You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

نورالدين عقيل : خميس الأموات ونوبات المشايخ في ماضي يبرود

نورالدين عقيل – التاريخ السوري المعاصر

عرف مسلموا يبرود منذ قرون وحتى الخمسينات والستينات من القرن الماضي الاحتفال بعيدين شعبيين صغيرين في شهر نيسان من كل عام حيث بدء السنة السورية القديمة في مناسبة يومي خميس ، الخميس الأول يتزامن مع يوم خميس الأسرار عند اخواننا من الطوائف المسيحية الغربية ، والخميس الثاني يدعى خميس الأموات او خميس المشايخ في بعض المدن السوري وخاصة في مدينة حمص والذي يتزامن مع خميس الأسرار عند الطوائف المسيحية الشرقية .

وتقول الروايات أن أول من ابتدع هذا العيد هو السلطان صلاح الدين الأيوبي ، وذلك عندما رأى تدفق الحجاج الصليبيين واليهود إلى القدس في زمن عيد الفصح ، فأراد إقامة عيد إسلامي في المدينة المقدسة يسبق أعيادهم وذلك لإظهار الطابع الإسلامي للمدينة ، فطلب من المتصوفين ورجال الزوايا الإسلامية أن يقوموا بالإحتفالات ويسيروا بالنوبات الإسلامية مع أصوات الطبول والصنجات ، وهناك رواية أخرى مختلفة تقول أنه عندما وضع صلاح الدين خطة لمهاجمة قلعة للصليبيين فجعل جنوده يمرون متنكرين بلباس الدراويش خلف رؤسائهم الذين يلبسون لباس الشيوخ على أنغام النوبات ، فإذا اتجه الموكب نحو موقع الخصم الذي خرج دون حذر ليتأمل المشهد ، وعندما أصبح عدد الصليبيين كبيرا خارج القلعة رمى السائرون في الموكب ألبسة الدراويش وكشفوا عن أسلحتهم وهاجموا العدو ودخلوا القلعة ، وعلى هذا يكون الموكب السنوي تخليدا لذلك الحدث أو ربما استعادة له . واظن ان الرواية الأولى أصح .

وقبل يوم أو يومين سابقين من يوم الخميس كانت النساء يذهبن الى المقابر وينظفن قبور الاقرباء من المتوفين ويدهنوا القبور بمادة الحوارة البيضاء تمهيدا لزيارتها في يوم العيد ، ثم يقومون بإعداد ما يلزمهم لصباح العيد وزيارة المقبره ، وفي صباح العيد كانت النساء يستيقظن بعد شروق الشمس بعد أن يكن قد جهزن وعاء من القش او النحاس وملأنه بالخبز وأقراص الكبة المقلية او اقراص الحلو المشهورة في المنطقة او الخبز والرز المفلفل المطبوخ بالسمن العربي ، ويضعن هذه الأوعية على رؤوسهن ويحملن باقات الزهور وأوراق بعض نباتات الزينة المتوفرة في بيوتهن ويذهبن زرافات ووحدانا الى المقبرة لزيارة مقابر امواتهن وتوزيع ما يحملنه على الفقراء والشحاذين الغرباء الذين يكثرون في مثل هذه المناسبات في البلدة والذين يأخذوا امكنتهم أمام باب المقبرة او يطوفون على القبور لتلقي إحسان النساء اللواتي تجلس كل منهن بجانب قبر من يخصها ليوزيعن ما يحملن من طعام على هؤلاء الفقراء والشحاذين صدقة على أرواح الأموات مقابل قراءة الفاتحة ، وقبل زيارة الرجال تعود كل منهن الى بيتها بعد ان تكون قد زينت شاهدة قبر قريبها بالورود وأوراق النباتات الخضراء .

وأيضا في اليوم الذي يسبق خميس الأموات تكون كل اسرة قد قامت بسلق عدد كبير من بيض الدجاج وصبغ قشوره بألوان متعددة ثم توزيعه صباحا على اولادها لينطلقوا الى الشوارع ، حيث يجري هؤلاء الأولاد والشبان مسابقات كسر البيض ( المفاقسة ) فيما بينهم ، والرابح صاحب بيضه الدجاج ذات القشرة الأكثر صلابه .

في هذه المناسبة وفي ضحى ذلك اليوم كان يقوم البعض من شيوخ الطرق الصوفية ومشايخ الزوايا واتباعهم وتلاميذهم باحتفالات مسير النوبة والطوفان في شوارع البلدة ، وتبدأ النوبة بالتجمع أمام مقر الزاوية والاستعداد للإنطلاق من الزاوية بعد أن يقوم المريدون والاتباع بحمل الاعلام والبيارق والسناجق الكبيرة والطبول والمزاهر والصنوج بعد أن يتم قرع الطبول الكبيرة والنقر على المزاهر والصنوج ويتبارى الأقوياء منهم في رفع وحمل الأعلام والسناجق الثقيلة الوزن الموشاة بأسماء الله الحسنى وأسماء الرسول والخلفاء الراشدين وأسماء الله الحسنى ، وكان شيخ الزاوية يقود النوبه وهو يمتطي دابة مزينه بالقماش الملون والمطرز فوق سجادة جميلة وهو الذي يشير ببدء مسير النوبه ، كان يقود دابة الشيخ أحد الأتباع وغالبا ما يكون ذو صوت جميل حيث ينشد أمام السنجق بعض الاوراد والأناشيد الدينية ، وتسير النوبة في طرقات وشوارع البلده في موكب حافل تعلو فيه اصوات وحناجر الرجال بالاناشيد والقصائد الدينية بأنغام جميلة مختصة بالنوبة تتناغم مع قرع الطبول والمزاهر والصنوج ، أذكر مطلع قصيدة منها تقول :

صلي ياربي وسلم على النبي احمد المختار طه العربي

وكانت أصوات قرع الطبول والدفوف والصنوج تعلو وتسرع احيانا وتخف احيانا اخرى حسب إشارة الشيخ أو هزة من رأسه ، وكان الاولاد الصغار والفتيان يجرون خلف النوبة التي تسير في الشوارع الرئيسة في البلدة ، في بعض الاحيان كانت تلتقي نوبتان في شارع واحد حيث تقف كل منهما بمواجهة الأخرى وتقرع الطبول والصنوج من كلا النوبتين بسرعة وقوة ويترجل الشيخين عن دوابهما ويقبلان رؤوس بعضهما ثم يعود كل منهما الى الركوب وتسير كل نوبة في اتجاهها ، وعندما كانت النوبة تصل الى إحدى الساحات كان الاتباع والشبان يقفون فيها في حلقة متراصي المناكب ويقيمون ذكرا برفع أصواتهم : الله حي الله حي الله حي مع اهتزاز الجزء الأعلى من الجسم أماما وخلفا ، كان الشيخ يترجل عن دابته ويقف وسط الحلقة يحمل عصاه ويلتفت يمينا ويميل قليلا صائحا : الله ، ثم الى اليسار كذلك صائحا : الله فيتبعه أفراد الحلقة بالميل والانحناء وهم يؤلفون كتلة واحدة متماسكة ، واحيانا كان الشيخ يسرع في حركته ولهجته رويدا رويدا مما يجعل أفراد الحلقة يقلدونه في السرعة والحركة ويقومون باهتزازات سريعة ، وأحيانا كان يأخذ الحال بعضهم بنشوة الذكر ويبلغون حد الغيبوبة ، فيتركون لفترة حتى يصحوا من غشيتهم ، وكان الشيخ يلامس بيده صدورهم ويهزهم قليلاُ.

في اثناء ذلك كان اصحاب الاصوات الجميلة يقومون بإنشاد المدائح النبوية ومدح الاولياء فيطرب بها أفراد الذكر وتأخذهم النشوة ، وكان البعض من الاتباع يغرسون في بعض من اجسامهم الشيش في منطقة البطن او جلد الرقبة دون ان تقطر نقطة دم بعد سحبها ، كما ان بعض النوبات كانت تجري عملية الدوسة حيث ينبطح بعض الاتباع على بطونهم صفا واحدا متلاصقين وتصف بجانبهم بعض الدفوف والمزاهر ويقف بجانب رؤوسهم وأقدامهم صفان من الرجال فيمر الشيخ وهو ممتطيا دابته عليهم دون أن يلحق بأحد الأذى او يتمزق طبل او مزهر ، هنا يتم زغردة النساء اللواتي كن يتفرجن او يقفن على أطاريف اسطح المنازل المجاورة او في النوافذ ، وبعدها تقرع الطبول والصنوج بأعلى صوتها مع ارتفاع أصوات التهليل والتكبير ، ثم تتابع النوبة مسيرتها الى زاويتها ، وقد تعمد بعض النساء الواقفات في الشرفات او النوافذ او على الاسطح وعندما يصل السنجق الى قربهن بربط المناديل الملونه بإحد اطرافه طلبا للشفاء من مرض او الخلاص من مأزق او تخلصا من دين او للتبرك.

في النصف الأول من القرن العشرين كان هناك عدة زوايا للصوفية في يبرود وأذكر منها زاوية الشيخ بهاء الدين ياسين وزاوية آل الرفاعي ( قدور ) وزاوية حربوشا والقائم عليها الشيخ محي الدين حربوشا وزاوية الشيخ وجيه الرفاعي وزاوية الشيخ صالح الخطيب وزاوية الشيخ محمد عبد الحليم وزاوية آل كريكر وزاوية احمد المزاز ، كان البعض من هذه الزوايا تقام بها حلقات الأذكار فقط والبعض تجري فيها حلقات الأذكار وتقيم النوبات في عيد خميس الاموات السنوية ، وقد شاهدت في اوائل الخمسينات من القرن الماضي نوبه لزاوية حربوشا ، وفي العام 1962 نوبة لزاوية الشيخ بهاء الدين ياسين رحمه الله ، وكانت النوبات قديما أحيانا تقام بمناسبة ذكرى مولد الرسول عليه الصلاة والسلام .


انظر:

نورالدين عقيل: رمضان في ماضي يبرود

نورالدين عقيل: أشهر الحلويات الشعبية في يبرود

المصدر
نورالدين عقيل، ( يبرود تاريخ وحضارة )



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى