مقالات
بدر الدين تلجبيني: دخول القوات الفرنسية إلى أعزاز عام 1920
مرويات من التراث الشعبي - ريف حلب- أعزاز
بدر الدين تلجبيني – التاريخ السوري المعاصر
في أحد الأيام من عشرينات القرن الماضي ، استيقظ أهالي مدينة اعزاز صباحاً على جلبة واصواتُ هديرِ آليات شق سكون المدينة ، وشاهدوا جندياً يصعد بفرسه إلى أعلى القلعة ويرفع فوق قمتها علماً كبيراً ، وسرت الأنباءٌ بأن الفرنسيين قد دخلوا المدينة .
استنفر الرجال وصعد النساء والأطفال إلى أسطحة المنازل خوفاً من المداهمات ، لكن المحتلين كان هدفهم الأساسي إحكام السيطرة على المدينة أولاً . فأقام المستشار الفرنسي قائد الحملة في البناء المقابل للبريد والذي أصبح فيما بعد منزلاً لمدير منطقة اعزاز . أما الجنود فقد اختاروا لإقامتهم داراً سكنية تقع جنوبي المركز الثقافي مقابل دار حج ابراهيم داديخي سميت ( البيرو ) . شعرالفرنسيون بالحاجة إلى عناصر إضافية تساعدهم في ضبط أمن المدينة ، فقاموا بتشكيل ميليشيا من أهل المدينة أسموها ( الملّيس ) اختاروا عناصرها من قساة القلوب فاشترطوا على طالب الانتساب الى هذه الميليشيا ان يبصق في وجه أعز الناس لديه ، فكان عنصر ميليشيا المليس ( ألعن وأدقّ رقبة) من عنصر الجيش الفرنسي المحتل .
اتخذ عناصر الملّيس مقرا لهم في مبنى الزراعة القديم شرقي مدرسة ابن زيدون ، فكانوا يقومون بإعتقال المعارضين من أبناء المدينة وإيداعهم في المبنى مقابل البريد ( عيادة الدكتور عادل المصري ) سابقا اتخذوه سجنا يمارسون فيه شتى صنوف التنكيل بالاهالي ، فكانوا كما تقول التسمية الشعبية ( مشلح زفر ) للمحتل الفرنسي استعملهم لتنفيذ مآربه ولكي يظهر بالوجه الأبيض أمام سكان المدينة .
كان عناصر الملّيس يتحرشون بالغادين والرائحين ، فيفرضون أتاوات عن كل حمل من الخضار وكل سلة عنب او سلة تين تمرّ من امامهم ، وكانوا يحتجزون الشباب من المارة ويجبرونهم على العمل لديهم في ( السخره ) فيستخدموهم في تقشير الخضار ونفش الصوف وأعمال اخرى . ويروي ( الحاج فاضل كنو ) تولد 1890 وهو جد النائب (الحاج فاضل كنو ) أنه في مرة من المرات كان ذاهبا الى الجبل حاملاً طعام العشاء لأهله الذين كانوا يقيمون هناك ويعملون في رعي الماعز ، فاستوقفه أحد عناصر الملّيس وأجبره على العمل في نفش صوف فراش المستشار الفرنسي ، ولم يطلق سراحه إلى بعد غياب الشمس ، فتأخر عن أهله . وهذا غيض من فيض من سلوكيات هذه الفئة .
وحين تمكن الفرنسيون من احكام السيطرة على المدينة أصدروا أمرا بوقف التعامل بالذهب والفضة في البيع والشراء فأصدروا عملة ورقية فرنسية ألزموا السكان بالتعامل بها مدعين بأن لهذه العملة غطاء من الذهب في البنوك ، فاشتروا الذهب والفضة من السكان بتلك العملة الورقية ، كما وقاموا بفرض العمل بالكيلو غرام في الوزن بدلا من الرطل ، فلم يتقبل الناس هذا الكيلو ، واعتبروه رمزاً من رموز الاحتلال .
كانوا ينهبون محاصيل القمح في المدينة ، فيحرسون البيادر ويمنعون الأهالي من استلام محاصيلهم وفي النهاية يصادرون القمح الى ( الميرة ) ويتركون النزر اليسير لصاحب المحصول ، فأصاب الناس جراء ذلك فقر مدقع ، ومجاعةٌ أجبرتهم على أكل خبز الشعير والذرة ، وأفرزت هذه التصرفات تذمراً وغلياناً شعبيا في أوساط الأهالي ،الذين قاموا بمظاهرات واحتجاجات على ممارسات الفرنساوي والملّيس ، وفي أحد الأيام فاض بهم الكيل فتجمهروا أمام مبنى السراي الحكومية يهتفون : ( فليسقط ديغول.!!! ) وكان ديغول حينها رئيساً لفرنسا ، فاغتاظ الفرنسيون والمليس وقاموا بإطلاق الرصاص من أعلى القلعة على المتظاهرين استشهد على اثرها عدد من الشبان منهم : ( الهمهوم ) ابن الشيخ قاسم عجمي شقيق الشيخ بدري ) – (عبدو محمد الحلو شقيق حج سعدو الحلو ) و ( شاب من بيت الجليلاتي من حلب ) و( ابن الحاج ديبو عبيد ( القصاب ) و (شقيق ( برهو الجليله ) من عائلة الحلاق بأعزاز .
وهنا هاج الأهالي ، فقام كل من يمتلك سلاحاً باعتلاء مكان مرتفع والرد على مصادر النيران من القلعة ، فاعتلى ( الحاج عمر حموش ) مئذنة جامع الجندي ، والحاج هادي بكار كان يطلق النارمن داره الكائنة في الحي الشمالي المطلة على القلعة والحاج محمد ويسي ( الحاج هورو ) أيضاً من مئذنة الجامع الكبير . وكان يزود الثوار بالذخيرة ( الحاج حسن مراشي ) الحلاق والذي كان يمتلك رخصة حيازة وبيع أسلحة وذخيرة ، فكان يصنع الذخيرة في منزله ويزوّد بها الثوار ، وقد قام الفرنسيون باعتقاله وسجنه وتعذيبه مرات عديدة .
واستمر اطلاق النار حتى الليل حيث قام الفرنسيون والمليس بتكثيف اطلاق النار العشوائي من القلعة على منازل الأهالي ، مما اضطرهم الى النزوح من دورهم واللجوء الى الحقول المجاورة للمدينة والإختباء تحت اشجار الزيتون .
بعدها بأيام حضرت الى مدينة اعزاز مفرزة من الجنود الانجليز ومعهم دبابة وناقلة جند ، فقاموا بإنزال العلم الفرنسي من أعلى القلعة ، وأجبروا الجنود الفرنسيين على المغادرة باتجاه مدينة حلب . وفي السابع عشر من نيسان عام 1946 خرج آخر جندي فرنسي من سوريا وانطوت بذلك حقبة مدلهمة من تاريخ الاحتلال ، وبدأ الناس في مدينة اعزاز بممارسة حريتهم وتشكيل الأحزاب السياسية .
وسامح بعضهم البعض وكانوا كرماء … وعاملوا عناصر الملّيس معاملة الطلقاء !!
انظر:
بدر الدين تلجبيني: دخول القوات الفرنسية إلى أعزاز عام 1920
بدر الدين تلجبيني: أيام شهر رمضان في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: نجارة المحاريث القديمة في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: السرايا الحكومية في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: جولة في ليل أعزاز
بدر الدين تلجبيني: الزودة في قديم أعزاز
بدر الدين تلجبيني: المولد النبوي الشريف في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: مقاهي أعزاز
بدر الدين تلجبيني: عيد الأضحى في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: المصارعة الزيتية في أعزاز
بدر الدين تلجبيني: خان بيع الحبوب في أعزاز