شهادات ومذكرات
من مذكرات أكرم الحوراني – قضية لبنان في مجلس النواب السوري
من مذكرات أكرم الحوراني (13 /116)
من مذكرات أكرم الحوراني – قضية لبنان في مجلس النواب السوري:
في تلك الأجواء الثورية التي عمت البلاد، عقد المجلس النيابي السوري في 15 تشرين الثاني 1943 جلسة كان إقبال الزائرين عليها عظيماً، كما كانت المظاهرات الشعبية تحيط بالبرلمان المحروس بقوى الأمن.
وقد هيأ انعقاد الجلسة صيغة سؤال وقعه ثمانية عشر نائباً جاء فيه:
“لا ريب أن حكومتنا قد وقعت على تفاصيل الحوادث الأليمة التي جرت في لبنان منذ التاسع من الشهر الحالي على أثر تعديل بعض مواد الدستور اللبناني وتعطيل الدستور وحل مجلس النواب وخلع الحكومة الشرعية واعتقال رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وثلاثة وزراء وأحد النواب البارزين وتنصيب رئيس دولة رئيس حكومة وما تبع ذلك من أعمال العنف والشدة. ولما كانت سوريا مرتبطة مع لبنان الشقيق بروابط الجنس والجوار والمصلحة المشتركة والمشاعر القومية، نود أن نسأل حكومتنا عن الموقف الحازم الذي اتخذته أو ستتخذه حيال هذه الكارثة، كما نطلب منها أن نطلع المجلس النيابي على إجراءاتها السابقة والخطة التي تنوي انتهاجها تجاه هذه القضية الخطيرة”.
قبيل انعقاد الجلسة كانت علائم الاضطراب بادية على رئيس الوزراء – وهو أسد الشمال- وقد رجا النواب أن تكون كلماتهم موزونة، وخصني برجائه معللاً ذلك بحراجة الموقف وما يترتب على أقوال النواب من نتائح، فقلت له إن كلمتي مكتوبة ولكن لا يمكن أن تكون أمام هذه العدوان على لبنان إلا عنيفة قاسية، وإنني مقتنع كل القناعة أنه من الضروري أن يكون لسوريا موقف حاسم تجاه هذه الحوادث الخطيرة بل أعتقد أنه كان على رأسها رجل وطني شجاع يقف وراءه الشعب إلا أن تؤازر لبنان بكل قوة ممكنة.
لم يطل النقاش، وانعقدت الجلسة، وكان عدد طالبي الكلام من النواب كبيراً جداً، وكان من الوقاحة أن ترتفع في ذلك الجو الملتهب أصوات بعض أعوان الانتداب مشككة – بشكل غير مباشر- بموقف حكومة لبنان. ولا شك أن مسؤولية ذلك تقع على عاتق القوتلي الذي ميع المعركة الانتخابية وأهدافها منذ البداية.
كانت كلمتي رداً على بيان على بيان المسيو هيللو والمبررات التي طرحها، كما كانت وخزاً أليماً لموقف حكومتنا المائع المنافق، وقد قلت فيها:
“خير لأمتنا أن تكون صريحة صادقة من أن تكون لبقة منافقة. وما خطبت أمتنا الفرنسيين منذ دخولهم إلى هذه البلاد إلا بلغة الشجاعة والصدق والصراحة التي هي من طباعنا في مختلف الظروف. فلنتكلم إذن بهذه اللغة. فنحن بصفتنا نواب الأمة نشعر بشعورها العميق ونتألم لآلامها نعتبر كارثة لبنان الشقيق ومحنته محنتنا.
وإن ما أريق من الدماء في لبنان هي دماؤنا. هذا هو شعورنا وشعور أمتنا في كل مكان ومكان وبقلب كل إنسان. بل هذا هو شعور العرب أجمعين. إن شعبنا قد أظهر عواطفه. ولكنها عواطف المكبوت، وأظهر آلامه، وعظيم من آلامنا ما ظل منها حبيساً. فليس من اللبناقة ولا الكياسة كتمان هذا الشعور.
ما اعتدى أحد على حدود لبنان، وما استحدثت وطنية جديدة في لبنان ولا يحد الجيل اللبناني إلا الداخل. وقد تكررت هذه النغمة على لسان المستعمرين، فأنا أعلن لأخواننا اللبنانيين أن يضموا إليهم ما اختاروا من الداخل. فأي أرض أرادوا ضمها هي أرضهم وبلادهم، وأي سكان في هذه البلاد هم أهلهم وأخوانهم. فلا نعد نحن الواهبين ولا هم الموهوبون. ما كان لبنان في يوم من الأيام أجنبياً. بل كان دوماً بلداً مجاهداً، بل هوالبؤرة التي تشع منها أنوار النهضة واليقظة والوعي في الشرق العربي منذ أجيال. فلا قوميات جديدة في لبنان ولا وطنيات مستحدثة. إن وطننا وطنهم وآلامنا آلامهم وقضيتنا قضيتهم ولغتنا لغتهم ودماؤنا دماؤهم ومصلحتنا مصلحتهم”.
كما قلت في هذه الكلمة نافياً وجود الانتداب من الناحية القانونية:
“إن الانتداب من أسوأ النظام الجائرة التي خلفتها الحرب العالمية الماضية. فصح عزم الأمم المتحدة على أن تقضي على مخلفات الحرب الماضية السياسية الخاطئة الجائرة بإعلان ميثاق الأطلنطي. فهل يحق لأي دولة من الدول الجائرة بإعلان ميثاق الأطلنطي. فهل يحق لأي دولة من الدول المتحدة أن تعد الانتداب موجوداً ولو من الناحية الفنية؟ نعم إن عصبة الأمم قد فرضت علينا الانتداب الظالم فرضاً فيما مضى أما نحن فلم نكتف بإعلاننا عدم الاعتراف به بل محونا صكه بجهادنا ودمائنا. هل يجتمع الاستقلال والانتداب على صعيد واحد؟
إن عصبة الأمم قد زالت ولم يبق لها وجود. وربما تشكلت هيئة دولية أخرى أثر الحرب الحالية. ولكن هذه الهيئة، على فرض تشكيلها، ستكون من الأمم المتحالفة التي تعهدت باستقلالنا وسيادتنا”.
وخلصت، بعد الاستطراد، إلى النتيجة التالية:
“أرجو أن نسمع من الحكومة قولها الصريح الجرئ في هذا الموضوع.
ثارت ثائرة سعد الله الجابري، ولم يملك نفسه من مقاطعة النواب مراراً عند المقطع الحساسة من خطاباتهم.. ثم أتى رد الحكومة على ثورة الشعب والنواب رداً ضعيفاً على لسان وزير الخارجية جميل مردم إذ قال: “إن إعتقال الرؤساء والوزراء والنواب اللبنانيين هو أمر يأباه الشعور الإنساني وتأباه المجاملة وغيرها من القواعد التي يعتمد عليها في تقرير العلائق الدولية .. الخ”.
وأوعزت الحكومة إلى النائب فخري البارودي أن يتقدم باقتراح ينهي به الجلسة هذا نصه: “إن المجلس النيابي، بعد ما سمع خطب نوابه الذين أعربوا عن شعور الأمة تجاه الأحداث التي أصيب بها لبنان الشقيق، وبعد ما سمع بيانات حضرة وزير الخارجية، يعلن مشاركته للشعب اللبناني بآلامه وآماله، متمنياً أن تعود حياته النيابية وحكومته الشرعية، وهو يحتج على كل الإجراءات التي اتخذت لتهديم دعائم الدستور وامتهان استقلال لبنان وسيادته”. وقد ضمنت الحكومة الموافقة على هذا الاقتراح بمالها من أكثرية مجلسية.
ولا شك أن تصرفات الحكومة كانت تضعف الثقة بها شيئاً فشياً حتى في نفوس الموالين لها لأن أسد الشمال – لقب الجابري – لم يعد أسداً.
انظر :
من مذكرات أكرم الحوراني – فرنسا تلغي حقوق لبنان الاستقلالية (115)
من مذكرات أكرم الحوراني – دمشق تحتفي بتحرريي لبنان (114)
من مذكرات أكرم الحوراني – موازنة الدولة (113)
من مذكرات أكرم الحوراني – قضية فلسطين محور الوحدة العربية (112)
من مذكرات أكرم الحوراني (111) – على ضفاف بردى
من مذكرات أكرم الحوراني(110) – كيف بدأ تشكل المعارضة ضد عهد القوتلي؟
من مذكرات أكرم الحوراني (109) – عملاء المخابرات البريطانية المحليون
من مذكرات أكرم الحوراني (108) – المعركة التي لم تخضها سوريا يخوضها لبنان
من مذكرات أكرم الحوراني (107) – العائلة القوتلية
من مذكرات أكرم الحوراني (106) – احتفال تجار دمشق بانتخاب القوتلي رئيساً
من مذكرات أكرم الحوراني (105) – أداء رئيس الجمهورية والنواب يمين الإخلاص
من مذكرات أكرم الحوراني (104) – افتتاح البرلمان وانتخاب القوتلي رئيساً عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (103) – في مجلس النواب.. متاعب .. إلى حدود الإغماء
من مذكرات أكرم الحوراني (102) – كيف كانت بنية المجتمع وشكل الاقتصاد في حماه عام 1943؟
من مذكرات أكرم الحوراني (101) – منعطف حاسم في مسيرة حياتي
من مذكرات أكرم الحوراني (100) – على هامش معركة الانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (99) – شكري القوتلي يوافق ويبارك
من مذكرات أكرم الحوراني (98) – لجنة الإصلاح في حماة 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (97) – موقف الكتلة الوطنية من انتخابات حماة عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (96) – طبول فتنة دامية
من مذكرات أكرم الحوراني (95) – انفجار الشعار الحاسم
من مذكرات أكرم الحوراني (94) – ترشيحي للانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (93) – ترشيح عثمان الحوراني لانتخابات عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (92) – جولة شكري القوتلي الانتخابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (91) – بدء النفوذ البريطاني في سوريا
من مذكرات أكرم الحوراني (90) – القوتلي ينطلق من سياسة التعاقد مع فرنسا
من مذكرات أكرم الحوراني (89) – عودة الحياة الدستورية للبلاد
من مذكرات أكرم الحوراني (88) – انهيار الكتلة الوطنية في عهد الشيخ تاج
انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني: