بدر الدين تلجبيني – التاريخ السوري المعاصر
كانت سرايا مدينة أعزاز في الخمسينات تحوي جميع الدوائر الحكومية من محكمة ومكتب ( القائم مقام ) وقيادة الشرطة والبلدية والمالية والنفوس والسجل العقاري ودائرة الحدود .
وحول مبنى السراي كانت هناك دكاكين لكتّاب العرائض معقبي المعاملات الذين كانوا يدعونهم قديما ( العرضحالجيه ) . يقومون بكتابة شكاوي واستدعاءات المواطنين لتقديمها إلى الدوائر الرسمية في السراي ، فكانوا يكتبون بالريشة والدواة ( المحبرة ) التي تحوي وعائي حبر زجاجيين ، الحبر الأسود ويستعمل في كتابة الإستدعاءات ، والحبر الأحمر ويستعمله الموظفون في تدوين الملاحظات ، فيغطس الكاتب الريشة بالدواة ، ويكتب بما علق بها من حبر عدّة كلمات ، ثم يعود ليغطّسها في الدواة ثانية ويكمل ، وعندما يفرغ من الكتابة يضع على الصفحة ( نشّافة الحبر ) الورقية التي تمتص الحبر الذي لم يجف بعد ، وإذا ما أخطأ الكاتب في الإستدعاء يقوم بتمزيق الصفحة واعادة الكتابة على صفحة جديدة .
أما في المحاكم ومخافر الشرطة فالأمر مختلف تماما ، فليس هناك تمزيق أوراق لأن السجل الرسمي محدّد الصفحات ولا يمكن إقتلاع أيّة صفحة منه ، فاذا ما أخطأ كاتب الضبط في عبارة فلا يقوم بشطبها بل يتبعها بعبارة ( بل ) ويكتب بعدها العبارة الصحيحة.
ويخاطب كتاب العرائض المسؤولين والموظفين وفق مسؤوليتهم ودرجاتهم ، فيخاطبون القاضي بعبارة ( مقام قاضي الصلح المدني الموقر ) ورئيس الدائرة ( حضرة وجناب فلان ( بك ) رئيس دائرة كذا ، والموظف العادي ينادونه ( افندي ) .
وكان لمعقب المعاملات في نفوس أهل حيه منزلة كبيرة واحترام ، ففي السهرات كان يستلم الحديث من بابه لمحرابه فيسحر الحاضرين بإسلوبه الشيق الجذاب ، فيسأله الحضور أسئلة قانونية يجيب عنها متفاخرا بخبرته ، وبأن موظفي السراي كانوا يستدعونه ليأخذوا منه النصائح ، وأن القاضي الفلاني كان يستدعيه أحيانا ليسأله عن بعض الأمور .
واليوم سمي معقّب المعاملات ( مجازاً قانونياً ) ، فأصبح منافساً قوياً للمحامين فيتميز عنهم بمعرفته للكثير من موظفي دوائر السجل العقاري والمالية والبلدية والزراعة ، الذين كانوا يساعدونه في إيجاد ثغرات في القانون تتيح تمرير المعاملات وتخفيض الرسوم والضرائب للمعاملة . وكان لكل موظف مفتاح ، ففلان مفتاحه المجاز القانوني ( فلان ) فلا يعمل الا عن طريقه وموظف آخر ( مفتاحه ضائع ) لا يقدم على مخالفة القانون فكان المعقبين يسمونه ( معرقل معاملات ) !!
وموظف أخر لكل شيء عنده تسعيرة ، من المسألة الصغيرة حتى الكبيرة . واكبر همّه جمع المال تحت شعار ( نفيد ونستفيد ) ، فيستوفي الرسوم كاملة من صاحب العقار وفق اللوائح ، ويقتسم ما تم الحصول عليه من التخفيضات مع معقب المعاملات !!
لكن .. وكما تختلف أصابع اليد الواحدة ، فكذلك يختلف سلوك الموظفين ومعقّبي المعاملات . فلكل واحد منهم خلالٌ وطباعٌ وصفات .
والكثير منهم كانوا يساعدون الناس ويقدمون لهم الخدمات والمساعدات .
ونستعرض فيما يلي أسماء كتّاب العرائض في أعزاز من القديم حتى الحديث .
ونبدأ بالرعيل الأول ( مع حفظ الألقاب ) :
( الكيالي – حج محمد حنو ـ مصطفى محي الدين كركج ـ هادو ويسي – حسن جلخان ـ ناصر كريّم ـ محمد داهود ـ احمد محي الدين كركج – أحمد علوي ـ احمد بكار ( ابو عدنان ) ـ حاتم الشيخ مستو ( في حلب ) – ابو جنيد ( الضرير )
..ومن كتاب العرائض المجازين القانونيين :
( سلامه ابو حسين – عبدو كرز – انور حنظل – حسن السيد علي ( طوفان ) ـ مروان حنو ـ ابو حسن جلخان – عادل بزاره – عبد الله رشيد علوي ـ أنور حنظل ـ عبد الله الحاج سعيد ـ عمر حنان – محمد رمضان ( الديري ) محمود حسون – محمد السيد علي ( أبو فهيم )) وشعبان عيسى ( ابو صالح )
انظر:
بدر الدين تلجبيني: بائعون رائعون في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: رحلة الى السينما في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: دخول القوات الفرنسية إلى أعزاز عام 1920
بدر الدين تلجبيني: أيام شهر رمضان في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: نجارة المحاريث القديمة في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: حديث عن مدرسة ابن المقفع في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: السرايا الحكومية في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: جولة في ليل أعزاز
بدر الدين تلجبيني: الزودة في قديم أعزاز
بدر الدين تلجبيني: المولد النبوي الشريف في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: مقاهي أعزاز
بدر الدين تلجبيني: عيد الأضحى في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: المصارعة الزيتية في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: خان بيع الحبوب في أعزاز