وثائق سوريا
رسالة حافظ الأسد بمناسبة اليوبيل الذهبي لثانوية جول جمال في اللاذقية عام 1974
رسالة الرئيس حافظ الأسد بمناسبة اليوبيل الذهبي لثانوية التجهيز – جول جمال في اللاذقية في العاشر من تموز عام 1974
اليوبيل الذهبي لثانوية جول جمال باللاذقية
1924 – 1974
السيد مدير ثانوية جول جمال – اللاذقية
السادة الأساتذة:
أيها الأبناء الطلاب:
إنني إذ أوجه إليكم هذه الرسالة بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيس مركز من مراكز النور والوطنية في بلادنا، أشعر وأنا أكتب هذه الكلمات أن العواطف التي يحسها الإنسان والحقائق البارزة على مسرح الحياة. تكان تشكل كلاً واحداً لا يتجزأ. ذلك أن هذه المرحلة من مراحل التاريخ بما تضمنته من القسوة والعنف أججت مشاعرنا واحساساتنا إلى الحد الذي جعل منها قوة ثابتة تشكل الخلفية المتينة والدافعة لنضالنا من أجل المستقبل. وبما يؤكد تلازماً حقيقياً بين ما نحن عليه وما نعانيه من جهة، وبين ما نعمل ونناضل من أجله من جهة أخرى.
تتوارد إلى ذهني هذه الأفكار وأنا أستعرض مسيرة الماضي. منذ كنت طالباً على مقاعد الدرس في قاعات هذه المدرسة.
تتوارد إلى ذهني هذه الأفكار وأنا أستعرض بعض مناقشاتي مع رفاقي الطلاب ومع أساتذتي في مواقع مختلفة من ساحة هذه المدرسة وقاعاتها.
تراودني هذه الأفكار وأنا أستعرض نضالنا كطلاب وبعض نضال شعبنا العظيم ضد المستعمر. وأنا أتذكر ما لاقي شعبنا على يد هذا المستعمر.
تراودني هذه الأفكار وأنا أستعرض كل مظاهر القسر والظلم التي عانيناها وعاناها شعبنا ووقفنا منها موقف الرفض والتحدث. ولم نكن نملك في نضالنا هذا إلا حبنا لهذا الوطن. وحبنا لحرية هذا الشعب وكرامته.
وتتدافع في خاطري هذه الأفكار وأنا أستعرض كيف كنا ننطلق من هذه المدرسة لنتحدى المستعمر. ثم لنكافح فيما بعد لمحو كل أثر من آثاره. ولكي نملك كل مقومات السيادة والحرية في بلادنا.
وكيف كان شعبنا في هذه المدينة العظيمة. مدينة اللاذقية. يلتف حولنا ليحيطنا. نحن أبناءه طلاباً وأساتذة بسياج من الصلابة والقوة.
تتدافع في خاطري هذه الأفكار وأفكار كثيرة وأنا أستعرض بعض ما عرفناه على يد مدرسينا من النضال العنيد الذي مارسه شعبنا فترة طويلة من تاريخه.
تتوارد إلى ذهني هذه الأفكار وأفكار أخرى وأنا أتصور العلاقة بين ذلك الزمن البعيد الذي عاشه آباؤنا وعشنا بعضه نحن. وبين هذا الزمن القريب الحاضر الذي نعيشه الآن.
وهكذا تمر الذكريات لزمن كانت فيه هذه المدرسة جزءاً أساسياً من حياتي. وتنبسط أمامي حقبة كاملة من تاريخ هذا القطر. حقبة غنية بأحداثها. حافلة بمآثر شعبنا العريق خلالها. من هذه الأحداث ما كان يأخذ مجراه حينما فتحنا أبصارنا على الحياة. ومنها ما عايشناه أو عشناه. ومنها ما شاركنا في صنعه.
ونصف القرب الذي انقضى على تأسيس هذه المدرسة يمثل جزءاً كبيراً وهاماً من تاريخ سورية الحديث.
فما أن وضعت الحرب العالمية أوزارها حتى كان وطننا ضحية غدر الاستعمار الأوربي الذي وعد فحنث. وخان العهود. وقادته أطماعه في الوطن العربي إلى تجزئة وفرض سيطرته عليه. وراح يسعى لتمزيق كل جزء على حدة وتقطيع أوصاله.
ثم كان في هذا القطر صراع شعبنا مع المستعمر وكانت الثورات المتلاحقة التي شملت كل بقعة من أرض الوطن.
ونشبت الحرب العالية الثانية بينما يخوض هذا الصراع. وتحولت أرض الوطن مرة أخرى إلى ساحة صراع للدول الأجنبية المتحاربة.
في أجواء هذه الأحداث تفتحت أذهاننا على ما يعاني الوطن. وتنبهت عقولنا إلى ما يحاك لشعبنا وما يدبّر له في عواصم الدول الأجنبية. ورغم حداثة السن فقد تحركنا ونحن طلاب. تحركنا بوحي الضمير الحي الذي ورثناه عن الأهل والسلف الصالح. وبدافع حب الوطن الذي شربناه مع لبن الأمهات.
وكما أسلفت فقد كانت المدرسة أكثر من مقاعد للدراسة ومعهد تنهل فيه العلم – كانت إلى جانب ذلك صرحاً من صروح النضال الوطني. وكنا نكافح لنجعل من كل المدارس دوراً ينطلق منها الناشئة على درب العمل الوطني الصادق.
ويفرحني جداً أن هذه الثانوية. وقد حملت الآن اسم الشهيد جول جمال. الذي جسد باستشهاده فكرة الوحدة العربي، تكمل رسالة تجهيز البنين كما كانت تسمى في أيام دراستنا.
فلتتكافل جهودهكم. أيها الأخوة والأبناء، لكي تبقى هذه المدرسة رمزاً لكل النواحي الخيرة في حياتنا، ولتكن جهود الجميع، إدارة وطلاباً، موجهة نحو تحقيق كل خطوة يمكن أن تضيف لبنة إلى بناء هذا المعهد التربوي، ليستمر على الدوام مدرسة للعلم والوطنية والحرية.
وأخيراً، تحيتي القلبية إلى المدرسين الأوائل الذين بدلوا الجهد والعرق. في الكفاح ضد المستعمر، ومن أجل تنمية الروح القومية والوطنية.
وتحيتي للمدرسين الحاليين الذين يتابعون الطريق نحو المزيد من التقدم لتأكيد النجاح في المواجهة التاريخية الحاسمة التي تخوضها أمتنا الآن.
وأجدني مدفوعاً للقول إن النجاح في بناء الإنسان، هذه العملية الكبيرة، هو أساس النجاح في مجابهة كل تحدّ يواجه الوطن والأمة.
تحيتي إلى ذلك الجيل من الطلاب، حيث سرنا معاً شوطاً من النضال.
تحيتي إلى من كان قبنا ومن جاء بعدنا من الطلاب.
تحيتي إلى طلابنا الحاليين، عدتنا وأملنا في المستقبل العظيم، مستقبل النصر والازدهار.
والسلام عليكم
دمشق في 10 تموز عام 1974
حافظ الأسد
انظر:
كلمات ومقابلات رسائل حافظ الأسد
انظر ايضاً:
وثائق وبيانات سورية 1900 – 2000