شهادات ومذكرات
من مذكرات أكرم الحوراني – حث نظام القوتلي على ممارسة الإستقلال
من مذكرات أكرم الحوراني (13 /118)
من مذكرات أكرم الحوراني – حث نظام القوتلي على ممارسة الإستقلال:
كان فارس الخوري خلال الأزمة اللبنانية وبالاتفاق مع الحكومة، يؤجل مواعيد جلسات البرلمان تحاشياً من إحراج الحكومة من أسئلة النواب، أما بعد انتهاء الأزمة اللبنانية والإفراج عن الزعماء الوطنيين فقد صرح سعد الله الجابري في الحفلة التي أقيمت بمناسبة ذكرى هنانو بحلب فقال: “إن ممثل فرنسا نفسه اعترف أمام عصبة الأمم أن صك الانتداب بفترض أن يكون الشعب المنتدب عليه معترفاً بالدولة المنتدبة. وبذلك فقط يكون الانتداب صحيحاً.
أما سوريا فلم تعترف بالانتداب رغم مرور عشرين سنة لذلك اضطررنا لقبول رأيها وترك الانتداب واللجوء إلى سياسة جديدة أخرى”.
وقد كان هذا المقطع من الخطاب متناقضاً كل التناقض مع موقف حكومته المتخاذل تجاه إلغاء المادة 116 من الدستور السوري التي تنص على تحفظات الانتداب.
وقد أثار فخري البارودي في الجلسة التي عقدها المجلس في 25 تشرين الثاني، أي بعد انتهاء الأزمة موضوع المطالبة بحذف المادة 116 من الدستور. فأظهر بعض النواب نواياهم السيئة فقلت مستهزئاً: (أريد أن ألفت نظر الزملاء الذين يتمسكون بالحجة والمنطق للتمسك بأذيال الانتداب أنني أرى من المفيد جداً لدحض مزاعمهم تعيين جلسة خاصة لتسفر عن خطة نريد من الحكومة أن تلتزمها كما فعل لبنان. إنني أرى أن حياتنا السياسية في سوريا أصبحت غريبة جداً لا أرى لها معني. حياة دستورية وانتداب بوقت واحد يقولون :إننا نتمتع باستقلالنا، وجميع صلاحيات الاستقلال منتزعة منا .. الخ”.
وقد عين المجلس جلسة خاصة، في 27 تشرين الثاني لبحث هذا الموضوع. وبعد افتتاح الجلسة طلب رئيس المجلس من وزير الخارجية أن يقول شيئاً بهذا الخصوص، فقال إنه يرجئ القاء بيانه إلى ما بعد انتهاء النواب من القاء كلماتهم.
كنت أول المتكلمين، ولا بأس أن أثبت هنا نص ذلك الخطاب بكامله نظراً لأهميته في ذلك الوقت. وقد أبرزته الصحف الحيادية والمعارضة بشكل خاص:
“لا أكون أثرت البحث في موضوع مستحدث بالنسبة إلي إذا طلبت تطبيق أحكام المادتين 46و 70 من الدستور السوري اللتين تنصان على وجوب تحليف النواب ورئيس الجمهورية يمين الإخلاص للدستور والوطن. لإنني طلبت ذلك فور انتخاب رئيس جمهوريتنا وذلك في الاجتماع الثاني للدورة الاستثنائية بتاريخ 19 آب 1943 أي قبل إجتماع مجلس النواب اللبناني وتأليف الوزارة الصلحية.
وقد قلت آنذاك بالحرف الواحد”إن الدستور السوري ينص على وجوب تحليف رئيس الجمهورية والنواب يمين الإخلاص للدستور والوطن. وإنني أقترح أن يحلف رئيس الجمهورية والنواب يمين الإخلاص على دستور عام 1928 لا على أساس دستور عام 1930 الذي طرأت عليه بعض التعديلات بقرار من المفوض السامي وذلك بتذليله بالمادة 116. فتمسكنا بدستورنا وحلفنا اليمين على أساسه هو نقطة ابتداء في اتجاهنا السياسي وعملنا القومي”.
وقد رد علي (آنذاك) رئيس المجلس بقوله “أرى أن أطرح الاقتراح الذي تكلم عنه أكرم الحوارني نائب حماه سابق لأوانه، ولابد من تقرير أمور أخرى لها صلة بهذا الأمر وجلاء بعض الغوامض التي تكتنفه وتحيط بالموقف الحاضر. ولذلك أرى أن يوافق الحوراني على أرجاء هذا البحث لوقت آخر”.
“إن السبب الذي حدا بي لإثارة هذا الموضوع آنذاك ليس ناشئاً عن تمسكي بتحليف رئيس الجمهورية والنواب يمين الاخلاص وتطبيق أحكام الدستور فحسب، بل لاعتقادي أن تمسكنا بدستورنا وحلفنا اليمين على أساسه دون أن نعترف بوجود المادة 116 يفتح أمامنا طريقاً واضحاً للسير عليه منذ ابتداء حياتنا الدستورية التي لم تعم على أساس واقعي واضح. وهذا ما عنيته آنذاك بقولي “إن ذلك بعد نقطة ابتداء في اتجاهنا السياسي وعملنا القومي”. وهذه الخطة هي التي سار عليها لبنان الشقيق بكل جرأة وقدم راسخة.
والحقيقة التي لا مراء فيها أن تحفظات الانتداب إذ كانت قد وزعت بعدة مواد في صلب الدستور اللبناني، فإن مساوئ الانتداب جميعها تجتمع عندنا بمادة واحدة هي المادة 116 التي ذيل بها دستورنا عام 1930.
إن بعض الزملاء من النواب الذين اقترحوا في الجلسة السابقة إلغاء المادة 116 من الدستور. مع أني لا أعتقد بصواب هذا الطلب، لأن طلب إلغاء هذه المادة يعد اعترافاً منا بوجودها سابقاً، مع أن الأمة لم تعترف بوجودها في يوم من الأيام، عدا أنه لتعديل الدستور أسلوب نصت عليه المادة 108 يوجب اقتراح ثلث النواب، على أن يبت بطلب التعديل بالدروة العادية التالية. ولذا كان طلب إلغاء المادة 116 طلباً غير صحيح ولا جائز، وإنما الجائز أن نحلف اليمين على دستورنا الحقيقي المكون من 115 مادة فقط دون أن نعترف بوجود هذه المادة فتعد ساقطة لاغية.أما نتائج التحليف فهي:
أولاً: نكون قد قررنا من قبلنا عملاً إيجابياً بعدم اعترافنا بوجود المادة 116 التي تجمع جميعت حفظات الانتداب، أما إلقاء الخطب والمناقشات بوجود الانتداب أو عدمه من الناحية الحقوقية والرد على الفرنسيين فلا يجدي نفعاً.
ثانياً: إن اكتفاءنا بعدم الاعتراف بهذه المادة دون أن نقوم بهذا العمل يعد منا تهرباً من مجابهة الحقائق مجابهة صريحة.
ثالثاً: نكون قد طبقنا أحكام المادتين 46 و70 من الدستور ولم نقع بمخالفة دستورية لا مبرر لها.
ولكن هل يجب علينا الوقوف عند هذا لاحد بعملنا؟
إنكم تذكرون بلا ريب أن حكومتنا لم تتقدم للمجلس ببيان وزاري أوجبته المادة 90 من الدستور السوري، ولكنها تبنت خطاب فخامة رئيس الجمهورية الذي لا يمكن أن يكون بياناً وزارياً بحكم مركزه وعدم مسؤوليته، لأن البيان الوزاري هو الخطة الواضحة التي تحدد مسؤولية الوزراء أمام المجلس الذي يمكنه أن يحاسبها على تنفيذه والتقيد به عند اللزوم، ومع ذلك فقد منح مجلسنا الثقة للوزارة فكانت ثقته بأشخاص الوزارة ثقة شخصية لا دستورية، وهي ثقة عظيمة من المجلس لا تحظى بها وزارة، ولذلك فإني أعترف بأنه ليس لدى الحكومة خطة تسير عليها وليس أمام المجلس خطة يطمئن إليها.
مع ذلك فإن هذا لا يمنعنا من سؤال الوزارة عما قامت به طيلة المدة المنصرمة هل فاوضت الجانب الفرنسي لاستلام الصلاحيات لممارسة حقنا بالسيادة؟ وما هي النتائج التي توصلت إليها؟ وإذا كانت قد قامت بهذه المفاوضة ولم تصل إلى نتيجة حاسمة فإنني اقتراح على كل حال أن تمارس حكومتنا جميع صلاحيات الاستقلال عملياً منذ الآن وقبل انتهاء المفاوضة، وأهم هذه الصلاحيات التي يجب أن تمارسها من تلقاء نفسها وقبل انتهاء المفاوضة تشكيل نواة للجيش الوطني، أما كيفية التشكيل فيرجع تقديره للخبراء، أما المال فنحن مستعدون لرصد جميع الاعتمادات الكافية حتى ولفرض الضرائب الجديدة عند اللزوم، وما أظن الشعب إلا ويتحمل ذلك بفرح وسرور. لأننا لم نعد نؤمن باستقلال لا تحمي ذماره قوة عند اللزوم.
إننا ذقنا فيما مضى عواقب سياسة المطل والتسويف والنكص والخلف بالعهود والوعود من قبل الجانب الفرنسي مدة ربع قرن، فيجب علينا أن نعتبر بذكرى الماضي. وأن الأمة قد بلت عواقب إضاعة الفرص السانحة. على أنه ليس من العار أن نخطئ وإنما العار أن نرتكب الخطيئة الواحدة مرتين”.
انزعج رئيس المجلس كثيراً من كلمتي، وكان انزعاج الحكومة أشد ولاسيما عندما طلبت لأول مرة تشكيل جيش وطني ورصد الاعتمادات اللازمة لإنشائه لممارسة الاستقلال والسيادة، وهو ما تعتبره الحكومة ثورة مسلحة على فرنسة، وخاصة عندما شجعت كلمتي نائب جيرود فثنى على طلبي بتشكيل جيش وطني.
انظر :
من مذكرات أكرم الحوراني – انتصار حركة استقلال لبنان وموقف حكومة عهد القوتلي (117)
من مذكرات أكرم الحوراني – قضية لبنان في مجلس النواب السوري (116)
من مذكرات أكرم الحوراني – فرنسا تلغي حقوق لبنان الاستقلالية (115)
من مذكرات أكرم الحوراني – دمشق تحتفي بتحرريي لبنان (114)
من مذكرات أكرم الحوراني – موازنة الدولة (113)
من مذكرات أكرم الحوراني – قضية فلسطين محور الوحدة العربية (112)
من مذكرات أكرم الحوراني (111) – على ضفاف بردى
من مذكرات أكرم الحوراني(110) – كيف بدأ تشكل المعارضة ضد عهد القوتلي؟
من مذكرات أكرم الحوراني (109) – عملاء المخابرات البريطانية المحليون
من مذكرات أكرم الحوراني (108) – المعركة التي لم تخضها سوريا يخوضها لبنان
من مذكرات أكرم الحوراني (107) – العائلة القوتلية
من مذكرات أكرم الحوراني (106) – احتفال تجار دمشق بانتخاب القوتلي رئيساً
من مذكرات أكرم الحوراني (105) – أداء رئيس الجمهورية والنواب يمين الإخلاص
من مذكرات أكرم الحوراني (104) – افتتاح البرلمان وانتخاب القوتلي رئيساً عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (103) – في مجلس النواب.. متاعب .. إلى حدود الإغماء
من مذكرات أكرم الحوراني (102) – كيف كانت بنية المجتمع وشكل الاقتصاد في حماه عام 1943؟
من مذكرات أكرم الحوراني (101) – منعطف حاسم في مسيرة حياتي
من مذكرات أكرم الحوراني (100) – على هامش معركة الانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (99) – شكري القوتلي يوافق ويبارك
من مذكرات أكرم الحوراني (98) – لجنة الإصلاح في حماة 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (97) – موقف الكتلة الوطنية من انتخابات حماة عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (96) – طبول فتنة دامية
من مذكرات أكرم الحوراني (95) – انفجار الشعار الحاسم
من مذكرات أكرم الحوراني (94) – ترشيحي للانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (93) – ترشيح عثمان الحوراني لانتخابات عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (92) – جولة شكري القوتلي الانتخابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (91) – بدء النفوذ البريطاني في سوريا
من مذكرات أكرم الحوراني (90) – القوتلي ينطلق من سياسة التعاقد مع فرنسا
من مذكرات أكرم الحوراني (89) – عودة الحياة الدستورية للبلاد
من مذكرات أكرم الحوراني (88) – انهيار الكتلة الوطنية في عهد الشيخ تاج
انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني: