أجرت صحيفة الجزيرة في شهر كانون الثاني عام 1952 حواراً صحفياً مع حسن الحكيم رئيس الحكومة السورية، تناول اللقاء الصحفي علاقات سورية مع الدول العربية والموقف من مشروع الدفاع المشترك، وقضية اللاجئين الفلسطينيين، بالإضافة إلى مشاريع وسياسة الحكومة الداخلية.
نشرت الصحيفة اللقاء الصحفي في العدد 1758 الصادر يوم الاثنين الرابع عشر من كانون الثاني عام 1952م.
فيما يلي نص اللقاء:
س- هل تتفضلون دولتكم بكشف النقاب عما إذا كنتم قد أجريتم أية مشاروات مع الساسة في الأقطار العربية المجاورة قبل انتهاجكم سياستكم بتأييد الدول الغربية، وهل تشعرون بأن المعارضة في سياستكم عامة في سوريا؟
ج- عندما أعلمتنا الدول العربية المؤسسة للقيادة العليا الحليفة للشرق الأوسط أنها دعت مصر إلى الإشتراك في هذه القيادة كعضو مؤسس وعلى قدم المساواة مع المؤسسين ونحن ندرس الموضوع في مجلس الوزراء ونتشاور مع الحكومات العربية المجاورة لاتخاذ قرار موحد بشأنه حينما يطلب منا الجواب بالقبول أو الرفض وننتظر في نفس الوقت نتيجة مداولات وزراء الخارجية للدول العربية المجتمعين الآن في باريس.
أما رأيي الشخصي الذي أذعته في تشرين الثاني المنصرم على ساسة الأقطار العربية وعلى كل حال فإن زيارات ذوي الأخلاق المستقيمة والآراء النافذة في البلاد لي وتهنئتي عليه دلتني بأن الرأي العام أصبح يقدر خطورة الموقف ويشعر بأني على حق في هذا الرأي وأن الضجة التي آثارها المتحمسون ضد المشروع بغية التأثير عليه لم تؤثر على فئاة محددة، وأنا الآن لا أزال عند رأيي في تحبيذ الدخول في الدفاع المشترك لا كرهاً بالكتلة الشرقية ولا حباً بالكتلة الغربية، ولكن اعتقاداً مني بأن مصلحة العرب لا تزال في جانب السير مع الغرب الذي لابد وأن يدرك سياسته الخاطئة معهم فيعود إلى انصافهم، ولأن الدخول في هذا الدفاع من شأنه أن يقوينا اقتصادياً وعسكرياً ويزيل بذلك مخاوفنا من إسرائيل.
كما يساعد قبل كل شئ على حل قضايا العرب المعلقة حلاً عادلاً منصفاً وفي رأسها قضية مصر وقضية فلسطين وإعادة اللاجئين، خصوصاً وأن انصاف العرب واستعادة صداقتهم التي خسرتها الدول الحليفة من جراء أمعانها في ايذائهم خدمة لليهود هو في مصلحة هذه الدول.
أكثر مما هو في مصلحة العرب بالنظر لما لهذه الصداقة من أهمية كبرى إذا نشبت حرب عمومية ثالثة تشترك فيها معظم دول الأرض، ولا أدل على ذلك من تصريح مسترايدنار فيشر أحد الخبراء الأميركيين في شؤون الشرق الأوسط في 29 تشرين ثاني سن 1951 الذي قال فيه أن سياسة أميركا فيما يتعلق بقضيتي فلسطين ومصر كانت طائشة وغير ملائمة، وأن إيجاد إسرائيل في قلب البلاد العربية سيجعل منطقة الشرق الأوسط مسرحاً للاضطرابات.
(الاتحاد بين الدول العربية)
س- هل تعتقدون دولتكم بأن ثمة إحتمالاً – خلال فترة معينة من الزمن- بأن نرى نوعاً من الاتحاد يربط بين الدول العربية، وإذا كان كذلك فما هو الشكل الذي يجب أن يتخذه هذا الاتحاد في رأي دولتكم؟
ج- هناك وحدة هي هدف الأمة العربية الأسمى، وهناك اتحاد كخطوة أولى نحو هذه الوحدة، أما الوحدة فإنها متعسرة في الظروف الحاضرة وحتى إلى أمد بعيد إن لم يكن متعذرة، أما الاتحاد فمحتمل، وليس ببعيد على ما اعتقد، خصوصاً بعد أن مر بالعرب ما مر من حوادث، وحل بهم ما حل من كوارث بسبب تخاذلهم.
أما هذا الاتحاد فمن رأيي أن يبنى بادئ ذي بدء على الأسس الآتية لكي يكون مقبولاً من الجميع وبعيداً عن كل ما يثير في نفوسهم الريب والشكوك.
1- أن يكون اتحاداً استقلالياً لا اتحاداً مركزياً.
2- أن تحفظ كل دولة عربية تدخل فيه بكيانها وبنظام الحكم القائم فيها وبكامل سيادتها الداخلية والخارجية إلا ما أخص به الاتحاد نفسه.
3- أن تتناول معاهدة الاتحاد الآن الشؤون الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
4- أن تدار هذه الشؤون من قبل مجلس أعلى ينتدب أعضاؤه من الدول المشتركة في الاتحاد شريطة أن تكون أصواتهم متساوية الرئاسة بينهم بالمناوبة.
5- أن يضم الاتحاد الآن الدول العربية التي تود الاشتراك فيه وأن يترك الباب مفتوحاً للدول التي تتريث ثم تبدي رغبتها في الاشتراك فيما بعد.
(مشكلة اللاجئين)
س- وهذا السؤال يتعلق بمشكلة اللاجئين العرب، فهل تتركمون دولتكم ببسط وجهة نظركم في فشل المحادثات التي أجرتها أخيراً لجنة التوفيق الدولية في اريس؟ ما هي في رأيكم الأسباب التي أدت إلى فشل المحادثات؟
ج- إن المسؤول وحده عن فشل المحادثات في مشكلة اللاجئين العرب في نظري هو هيئة الأمم المتحدة نفسها لأنها لم تستطع أن تجبر اليهود على احترام قرارها بعودتهم إلى وطنهم وأرض أبائهم وأجدادهم ويلوح لي أن الهيئة المشار إليها لم تشعر بعد بعظم الكارثة التي خلقتها للعرب بمساندتها اليهود الغادرين الآثمين، ولو أن الدول شاءت أن تقيس هذه الكارثة على نفسها وأن تفرض ما أصاب العرب من تشريد وبؤس وشقاء أصحابها لكان موقفها غير الموقف الذي تقفه من العرب. غير أن هذه الدول قد قست قلوبها وتحجرت أفئدتها تحت ضغط اليهود ونفوذهم القوي عليها ويا للأسف.
(عودة اللاجئين)
س- ماذا ترون دولتكم في إمكانية عودة اللاجئين إلى ديارهم؟ وهل تتفضلون فتتوسعوا قليلاً في البيان الذي أدليتم به أخيراً والذي قلتم فيه أنكم تشعرون بأنه يجب أولاً كشف الكرب عن اللاجئين أما البحث فيأتي بعد ذلك؟
ج- لست قوي الأمل بعودة اللاجئين العرب إلى وطنهم الموروث عن الآباء والأجداد ما دام اليهود الغاصبون ثابتين على عنادهم، ومادامت هيئة الأمم المتحدة ضالعة معهم وعاجزة عن اكراههم على احترام قرارها القاضي بعودتهم، أما إنشاء مساكن تؤوي هؤلاء اللاجئين وإيجاد أعمال لتشغيلهم بالمساعدات التي تقدمها لهم وكالة إغاثة اللاجئين دون أن يمس ذلك حقوقهم السياسية فهو في نظري أولى لهم من عيشة البؤس والحرمان التي يعانونها الآن تحت الخيام، ومما يزيد في حرصي على هذا الرأي هو خوفي من تدني المساعدات التي تأتيهم إذا بقيت هذه المساعدات تصرف على إعاشتهم فقط من غير أن توجد لهم أعمال تساعدهم على تحسين حالهم، على أنني أرى أن يتم ايواؤهم وتشغيلهم بموافقة الدول العربية وبرضاء اللاجئين أنفسهم.
(اللاجئون والشيوعية)
س- هل تعتبرون دولتكم أن اللاجئين في حالتهم الحاضرة هم عامل خطير في الترويج لقضية الشيوعية وغيرها من العناصر الهدامة في الشرق الأوسط؟
ج- لا أشك في ذلك ابداً فيما إذا لم تسارع الدول الحليفة إلى أنصافهم وحل قضيتهم بما يضمن حقوقهم الموروثة في وطنهم فلسطين الجزء الغالي من الوطن العربي الأكبر وبما يرفع عنهم الظلم، وهم يؤمنون برب عادل ويعلمون أن العدل أساس الملك وأن الظلم لا يدوم وأنه ان دام دمر.
(الشؤون السورية الداخلية)
س- وهذه بعض أسئلة تتعلق بالحالة الداخلية في سوريا. يهمنا أن نطلع على رأي دولتكم في التطور الاقتصادي وتقدم الإصلاح الإجتماعي، حقوق ملكية الأراضي في سوريا؟
ج- نحن شعب يريد أن يحيى حياة كريمة، وأن ينهض نهضة قومية صحيحة تساير روح العصر وتتناول جميع مرافق هذه الحياة، لذلك أقول أن تطورنا الاقتصادي والإجتماعي يسيران سيراً حثيثاً إلى الأمام، ولا عبرة لما يعترضنا أحياناً – كدولة ناشئة- من عثرات أو أخطاء، أما ملكية الأراضي فلا مجال لإبداء الرأي فيما بعد أن نص دستورنا بأنه يعين بقانون حد أعلى لحيازتها تصرفاً أو استثماراً بحسب المناطق على أن لا يكون له مفعول رجعي، وفي المجلس النيابي الآن مشروع قانون بهذا الخصوص هو قيد المناقشة.
(مشروعات الري)
س- إلى أي مدى في رأي دولتكم تستطيع أن تذهب المساعدات الأجنبية في سوريا على تحقيق مشروعات الري فيها كالسيطرة على ماء الأردن وتجفيف مستنقعات الغاب ومشروع زراعة القطن في الجزيرة؟
ج- لقد اعتبر العلماء الانتاج القومي منذ عهد طويل من أهمل المرافق العامة وأجمعوا القول بواجب الدولة في مؤازرة الزراعة والصناعة والتجارة لتنعكس هذه المؤازرة في زيادة حصائل الضرائب وتقدم البلاد الإجتماعي، لذلك فإن سوريا تقابل كل مساعدة أجنبية لتحقيق المشاريع التي تساعدها في نهضتها بكثير من الشكر والتقدير، وتحفظ للدولة المساعدة عملها الطيب، شريطة أن لا تنطوي هذه المساعدة على أية شروط سياسية، لأن مثل هذه الشروط تضطرنا بالطبع لرفض كل مساعدة تقدم إلينا رفضاً باتاً ودون أي تردد.
(الأماني الوطنية المشروعة)
س- سؤال أخير، لقد سمعنا الشيئ الكثير في الأونة الأخيرة عما يسمى بالأماني الوطنية فهل تتفضلون دولتكم باعطائنا تعريفاً لهذا التعبير؟ وما هي الأماني الوطنية المشروعة؟
ج- إذا أردنا أن نعرف الأماني الوطنية المشروعة بإيجاز نقول أنها الحق الطبيعي للأمة في الحياة أي أن تكون الأمة سيدة نفسها في أراضيها وأن تقدير نفسها بنفسها في حدود تراثها القومي وأخلاقها وعاداتها ضمن إطار من الاستقلال التام، والسيادة الكاملة دون أن يكون لأية دولة أجنبية حق التدخل في شؤونها لتتبوأ بذلك مركزها اللائق في المجموعة الدولية ولتكون لها مكانتها المرموقة بين الدول المتدينة.