شهادات ومذكرات
من مذكرات أمين أبو عساف (30): عودتي معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (30): عودتي معاوناً لآمر المجتمع الرابع
أثناء الحرب وضعت قيود على تجارة المواد الغذائية من أجل تموين الجيوش الموجودة في المنطقة والسكان. وكانوا يعطون إعاشة مقطوعة إلى العسكريين يومياً من المواد الأولية التالية توزع شهرياً وهي (طحين 0,559 كغ، سكر 0,035 كغ ورز 0,056 كغ، شاي ضمن صناديق ومغلفة بورق خاص لحفظها، قهوة 0,007 كغ مغلفة ومحفوظة ضمن علب تنك لتبقى صالح للاستعمال).
كان الذين لهم حق في هذه المواد حوالي الألفين من كوكبة حوران التابعة إلى السويداء.
في الماضي كانوا يعطون الجندي في الكتيبة مبلغ “خمسة عشر ليرة” مقطوعاً ويتصرفون في الإعاشة ببيعها في السوق السوداء، استحقاق الجندي كان يتراوح ثمنه من “ستين إلى مائة ليرة” كما قيل لي. وهم يبيعونه بوضعه الراهن كما هو مستورد.
ويشرف على هذه العملية الكابتن “باردوا” معاون آمر الكتيبة واليوتنان “بودان” المحاسب يشرفان على التوزيع والتجارة.
بعد أكثر من سنتين تنبه العسكريون لهذا التلاعب وصاروا يستلمون استحقاقاتهم قبل مجئي إلى الكتيبة.
بعد عودتي من معسكر القرعون عينت معاوناً لآمر المجتمع الرابع وانتدبت لاستلام إعاشة الجنود. ذهبت مع المحاسب المختص إلى المستودع وكان يشرف على التوزيع الكابتن “باردوا”. قال : إنه يحسم على الجندي غرام في اليوم لكل مادة من مواد التموين بسبب تمزق الأكياس وضياع قسم من محتوياتها. قلت له لن أستلم الإعاشة ناقصة. يمكن التساهل في مواد (الطحين والرز والسكر) أما الشاي والقهوة فلا أوافق على حسم شي منها.
قال : لنعرض الموضوع على آمر الكتيبة وخرجنا من المكتب وهو منفعلّ وفي الباحة قال بصوت عالِ أنت رفضت استلام التموين – قلت له :رفضت استلامه ناقصاً بصوت عالِ أيضاً يجب أن لا يحرف الكلام. سمعنا كلُ الجنود الموجودون في الباحة وكان ذلك أول موقف يقفه ضابط سوري أمام رئيسه الفرنسي على مرأى من الجنود.
قال آمر الكتيبة: إذن تستلم مسؤولية التوزيع للكتيبة كلها.
وهكذا استلمت إعاشة الكتيبة ووزعتها بدون حسم إلا على مادة الطحين حسمنا / 500 / غرام عن كل وزنة أي أقل من نصف غرام في اليوم لكل جندي.
كانت الإعاشة عن شهر تشرين أول والتوزيع في أوائل تشرين ثانِ.
وزعت الإعاشة على مندوبي المجتمعات والكوكبات المنفردة. جرى الوزن من قبل مندوبي هذه القطعات بحضوري. رفعت تقريراً إلى آمر الكتيبة بذلك ولم يعترض أحد. كانت المرة الأولى والأخيرة التي أكلف فيها بهذا العمل.
خلال شهر تشرين كانون الأول 1944 زار الكولونيل “فارملان” مدير القطعات الخاصة الكتيبة في السويداء. قابلته بحضور آمر الكتيبة والرئيس “سمعان” من مكاتب المديرية وراجعته من أجل ترفيعي، كنت قد انتهيت المدة اللازمة للترفيع في أول أيلول من هذا العام وذكرته بما قال لي سنتين “من المؤسف أنه ليس عندك القدم اللازم للترفيع إلى رتبة رئيس كنا رفعناك”. أجاب حتماً سترفع في أول العام الجديد! ظهر جدول الترفيع ولم أرفع – رفعّ الرئيس “حمد” إلى رتبة مقدم.
ان أحداً من الذين رفعوا إلى رتبة رئيس لم يكن في وضع أفضل من وضعي! رفع أفراد دورتي كلهم إلى رتبة “رئيس شرف”.
ألخص فيما يلي النقاط الإيجابية التي لم تؤخذ وتساعد على الترفيع ولم تتوفر لأي ضابط من الضباط الذين رفعوا:
1- دورة دراسات عليا في مدرسة الفرسان والمدرعات في “سومير” فرنسا ناجحة وقد أطلعني على النتيجة بصورة قانونية آمر الكوكبة الثالثة الرئيس “جميل رمضان” عندما استلمها ليسجلها على إضبارتي.
2- حصولي على ثناء باسم الجيش مع وسام صليب الحرب الفرنسي ذو النجمة المذهبة لعام / 1939 – 1940/ أثناء حرب 1941 وهذا لا يحمله أحد من الذين ترفعوا!.
3- قيادة رعيل المدرعات الثاني وحدة مستقلة إدارياً في ظروف استثنائية صعبة.
4- قيادة وتشكيل الكوكبة الآلية في الكتيبة الخفيفة للمنطقة الشمالية. مع العلم أن هاتين القيادتين يشغلهما ضابط برتبة رئيس عادة.
قدمت طلباً عن طريق التسلسل إلى القيادة أشرح فيه الظلم الذي أصابني رغم خدماتي التي أديتها ولم أتلقَ جواباً.
كنت مختلفاً في التفكير مع رؤسائي. فينما يرون أننا يجب أن نخدم فرنسا بدون التفكير في مستقبل وطننا. كنت أعارض ذلك عملياً ولا أساوم على مستقبله، بينما البعض يرضخ للإغراء.
اعتبرت تأخير ترفيعي من قبل الفرنسيين وساماً مُنِحته ولا أريد رتبة تقيدني.
تسارعت الأحداث والمشاكل بين المفوض السامي ومندوبه والحكومة الوطنية فيما يتعلق بالاستقلال. كنا ثلاثة ضباط الدكتور الرئيس “توفيق عز الدين” والملازم الأول “أمين أبو عساف” والملازم “خطار حمزة” قررنا الاتصال بالحكومة السورية.
كتبنا رسالة نضع أنفسنا مع جنودنا تحت تصرف الحكومة السورية ونتعهد بتنفيذ أوامرها ووقعناها. قام الدكتور الرئيس “توفيق” بتنفيذ هذه المهمة.
حمل الرسالة وذهب إلى دمشق، وقابل رئيس مجلس الوزراء “جميل مردم بك” وسلمها له قائلاً إننا نضع أنفسنا مع جنودنا تحت تصرف الحكومة وننفذ أوامرها عند اللزوم المناسب يخبروننا ماذا يجب عمله.
أثناء ذلك قامت مظاهرة طلاب بالسويداء اشترك فيها جميع الطلاب، كان على رأسها الطلاب: ابن أخي “طلال فهد أبو عساف” و”مزيد هنيدي” “برجس هنيدي” “فهد الشاعر” “فوزي جبور” وغيرهم. هدف المظاهرة المطالبة بتسليم قطعات الشرق الخاصة إلى الحكومة السورية. توجهت المظاهرة إلى أمام سراي الحكومة وألقيت الخطب النارية تطالب بتسليم الجيش.
كان “طلال” من الذين خطبوا وهو يقيم معي. وبعد هذا الخطب هاجموا نادي الضباط في السويداء، كسروا زجاج النوافذ وأحدثوا تخريباً في النادي ولم تتفرق المظاهرة إلا بعد تدخل الجيش. لأن الشرطة لم تتمكن من ذلك.
أتى من يطلب مني أن أمنع “طلال” من الاشتراك في المظاهرات وأن أذهب إلى الكومندان “سارزان” من أجل الاعتذار. فرفضت ذلك.
طلبني الكومندان “سارزان” وسألني من أي قرية الطالب “طلال أبو عساف” ومن هو والده؟ أجبته من قرية سليم ومن العائلة. قال كيف تسمح له العائلة القيام بمثل هذا العمل؟ أجبت: العائلة غير مسؤولة عن عمل “طلال” وإن المدرسة هي المسؤولة عن عمل طلابها؟ قال: لكن لم يأتِ أحد من عائلة أبو عساف ليعتذر عما قام به أحد أبنائها. أجبت : أنا لا أتدخل في شؤون العائلة. وانتهت المقابلة.
اقرأ:
من مذكرات أمين أبو عساف (1): الثورة العربية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (2): بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (3): أسباب الثورة السورية الكبرى 1925
من مذكرات أمين أبو عساف (4): اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (5): متابعة دراستي وانتسابي إلى الصف الخاص
من مذكرات أمين أبو عساف (6): الدخول إلى الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (7): الدراسة في الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (8): التخرج من الكلية العسكرية وتعييني في الكوكبة الثالثة
من مذكرات أمين أبو عساف (9): نقلي إلى كتيبة شمال سورية الكوكبة /25/
من مذكرات أمين أبو عساف (10): إجراءات السفر إلى “سومير”
من مذكرات أمين أبو عساف (11): مدرسة سومير للفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف(12): زيارة باريس
من مذكرات أمين أبو عساف (13): إعلان فرنسا الحرب على ألمانيا النازية
من مذكرات أمين أبو عساف(14) : نقلي إلى الكوكبة الثالثة مدرباً لطلاب الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (15) : محاضرة عن الدروز في “جبل الدروز”
من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
من مذكرات أمين أبو عساف (17): ذهاب الكتيبة إلى الحدود الفلسطينية
من مذكرات أمين أبو عساف (18): معركة فيق
من مذكرات أمين أبو عساف (19):الانسحاب من تل الفرس
من مذكرات أمين أبو عساف (20): العودة إلى حمص بالقطار من محطة القدم
من مذكرات أمين أبو عساف (21): إعادة تشكيل الرعيل واستلامي مهمات دفاعية على طريق تدمر ودمشق
من مذكرات أمين أبو عساف (22): تعييني أمراً لرعيل المدرعات الثاني عام 1941
من مذكرات أمين أبو عساف (23): عودة الرعيل إلى ثكنته في اللاذقية
من مذكرات أمين أبو عساف (24): نقلي معاوناً لقائد الفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف (25): نقلي إلى الكتيبة الخفيفة للمنطقة الشمالية آمراً للتشكيلات الآلية
من مذكرات أمين أبو عساف (26): تشكيل أول كوكبة آلية وتعيين قائداً لها عام 1942
من مذكرات أمين أبو عساف (27): نقلي إلى الكتيبة الدرزية
من مذكرات أمين أبو عساف (28): تعييني معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (29): إبعاد الضباط النظاميين إلى بيروت