مقالات
نورالدين عقيل: أشهر الحلويات الشعبية في يبرود
أشهر الحلويات الشعبية في يبرود
نورالدين عقيل – التاريخ السوري المعاصر
في الخمسينات من القرن الماضي وما قبلها بعشرات السنين كانت هناك عادة سنوية تقوم بها جميع عائلات يبرود إسلام ومسيحيين على السواء ، تأتي في الأسبوع الذي يسبق عيد خميس الأموات المصادف لخميس الأسرار عند الطوائف المسيحية الشرقية وذلك في شهر نيسان من كل عام ، ألا وهي ما كانت تدعى ( طبع الاقراص ) ، وهي من اشهر الحلويات اليبرودية والذها وأطيبها مذاقا .
في الصباح كانت تقوم ربة الاسرة بعجن مد واحد أو مدين من طحين قمح السقي ( المد يقدر ب ٢٠ كيلوغرام طحين ) ، بعد خلطها بالحليب والسكر والسمنه العربية وبعض البهارات المنكهة كالمحلب وغيرها مما يعطي الاقراص المشوية نكهة طيبه ، واحيانا كانت تستعين بأحد ابناء الاسرة من ذوي السواعد القوية لأن عجن الخليط يلزمه جهد وقوة بدنية ، وتتركه حتى المساء ليختمر تماما ، وكان افراد الاسرة يقومون بدعوة بعض الشبان والصبايا من الأقارب والجيران للمساعدة في طبع عجين الاقراص ، وكان ذلك يلقى ترحيبا من قبل المدعوين فيلبون الدعوة بالسرور والفرح .
عند المساء غالبا كان الجميع من شبان وصبايا يتحلقون حول مفرش كبير من القماش في وسط الغرفة بعد أن توزع عليهم ربة الأسرة قوالب خشبية دائرية مختلفة الاحجام محفورة بزخارف هندسية جميلة على وجه واحد منها يدعى الواحد ( طابع).
ربة الاسرة واحيانا تساعدها أحداهن تتناول كمية من العجين وتقوم بتقطيعها على شكل كراة وتلقي بها الى هؤلاء الشبان والصبايا الذين يقومون برص هذا العجين على الوجه المزخرف من الطابع بعد دهنه بالسمن العربي الذائب والموضوع في وعاء أمامهم ويقوم كل منهم برص وتسوية العجين بأصابعه وبسرعة ليأخذ شكل الطابع وبسماكة معقولة ، ثم ينفض كل منهم الطابع على المفرش لينزل منه قرص العجين بحيث يكون الوجه المزخرف الى الأعلى ، وعنما تتوفر كميه من هذه الاقراص تقوم إحدى الفتيات بجمعها بهدوء وإتقان ورصفها على مفرش من القش او النحاس ثم ترفعه الى راسها وتقوم بنقله الى احد افران البلدة ليتم شواؤها ، بعد الشواء تعود بها حيث تنبعث منها رائحة زكية مميزة عطرة تفتح الشهية وتصل الى مسافة كبيرة حيث تمتلئ الحاره بكاملها بشواء الاقراص ، أثناء عملية طبع الأقراص كانت تجري المنافسة بين الشبان والشابات وتبادل الأحاديث والفكاهات ، وقد يجري بعض الهمس وتبادل نظرات الإعجاب بين البعض ولكن في إطار الحشمة والأدب ، وقد ينقضي الليل بكامله والجميع في عمل كله بهجة وسعادة وسرور ، ويقوم بعض الشبان بحراسة الفتيات اللاتي ينقلن الأقراص الى الفرن خوفا عليهن من عتمة الليل ، وعند الإنتهاء من طبع عجين الأقراص كانت ربة البيت تشكر الجميع وتحلف ان ينال كل نصيبه من الاقراص المشوية .
وفي الصباح كانت ربة البيت تقوم بتوزيع كمية من الاقراص على الجيران والمعارف والأقارب ويكون للفقراء نصيب منها ، كانت جميع الأسر تتبادل تهادي الاقراص فيما بينها حيث يشكل هذا نوعا من المحبة والألفة بين الجيران والاقارب والاصدقاء .
كانت في تلك الأيام الأسر الفقيرة تنال نصيبا كبيرا من هدايا الجيران وأهل الحي بكامله فلا تشعر بلوعة الفقر والحرمان ، كما انه كان للشحاذين نصيبهم وخاصة عندما كانت توزع عليهم اثناء زيارة النساء لقبور معارفهم في عيدي خميس الخمسان وخميس الاموات .
هذا الموسم السنوي كانت تشترك وتعمل به أغلب بلدات وقرى القلمون وخاصة في شهر نيسان من كل عام .
انظر:
نورالدين عقيل: رمضان في ماضي يبرود