شهادات ومذكرات
من مذكرات أكرم الحوراني – كيف بدأ تشكل المعارضة ضد عهد القوتلي؟
من مذكرات أكرم الحوراني (12 /110)
من مذكرات أكرم الحوراني – كيف بدأ تشكل المعارضة ضد عهد القوتلي؟
انتخابي أميناً لسر المجلس النيابي عام 1941
عدت إلى دمشق أنا زميلي رئيف الملقي قبل أيام من موعد افتتاح المجلس في التاسع عشر من تشرين الأول، وقد بادر الملقي للاتصال بالنواب لانتخابي أميناً لسر المجلس، باعتبارها من حق مدينة حماه حيث كان الدكتور توفيق أميناً لسر المجلس في جميع العهود النيابية السابقة. فوجد اقتراحه ترحيباً في أوساط النواب.
لم أكن مسروراً بهذه المهمة، بالرغم من أنها كانت تعتبر في ذلك الوقت مركزاً مرموقاً، لأني لاحظت في جلسات الدورة السابقة أنها عائق يجول بين النائب وحريته الدائمة في الكلام والمناقشة.. ولكنها كانت عاطفة طيبة من زميلي الملقي فلم أر مجالاً للاعتراض.
كانت جلسة 19 تشرين الأول بداية الدورة العادية الأولى، وهي تقتضي حسب النظام الداخلي انتخاب هيئة جديدة لمكتب المجلس. وقد ترأس الجلسة فارس الخوري باعتباره أكبر الأعضاء سناً، واستدعاني مع محمد سليمان الأحمد (بدوي الجيل) لأمانة السر، باعتبارنا أصغر الأعضاء سناً. وما أن أذاعت الصحف نبأ انتخابي لأمانة سر المجلس حتى بدأت برقيات التهنئة تنهال علي من حماه حيث أعيد إليها حقها.
بدأنا بطريق المعارضة:
أخذت معارضتنا أنا زميلي رئيف الملقي تشتد ضد حكم القوتلي بعد أن تجاوزت القضية في نظرنا قضية انهزام العهد أمام الانتداب وأصبحت قضية انحرافات عميقة ينبغي مقاومتها مهما كلف الثمن. وقد تعدت هذه المعارضة العنيفة ساحة المجلس إلى أوساط الشعب بدءاً من مدينة حماه إلى المدن السورية الأخرى.
كيف بدأ تشكل المعارضة ضد عهد القوتلي؟
في عهد الانتداب الفرنسي كانت المدن الأربع: دمشق وحمص وحماه وحلب تتولى قيادة الحركة الوطنية، إذ تمركزت فيها المقاومة الشعبية الضارية طيلة عهد الانتداب. ولهذا السبب، ولأسباب أخرى، ظل الفرنسيون متشبثين بانفصال دويلات اللاذقية والسويداء والحكم المحلي في لواء الاسكندرون ليحولوا دون امتداد لهيب النضال الوطني إليها.. وفي جو انحلال الكتلة الوطنية وتمزقها جرت انتخابات عام 1943 تحت الشعار الذي أطلقه القوتلي بنبذ الحزبية باعتبارها عصبية ضارة واعتبار الوطن كله حزباً واحداً، لكن خلفيات هذه الدعوة كانت على النقيض من ذلك، فقد انطلق القوتلي من بعث الكتلة الوطنية من جديد، بالاشتراك مع سعد الله الجابري.
أما هاشم الأتاسي فقد كان معارضاً للقوتلي رغم تظاهره بمبايعته وتأييده، وقد ظهرت تلك المعارضة بمواقف ابنه عدنان وابن عمه حلمي الأتاسي في البرلمان وفي مدينة حمص.
وقد تولى رشدي الكيخيا وناظم القدسي قيادة المعارضة في حلب منذ ترشيحهما للنيابة في قائمة مستقلة عن قائمتي الكتلة الوطنية المتعارضتين اللتين كان يرأس أولاهما سعد الله الجابري ويرأس الثانية عبد الحمن الكيالي.
أما في دمشق فقد تمكن القوتلي من جمع أطراف الكتلة الوطنية في قائمته الانتخابية، ولم يصمد أمامه إلا الدكتور سامي كبارة الذي كان يصدر جريدة النضال والذي كان معارضاً للكتلة الوطنية من قبل ولذلك تألب عليه العهد عندما رشح نفسه للكرسي النيابي الذي شغر بعد انتخاب القوتلي رئيساً للجمهورية. فأخفق الدكتور سامي كبارة في المرعكة ونجح فخري البارودي عوضاً عنه.
لقد ابتدأت القوى السياسية بعد انتخابات 1943 نشاطها بصورة عامة على النحو التالي:
أولاً – تيار العهد الذي يضم، مجلسيا وشعبياً رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيس الوزراء سعد الله الجابري وحولهما جميع أعضاء الكتلة السابقين في المدن والأقضية، يضاف إليهم الصناعيون والتجار الذين أثروا في ظروف الحرب، وشيوخ العشائر، والطبقة الإقطاعية التي كانت منشقة عن الكتلة الوطنية في عهد الانتداب وبذلك فقد تكونت الأكثرية المجلسية الساحقة في جانب حكم القوتلي.
ثانياً – المعارضة، وقد تجلب بنائبي حماه اللذين فازا بمعركة طاحنة ضد الإقطاعية كما تتجلى بنائبي حلب المستقلين رشدي الكيخيا وناظم القدسي، بالتفاهم مع نائبي حمص عدنان الأتاسي وحلمي الأتاسي.
ولم تكن ثمة أحزاب في تلك الفترة، وإنما كانت ثمة تكتلات وأحزاب صغيرة هنا وهناك كحزب الشباب، أما حزب البعث فلم يكن قد تشكل بعد.
وقد تكونت المعارضة المجلسية من تكتلات بلغ عدد أعضائها أحياناً عشرة أو خمسة عشر نائباً، وكان هذا العدد يتقلص حسب ضغط الظروف والسلطة إلى حد يقتصر أحياناً على بضعة نواب، على أن بعض تلك التكتلات تحولت فيما بعد إلى أحزاب، شأن حزب الشعب الذي كانت نواته كتلة المعارضة التي ضمت رشدي الكيخيا وناظم القدسي وعدنان الأتاسي، وهاني السباعي وغيره فيما بعد.
انظر :
من مذكرات أكرم الحوراني (109) – عملاء المخابرات البريطانية المحليون
من مذكرات أكرم الحوراني (108) – المعركة التي لم تخضها سوريا يخوضها لبنان
من مذكرات أكرم الحوراني (107) – العائلة القوتلية
من مذكرات أكرم الحوراني (106) – احتفال تجار دمشق بانتخاب القوتلي رئيساً
من مذكرات أكرم الحوراني (105) – أداء رئيس الجمهورية والنواب يمين الإخلاص
من مذكرات أكرم الحوراني (104) – افتتاح البرلمان وانتخاب القوتلي رئيساً عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (103) – في مجلس النواب.. متاعب .. إلى حدود الإغماء
من مذكرات أكرم الحوراني (102) – كيف كانت بنية المجتمع وشكل الاقتصاد في حماه عام 1943؟
من مذكرات أكرم الحوراني (101) – منعطف حاسم في مسيرة حياتي
من مذكرات أكرم الحوراني (100) – على هامش معركة الانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (99) – شكري القوتلي يوافق ويبارك
من مذكرات أكرم الحوراني (98) – لجنة الإصلاح في حماة 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (97) – موقف الكتلة الوطنية من انتخابات حماة عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (96) – طبول فتنة دامية
من مذكرات أكرم الحوراني (95) – انفجار الشعار الحاسم
من مذكرات أكرم الحوراني (94) – ترشيحي للانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (93) – ترشيح عثمان الحوراني لانتخابات عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (92) – جولة شكري القوتلي الانتخابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (91) – بدء النفوذ البريطاني في سوريا
من مذكرات أكرم الحوراني (90) – القوتلي ينطلق من سياسة التعاقد مع فرنسا
من مذكرات أكرم الحوراني (89) – عودة الحياة الدستورية للبلاد
من مذكرات أكرم الحوراني (88) – انهيار الكتلة الوطنية في عهد الشيخ تاج
انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني: