وثائق سوريا
بيان حزب البعث حول الإتفاق البريطاني – الفرنسي “بيفن – بيدو” عام 1945
(في الفترة التي تمتد من العدوان، الفرنسي على البرلمان وبين جلاء، الإفرنسيين في نيسان 1946- وكانت فترة حرجة للغاية لان فرنسا لم تستسلم وتيأس من الاحتفاظ بمصالحها، في سوريا وخصوصا في لبنان، بل عادت واسترضت الانكليز ودعتهم إلى التضامن معها في مطالبتها بهذه المصالح في سوريا ولبنان، وهذا ما سجله اتفاق بيفن – بيدو.
وكان حكم الكتلة الوطنية لا يزال على عقليته القديمة يرضى بالتعاقد مع الإفرنسيين ولا يرى في ذلك منكرا، فكان لطفي الحفار (وزير الداخلية في ذلك الحين) له موقف مشهور أصبح موضوع تهكم وتندر – وهو انه أرسل إلى المحافظين في سوريا يطلب منهم إقامة الزينات والأفراح لمناسبة صدور هذه الاتفاقية. وكان هذا أسلوب الكتلة الوطنية في خداع الشعب. اذ بمثل هذه المظاهر توهم بأنها حققت نصرا أو كسبا – أرادت أن تظهر أن الاتفاقية هي لصالح البلاد وأنها تضمن الإستقلال. ولكن الشعب كان في حدة تيقظه بعد حوادث العدوان، وكان للحزب دور بارز في توعية الشعب وشن حملة على هذه الاتفاقية وفضحها. وتراجعت الحكومة وبقيت الاتفاقية حبر على ورق).
حول هذا الإتفاق البريطاني – الفرنسي أصدر حزب البعث العربي بياناً في السادس والعشرين من كانون الأول عام 1945م. حمل البيان توقيع كلاً من: صلاح الدين البيطار، جلال السيد، مدحت البيطار، ميشيل عفلق
حول الإتفاق البريطاني – الفرنسي
إن نظرة إجمالية على الاتفاق البريطاني _ الإفرنسي بشان سوريا ولبنان، من خلال نصوصه ومعانيه وروحه العامة تظهر ما يأتي: إن دولتين غربيتين راسختي القدم في سياسة الإستعمار والاعتداء على حقوق الشعوب العزلاء، نعني بهما بريطانيا وفرنسا، لا تزالان، بالرغم من التجارب الأليمة التي عاناها العالم من جراء هذه السياسة، محتفظتين بعقليتهما القديمة، ماضيتين في تصميمها العدواني على امتهان كرامة الشعب العربي والاستخفاف بحقوقه، في سبيل انتزاع منافع ومواقع من ارض هذا الشعب تمكنهما من استغلال ثروته وتهديد سلامته والاعتداء عل حريته وسيادته والعبث بوحدته القومية وروابطه الروحية. كل ذلك بحجة الدفاع عن مصالح لهما والاضطلاع بمسؤولية حفظ الأمن والسلام وضمان الرفاهية والرخاء.
إن هاتين الدولتين تعتبران الشعب العربي بموجب هذا الاتفاق، قاصرا لا يملك أمر نفسه، مغلوبا لا يستمتع بسيادته، فتبحثان شؤونه دون استشارته أو الاكتراث برأيه. وهما، بالرغم من الغموض الذي تعمدتا خلعه على بعض نصوص الاتفاق، مما يسمح لهما في المستقبل بان تتدخلا في بلاد العرب بكل مناسبة تريدانها، لم تتورعا عن استعمال صراحة تبلغ حد الوقاحة في النصوص الأخرى التي سجلتا فيها حقهما الكاذب في مصالح متقابلة لهما في ارض الشعب العربي، وفي تحمل مسؤوليات لم يكلفهما بها احد، دون أن تغفلا تسجيل احترامهما لاستقلال سوريا ولبنان بشكل ينزل بهذا الإستقلال إلى مستوى المنحة والوعد من لدنهما.
وأخيرا فهذا الاتفاق يظهر أمرا لا سبيل إلى تعميته هو أن بريطانيا عمدت إلى اشتراء محالفة الإفرنسيين لها في الجبهة التي تشكلها في وجه دولة كبرى، فكان الثمن من جيب العرب ودمائهم وحريتهم، بتضحية سوريا ولبنان، والانتقاص من استقلالهما.
نظرة على النقاط البارزة في الاتفاق
1- إن مجرد حدوث هذا الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا على أمور تخص سوريا ولبنان، البلدين العربيين المستقلين، هو استمرار للسيطرة البريطانية والإفرنسية التي فرضتها هاتان الدولتان على الأقطار العربية بقوة السلاح. فالشعب العربي يجيب على ذلك بالرفض الاجماعي لهذا الاتفاق الإستعماري ويطلب من الجامعة العربية ومن حكومتي سوريا ولبنان أن تتبنى هذا الرفض وتعبر عنه تعبيرا رسميا.
2- إن مجرد حدوث هذا الاتفاق الوحيد الطرف دون إشراك أصحاب العلاقة الشرعيين هو مخالفة صريحة للقواعد الدولية العامة وللمبادئ والمقررات التي أقرتها وأعلنتها هيئة الأمم المتحدة. فالشعب العربي يطلب من حكوماته التي مثلته في هذه الهيئة أن تعترض لديها على إخلال الحكومتين البريطانية والإفرنسية بمقرراتها وتحملها مسؤولية إرجاع الحق إلى نصابه.
3- إن ما جاء في الاتفاق عن أمر جلاء الجيوش البريطانية والإفرنسية عن سوريا ولبنان فيه مغالطة وخدعة خطرة. فجلاء الجيوش البريطانية أمر طبيعي لا فضل ولا منة فيه لأحد علينا، لان وجود هذه الجيوش في سوريا ولبنان كان لمقتضيات الحرب فحسب. ولكن المسألة الشائكة الخطرة هي في وجود القوات الافرنسية في هذين البلدين العربيين اللذين ظلا طوال ربع قرن عرضة لعدوانها المتكرر الباغي، وهي على الأخص في علاقة وجود هذه القوات بما لفرنسا في سوريا ولبنان من مطامع استعمارية فرضتها باسم الانتداب، ويخشى أن تستمر على فرضها باسم ادعاء آخر جديد. فالاتفاق ينطوي على خدعة كبيرة، لأنه يعد بجلاء الإفرنسيين عن سوريا، وهذا أمر حاصل، ولكنه يقر، مقابل هذه المنحة الوهمية، مشروعية تجمع الإفرنسيين وبقائهم في لبنان، مع ان ذلك هو الخطر المخيف والخلاف الوحيد الذي ما زال العرب ينتظرون له حلا منذ نهاية الحرب الأخيرة.
وأما تبرير بقاء هذه القوات في لبنان بحجة ضمان الأمن الدولي في منطقة البحر المتوسط ريثما يصدر قرار مجلس الأمن الدولي بهذا الشأن، فليس له معنى سوى إبقاء القديم على قدمه، أو بالأحرى الرجوع إلى حالة الانتداب، والتسليم لفرنسا بمدعياتها في زمن الانتداب، وإبقاء سوريا ولبنان تحت رحمة السلاح الإفرنسي.
فالاتفاق البريطاني الإفرنسي إذن قد تضمن، مقابل الشروط الصريحة المخلة باستقلال سوريا ولبنان، وعدا غامضا بالجلاء يوهم بأنه في صالح هذين البلدين، مع انه في الواقع يناقض الجلاء الصحيح وينفيه. فمن واجب الحكومتين السورية واللبنانية أن تحذرا من الانخداع بهذا الجلاء الناقص الكاذب، لئلا تلزمهما موافقتهما عليه بالموافقة على بقية أقسام الاتفاق.
إن حزب البعث العربي يعلن أن هذا الاتفاق هو شر على العرب في مجموعه وتفصيلاته، وانه لا يختلف في شيء عن اتفاق سايكس بيكو وأمثاله من تآمرات الدول الإستعمارية التي يعاني العرب نتائجها الوخيمة منذ ثلاثين عاما إلى اليوم. والحزب إذ يسجل على بريطانيا وفرنسا غدرهما الجديد بالعرب في قضية سوريا ولبنان، يهيب بالشعب العربي في جميع أقطاره أن يجيب على هذا الغدر بما يستحق من المقاومة والكفاح، وان يبرهن للدول الإستعمارية أن له من تضامنه المتزايد وجهاده المتواصل ما يقوي على إحباط مؤامراتها وإلغاء اتفاقاتها المجرمة.
عن حزب البعث العربي
صلاح الدين البيطار، جلال السيد، مدحة البيطار، ميشيل عفلق
دمشق في 26 كانون الأول 1945
انظر مقالات ووثائق ميشيل عفلق:
في الثلاثينيات:
عهد البطولة | 1935 |
ثروة الحياة | 1936 |
في الأربعينيات:
القومية حب قبل كل شئ | 1940 |
القومية قدر محبب | 1940 |
في القومية العربية |
1941 |
نفدي العراق | 1941 |
ذكرى الرسول العربي | 1943 |
التفكير المجرد | 1943 |
واجب العمل القومي |
1943 |
الإيمان |
1943 |
المثالية الموهومة |
1943 |
المثالية الواقعية |
1943 |
المعركة الانتخابية الأولى |
1943 |
حول الاعتداء على استقلال لبنان | 1943 |
الجيل العربي الجديد | 1944 |
الأرض والسماء |
1944 |
موقفنا من النظرية الشيوعية |
1944 |
السياسة الأمريكية حول فلسطين |
1944 |
حول السياسة الأميركية والهجرة اليهودية | 1945 |
موقف الحزب من ميثاق الجامعة العربية |
1945 |
مقابلة ميشيل عفلق مع مجلة النضال |
1945 |
بيان حزب البعث العربي حول مشاكل العرب السياسية | 1945 |
1945 |
انظر ايضاً:
ميشيل عفلق: البعث العربي هو الانقلاب
ميشيل عفلق: الدور التاريخي لحركة البعث
ميشيل عفلق: الحركة الفكرية الشاملة