مقالات
تشييع عبد الرحمن الشهبندر
تشييع عبد الرحمن الشهبندر
أنطلق موكب التشييع من منزل الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في الساعة الخامسة من مساء يوم الأحد، كان الجثمان ملفوفاً بالعلم العربي، ووضع في سيارة سارت أمام المشيعين إلى مكتب “الهيئة الشعبية” في محلة عرنوس في دمشق ،تتقدمه صورة عبد الرحمن الشهبندر مجللة بالسواد، وفتيات مدرسة دوحة الأدب،ثم حملة الأكاليل التي زاد عددها على الثلاثمائة، وتحمل الأسماء التالية:
سلطان الأطرش، الأمير عبد الله بن الحسين، نصوح البخاري، رئاسة مجلس المديرين بهيج الخطيب، محافظة العاصمة، صفوح المؤيد، فارس الخوري، آل البكري، أسعد البكري، محمد سعيد المحاسني، خالد العظم، عصبة العمل القومي، حسن الحكيم.
الأمير سعيد الجزائري، قنصل تركيا، قنصل العراق، زكي الخطيب، فوزي القاوقجي، محمد كردعلي، آل الشرباتي، الداماد أحمد نامي، تاج الدين الحسني، آل المؤيد، آل التقي المحايري، الجالية السورية في مصر، الجالية السورية في المهجر.
الهيئة الشعبية في صيدا، بيروت، دير الزور، طرابلس، اللاذقية، حماه، حلب، حمص، ادلب.
شباب العراق الأحرار، آل الشهبندر، اللجنة التنفيذية العليا للكشاف السوري، نادي فيصل، الكشاف العربي، المجلس الأعلى للكشاف العربي، الدكتور منير شيخ الأرض وأخوته، شاكر ديب نعمة وعقيلته سارة، نادي الروشان الرياضي، محمد جميل الكحال وأولاده، اتحاد نقابات العمال العام، مصطفى وصفي.
المحافل الماسونية، الشرق الأعظم السوري، مدرسة جمعية الدوحة، نادي دمشق، نادي الاتحاد الرياضي، نادي الانترانيك، الجامعة السورية، طلاب التجهيز، المحاربون القدماء، نادي الشباب الرياضي.
أحياء القيمرية، العقيبة، سوق ساروجة، القصاع، الميدان، الصالحية، مأذنة الشحم، الأكراد، زكي ونري سكر، مدرسة الكلية العلمية الوطنية، شباب سوق ساروجة، نادي قاسيون، نادي كردستان، سعيد حيدر، درويش العجلاني، خليل معتوق، هاني الجلاد، جورج صحناوي وأخوانه، بدري العظم، الفرقة الفنية للتمثيل، شفيق دياب، منير العجلاني، أبو الفرج الموقع، وحيد الحكيم، يوسف دبوس، منير السادات، معروف الأرناؤوط وأسرته، الدكتور زاهرا، فؤاد القضماني، أمين عربي كاتبي، نصوح بابيل، الدكتور أبو غنيمة، محمد راغب العقاد، نصوح مملوك، الدكتور سيوطي، جمعية دفن الموتى الإسرائيلية، سعيد الغزاوي، نسيب وعارف الحجار، نقابات الخياطين، الحلاقة، وغيرها من عمال النقابات على اختلافها.
ورفعت لوحات سوداء كتب عليها:
(دمشق تبكي فقيد العرب).
(الزعيم خالد بذكراه).
(المحامون يرثون زعيم العروبة الأوحد وحامل لواء نهضتها الأمين).
(مات سيد المنابر).
(المجاهدون يبكون زعيمهم).
(شلت الأيدي الأثيمة).
(من تصدى لخدمة الناس عليه أن يغسل أقدامهم).
(مات الشهيد الحي).
ولوحات من كلماته الخالدة:
(سورية جزء لا يتجزأ من العالم العربي).
(لا أرضى لي وطناً غير بلاد العرب).
(الوطن من روح الله ومن خان الوطن خان الله فقد تجرأ على حرمة الأمة).
وعرج الموكب في شارع يوزبك إلى شارع الفرنسيسكان حيث عيادة عبد الرحمن الشهبندر وهناك على شرفات المنازل المتصلة من أول شارع الفرنسيسكان حتى العيادة، وقف الموكب وقفة صامتة خاشعة، أنزل الجثمان من العيادة وأتسق نظام الموكب وسار إلى شارع البرلمان ثم شارع الصالحية، ثم شارع فؤاد، شارع الحجاز، شارع النصر، سوق الحميدية، المسجد الأموي.
هنا عزفت موسيقى الأسعاف الخيري النشيد الحزين وصاح المؤذنون لا اله إلا الله..
وأنفجرت الأعين بدموع سخينة ووقفت صفوف الشرطة والكشافة وتقدم الجميع أربع سيارات للجمعيات النسائية بدمشق مجللة بالأزهار والسواد وهي تمثل دوحة الأدب، يقظة المرأة الشامية، النادي النسائي الأدبي، خريجات دار المعلمات، وأحاط الكشافون بالنعش الموضوع على السيارة.
سار وراء النعش آل الفقيد ثم وفود المشيعين يتقدمهم رئيس مجلس المديرين، وإلى يساره مندوب المفوض السامي الكونت “ده هوتكارك”، ومستشار الداخلية ثم المديريون والوزراء السابقون، وقناصل الدول والرؤساء الروحيون وأعضاء محكمة التمييز العليا، وجهاء المدينة وأعيانها، طلاب الجامعة السورية، طلاب المعاهد الأخرى ووفود الأمة من مختلف الأحياء والضاحية.
وعندما وصل الموكب إلى جسر فكتوريا جاءته الروافد، واجتاز الجسر في طريق محطة الحجاز واتجه في نهاية الطريق إلى شارع النصر، فسوق الحميدية في ساحة المسجد وأفنائه، وهنا التحقت وفود البلاد العربية والمدن السورية والتحقت بالموكب.
وبعد أن صلى المصلون صلاة الجنازة، خرجوا إلى صحن المسجد، حيث أعد منبر للخطباء الذين تعاقبوا واحداً بعد واحد، وهم:
نصوح بابيل، ومما قاله : (إن الذين اغتالوك قتلوا جيلاً وقتلوا تاريخاً وقتلوا أمة، فيا لشقاء هذا الوطن، وإن الأمة اتجهت أنظارها وقلوبها إلى التحقيق راجية أن يميط اللثام عن هذه المؤامرة الدنيئة).
وألقى هاني الجلاد كلمة قال فيها :(ردودها علينا شمساً ساطعة منيرة لا تعرف وطناً لها فكل أفقها وكل أرض أرضها، وكل سماء سماؤها، وهكذا الشخصية العلمية لا وطن لها لأن العلم مشاع في كل قطر ومصر).
وخطب سعيد حيدر، مما قاله: (إنكم تبكون اليوم الرجل الذي ألهب أكفكم، وهز مشاعركم بخطبه البليغة، وحكمه الخالدة والرجل الذي وضعت فيه الأمة آمالها وأمانيها، وختم مناشداً القضاء أن يسرع في كشف النقاب عن الجناة الأثمين).
وعقب عبد القادر القواص فألقى كلمة مؤثرة تحدث فيها عن جهاد الزعيم في سبيل الوطن، ووصف بإسهاب وقع الفاجعة في البلاد السورية وفي سائر الأقطار العربية.
وألقى ماجد صفية مندوب اللاذقية كلمة مطلولة أطرى فيها جهاد الزعيم والرسالة التي حملها إلى الأمة، وأعرب عن الشعور العام بالإخلاص لرسالة الزعيم والسير على مبادئه.
وألقى المحامي محمد الخطيب كلمة الدكتور سامي طيارة مندوب حمص أعرب فيها عن الألم العميق في حمص من جراء هذه الفاجعة.
كما ألقى عبد القادر الأتاسي من أعضاء وفد حمص كلمة أعرب فيها عن شعور حمص وآلمها.
ثم ارتجل منير العجلاني خطبة بليغة قال فيها: (إننا لم نفقد رجلاً عظيماً واحداً، ولكننا فقدنا أمة من العبقريات والكمالات فقد كان الشهبندر خطيباً يهز المشاعر بسحر بيانه ومحدثاً يأسر القلوب بحلاوة لسانه، زعيماً يقود الأمة بقوة وإيمانه وكان إلى هذا عالماً أديباً من الطراز الأول، وهو لو ولد في أرقى أمة على وجه الأرض لكان من رجالاتها الذين يشار إليهم بالبنان).
وألقى غالب العياشي مندوب ادلب كلمة فياضة بالشعور، وصف فيها بإسهاب الصدى الأليم الذي تركته الفاجعة في النفوس.
وكانت كلمة الختام للأستاذ زكي الخطيب الذي ألقى كلمة مرجزة جاء فيها لمحة من حياة الشهبندر وجهاده في سبيل أمته ووطنه ختمها بقوله : (أيها الزعيم المفدى نم آمناً مطمئن الضمير في جوار الملك العادل ابن أيوب منقذ العروبة والإسلام، نم فقد قضيت ولا ذنب لك إلا أنك أحسنت للعروبة التي طعنت وإلى الوطن المفدى الذي جرح بجراحك الدامية.
ثم ألقى نصوح بابيل بعد البرقيات التي وصلت، وألقى بابيل الكلمة التي أرسلها فارس الخوري.
ومشى المشيعون إلى مقام صلاح الدين الأيوبي ليواروا الزعيم الشهبندر.
كان المقام غاصاً بالناس، ووقف رجال الشرطة وفرق الكشاف حول المدفن وفي الحديقة وري الجثمان مرقده الأخير إلى جانب قبر ياسين الهاشمي.
وهنا وقفت الطفلة مها علوي من طالبات مدرسة دوحة الأدب وألقت الكلمة الآتية بصوت متقطع : (
أنى لي أن أعبر عما ألم بنساء وأبناء دمشق أجمع من الحزن العميق والأسى الأليم بهذا الخطب الجلل والمصاب الفادح فلبيك نساء أو أطفالاً يا أبانا البار ويا معلمنا الوطنية ويا شهيدنا الحي.
فنم هادئاً قرير العين فإن ذكراك خالدة في نفوسنا على مر الأيام ومر الأعوام.
ففي ذمة التاريخ أيها الراحل الكريم هذه الفاجعة الأليمة التي قرحت الجفون وأدمت القلوب).
بعدذلك اصطفت عائلة عبد الرحمن الشهبندر إلى جانب الباب حيث تقدم إليها التعزية.
استمرت التعزية بالشهبندر في مكتبه لمدة ثلاثة أيام.
وأغلقت مدينة دمشق أثناء الجنازة(1).
(1) الحكيم (حسن)، عبد الرحمن الشهبندر – حياته وجهاده، الدار المتحدة للنشر، الطبعة الأولى عام 1985م، صـ 250- 258.
صحيفة الجزيرة- عمان، العدد 990 الصادر في 17 تموز 1940م.