من مذكرات أكرم الحوراني – دمشق تحتفي بتحرريي لبنان:
بتاريخ 21 تشرين الأول 1943 زار دمشق رياض الصلح رئيس الحكومة اللبنانية وسليم تقلا وزير الخارجية. فاستقبلتهما حكومة سعد الله الجابري استقبالاً رسمياً. وما أن سمع الشعب بالنبأ حتى انطلق في مظاهرات عارمة يستقبل رياض الصلح القائد الجرئ مؤيداً ومباركاً الحركة الوطنية التحررية التي يقودها مع الشيخ بشارة الخوري وبيير الجميل وفاقهما.
ولم يفاجأ رياض، الرجل الذكي، بهذا الاستقبال الشعبي بل أدرك دوافعه ودواعيه، فقال للصحفيين: “إنني جد مسرور بأنني تمكنت مع زميلي سليم تقلا من رد الفضل الذي سبقتنا إليه سوريا حكومة وشعباً. وإننا لأكثر سعادة أن هذه الحفاوة موجهة إلى إستقلال لبنان استقلالاً صحيحاً أكثر مما هي موجهة إلينا شخصياً”.
كانت حفاوة الشعب العفوية بالصلح مهمازاً للقوتلي وحكومته، فقد كانت مواقف حكومة لبنان تنعكس أصداؤها التي تستحقها في سوريا – على جميع المستويات- وتربك بالوقت ذاته سياسة الحكومة السورية، وقد اقتصرت زيارة رياض الصلح على رئيس الجمهورية والحكومة فلم يتيسر لي الاجتماع به.
ولابد لنا هنا أن نتساءل عن السر الذي عكس الآية فجعل من قادة الحركة الوطنية في لبنان أسرع في مجابهة الانتداب منذ قيام العهد الدستوري في البلدين عام 1943 من رجال الكتلة الوطنية في سورية؟
لا شك أن هذا الوضع الغريب يعود لسببين:
أولاً: اختلاف موقف فرنسا من قادة الحركة الوطنية في البلدين في انتخابات عام 1943، إذ أيدت فرنسة قوائم أميل أده الانتخابية واعتمدته داعماً لوجودها في لبنان، بينما وقفت بريطانيا بجانب الشيخ بشارة الخوري ورياض الصلح وبعد الحميد كرامي ورفاقهم.
أما في سورية فقد ساندت فرنسة بالفعل زعامة القوتلي وسعد الله الجابري وأيدت قائمة القوتلي الانتخابية وألفت حوله الجمعية الغراء ورجال الأعمال والتجار في دمشق.
ثانياً: إن قادة الحركة التحررية في لبنان كانوا أكثر وعياً وفهماً للوضع الدولي بعد قيام الحرب العالمية الثانية، وأن نجم فرنسة ونفوذها الاستعماري قد أفل إلى غير رجعة عن المشرق.
أما القوتلي وسعد الله الجابري ورهطهما فلم يكونوا أقل وطنية من قادة الحركة الوطنية في لبنان ولكنهم كانوا أكثر خشية وحذراً من الصدام مع فرنسة التي ظل خوفهم منها مستقراً في روعهم، ولذلك كانوا قانعين بإنهاء الانتداب الفرنسي – من دون صدام- باتفاقيات تعقد بين سورية وفرنسة، وهذا ما يفسر سياستهم التي ساروا عليها منذ بداية العهد الدستوري عام 1943 والتي قضت على ما تبقى لهم من شعبية بالإضافة إلى أخطائهم وتحرافاتهم بعد عقد معاهدة عام 1936 التي نكلت عنها فرنسا، ولكن الشعب السوري الذي كان منذ العهد العثماني مركز الإشعاع الثوري العربي في المنطقة العربية جرف بتياره الذي لا يقاوم رجال الكتلة الوطنية وقام بثورة عام 1945 التي حققت للبلدين سورية ولبنان استلام الجيش وجلاء الجيوش الأجنبية الفرنسية والإنكليزية، فنال البلدان استقلالهما الناجز عام 1946 قبل أن ينال أي بلد آخر في العالم الثالث استقلاله إثر الحرب العالمية الثانية.
انظر :
من مذكرات أكرم الحوراني – موازنة الدولة (113)
من مذكرات أكرم الحوراني – قضية فلسطين محور الوحدة العربية (112)
من مذكرات أكرم الحوراني (111) – على ضفاف بردى
من مذكرات أكرم الحوراني(110) – كيف بدأ تشكل المعارضة ضد عهد القوتلي؟
من مذكرات أكرم الحوراني (109) – عملاء المخابرات البريطانية المحليون
من مذكرات أكرم الحوراني (108) – المعركة التي لم تخضها سوريا يخوضها لبنان
من مذكرات أكرم الحوراني (107) – العائلة القوتلية
من مذكرات أكرم الحوراني (106) – احتفال تجار دمشق بانتخاب القوتلي رئيساً
من مذكرات أكرم الحوراني (105) – أداء رئيس الجمهورية والنواب يمين الإخلاص
من مذكرات أكرم الحوراني (104) – افتتاح البرلمان وانتخاب القوتلي رئيساً عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (103) – في مجلس النواب.. متاعب .. إلى حدود الإغماء
من مذكرات أكرم الحوراني (102) – كيف كانت بنية المجتمع وشكل الاقتصاد في حماه عام 1943؟
من مذكرات أكرم الحوراني (101) – منعطف حاسم في مسيرة حياتي
من مذكرات أكرم الحوراني (100) – على هامش معركة الانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (99) – شكري القوتلي يوافق ويبارك
من مذكرات أكرم الحوراني (98) – لجنة الإصلاح في حماة 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (97) – موقف الكتلة الوطنية من انتخابات حماة عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (96) – طبول فتنة دامية
من مذكرات أكرم الحوراني (95) – انفجار الشعار الحاسم
من مذكرات أكرم الحوراني (94) – ترشيحي للانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (93) – ترشيح عثمان الحوراني لانتخابات عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (92) – جولة شكري القوتلي الانتخابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (91) – بدء النفوذ البريطاني في سوريا
من مذكرات أكرم الحوراني (90) – القوتلي ينطلق من سياسة التعاقد مع فرنسا
من مذكرات أكرم الحوراني (89) – عودة الحياة الدستورية للبلاد
من مذكرات أكرم الحوراني (88) – انهيار الكتلة الوطنية في عهد الشيخ تاج
انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني: