحدات البحرية من اتجاهين مختلفين في آن واحد. وهذا ما أربك قيادته، لاسيما أن تركيز العدو كان باتجاه اللاذقية، بينما كانت الضربة الرئيسية من اتجاه طرطوس.
8- أكثر العدو من استخدام الشهب في هذه المعركة ولم يستخدم الأهداف الرادارية الخداعية، بل وحدات صغيرة أمام موانئ طرطوس والبيضاء، واستخدم أيضاً التشويش الراداري مما حال دون تنفيذ المهمة الملقاة على عاتق الزورق الصاروخي الثنائي.
9-اتصفت هذه المعركة بهدوء أعصاب القادة المنفذين وتصميمهم الكامل على تدمير العدو والانتقام لأرواح الشهداء الأبطال.
10- رغم إصابة قائد أحد الزوارق وسبعة من عناصره أثناء دخوله الميناء فقد تمكن بأعصاب حديدية من الدخول بسلام منقذاً زورقه وطاقمه بعد أن أدى واجبه.
استنتاجات عامة حول الصراع في البحر:
تميزت أعمال العدو القتالية في البحر بالنقاط التالية:
1ـ تفوق العدو بوسائط الاستطلاع المباشر التي كانت تعمل أثناء المعركة دون انقطاع (طائرات عمودية – غواصات – إلخ..).
2ـ مقدرة وحداته البحرية على البقاء في البحر فترات زمنية كبيرة دليل على تمتعها بإمكانات فنية جيدة.
3ـ استخدام العدو لوحداته البحرية بوتيرة عالية جداً وهذا ما يحمل على الاستنتاج أنه يملك طواقم إضافية أو أن لديه وحدات أكثر عدداً مما هو معروف، لاسيما أن حالة البحر في كثير من أيام المعارك لم تكن تلائم عمل هذه الوحدات. ولم تكن تستطيع، هي وأطقمها من الخروج مرة ثانية أو في اليوم التالي مباشرة (أعطال، إنهاك الطاقم.. إلخ..).
4ـ استخدام العدو في معظم معاركه، لاسيما التي أشرك فيها عدداً كبيراً من الوحدات، قيادة متحركة تتمركز بعيداً عن مسرح العمليات، كما استخدم التشويش الراداري واللاسلكي والأهداف الخداعية استخداماً واسعاً.
5ـ خطط العدو أعماله القتالية لكي تتم على أساس قيامه بها في ساعات الظلام ليضمن نجاح التشويش الراداري واللاسلكي والأهداف الخداعية. وغطى هذه الناحية باستخدام الحوامات والزوارق المطاطية والغواصات واستغنى في آن واحد عن استخدام الطيران على الاتجاه البحري في أثناء أعماله القتالية في البحر (تغطية ودعم.. إلخ..).
6ـ استخدام العدو الطائرات العمودية في جميع معاركه البحرية، استخداماً واسعاً ولأغراض متعددة، وكان لاستخدام هذه الطائرات العمودية أثر كبير بل وأساسي في نجاحه في بعض المهام حتى أنه عهد إليها بتنفيذ إحدى المهام الموكلة للوحدات البحرية، عندما فشلت هذه في تنفيذها: (ضرب خزانات البترول في بانياس تاريخ 24/10/1973).
على الرغم من هذه المميزات التي أتاحها العدو لوحداته، يمكن القول أنها لم تستطع تنفيذ المهام المحددة لها على الساحل العربي السوري. ولو استعرضنا المعارك البحرية، التي دارت والأعمال القتالية التي لم يرد ذكرها في المعارك البحرية، لرأينا أن مهام العدو تركزت على ما يلي:
1ـ تدمير خزانات البترول في كل من ميناء اللاذقية وميناء بانياس وميناء طرطوس.
2ـ تدمير كل من ميناء اللاذقية وميناء طرطوس بمحاولات متعددة، استخدم فيها أسلحة مختلفة (ضفادع بشرية، صواريخ، مدفعية، وحدات اقتحام).
3ـ تدمير الوحدات البحرية سواء في عرض البحر أو في قواعدها.
4ـ منع وحداتنا من الوصول إلى سواحله وخطوط مواصلاته البحرية.
5ـ عرقلة خطوط مواصلاتنا البحرية (منع الإمداد بالذخيرة والأسلحة القادمة من الاتجاه البحري).
ولقد استطاعت وحدات القوى البحرية السورية إحباط أعمال العدو في تنفيذ هذه المهام كما تميزت أعمالها القتالية بما يلي:
1ـ السيطرة الكاملة على جميع الوحدات الموجودة في البحر وعلى الساحل.
2ـ قيادة جميع الأعمال القتالية قيادة مركزية.
3ـ تغيير الخطط وفقاً لمعطيات الموقف.
4ـ الجاهزية القتالية العالية وإرادة القتال في كل المستويات.
5ـ استخدام المدفعية الساحلية ودورها البارز في منع العدو من تحقيق مهامه على الساحل.
6ـ تعاون الأسلحة البحرية في تنفيذ مهمة واحدة (مدفعية ساحلية، وحدات الدفاع المحلي، زوارق طوربيد، زوارق صواريخ… إلخ..).
ولكن العدو استطاع بأعماله التعرضية منع وحداتنا من الوصول إلى سواحله وخطوط مواصلاته البحرية، وذلك بإشغال وحداتنا البحرية بشكل متواصل. كما استطاع الوصول إلى هدف ساحلي واحد (خزانات البترول في بانياس) بعد إغارة مركزة على جميع الأهداف الحيوية الساحلية، ولقد حاول إعادة ضربها ثانية يوم 24/10/1973، فأخفق ونال عقابه.
أخيرا نقلت هذه المعلومات من المجلد الثالث لتاريخ الجيش العربي السوري ، وتلك المجلدات تعتبر موسوعة ومرجعا موثوقا للعسكرية السورية من عام 1901 الى عام 2000 ، ولقد استعرت أجزاؤه من المركز الثقافي بحماة ومن مكتبة رابطة المحاربين القدماء بحماة ، والذي يقرأ ويبحث في المكتبات العامة يجد أحداثا تاريخية هامة قد تغير كثيرا من المعلومات التي قد اكتسبها الانسان قيلا عن قال ، أو من دردشات المضافات في الشتاء ، أو من خلال جلسات الأصدقاء على الأرصفة العريضة تحت ظلال الأشجار التي غرستها الأيدي الخيرة
ولقد خصصت كل يوم مقالة عن معركة بحرية جرت خلال حرب تشرين التحريرية وهن أربعة ، وذلك بمناسبة ذكرى تلك الحرب التي يحتفل بها الجميع يوم 6 تشرين الأول 2020 م ..رحم الله شهداء الأمة جميعا ومنهم البحارة العرب السوريين
انظر:
خالد محمد جزماتي: القوى البحرية السورية وحرب تشرين الأول 1973 (3)
خالد محمد جزماتي: القوى البحرية السورية وحرب تشرين الأول 1973 (2)
خالد محمد جزماتي: القوى البحرية السورية وحرب تشرين الأول 1973 (1)