شهادات ومذكرات
من مذكرات أمين أبو عساف (19):الانسحاب من تل الفرس
حرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
من مذكرات أمين أبو عساف (19): الانسحاب من تل الفرس
في الساعة الثامنة عشرة تلقينا لاسلكياً من القيادة البرقية التالية:
(الشيخ مسكين محتلة منذ الصباح. سقطت القنيطرة واحتلها العدو، انتقلت القيادة إلى سعسع حيث يجري تحصين خط دفاع سعسع – الكسوة، أتلفوا الأسلحة الثقيلة التي لا يمكن حملها، فور تلقي هذه البرقية. التحقوا بسعسع خارج الطرق على مسؤوليتكم).
تركنا مركزنا وانتقلنا إلى الرفيد أمضينا الليل بعيداً عن الطرق مع كل أسلحتنا وبصورة خاصة سرية السنغال مع كامل أسلحتها ولم ندمرُ أي سلاح، كان تموين السرية وأسلحتها الثقيلة على البغال لأنها وحدة جبلية.
في /9/ حزيران تحركنا بمجموعات صغيرة خوفاً من الطيران. الفرسان يشكلون الطليعة والمؤخرة، سرية السنغال في الوسط. كنا نتوقف من أجل إطعام الخيول عندما نجد أرضاً بها كلأ لأننا أرسلنا عربات التموين إلى القنيطرة ولم نتمكن من اللحاق بها نظراً لاحتلالها. وبقينا مع رواحلنا بدون طعام.
مررنا بقرى “كودنا، نبع الصخر، جبل” ووصلنا مساء إلى “مسحرة”. عرفنا أن المسؤول هو الشيخ “محسن” طلبه الآمر وطُلب إليه تأمين ما يلزم لإطعام الجنود لقاء دفع الثمن فأبى وسأل عن العدد لتأمين الطعام. أعطيناه عدد الفرسان لأن السنغال تموينهم معهم. قال: أنتم جميعاً بضيافتي. قدّم لنا الطعام وأمضينا الليل بسلام.
إن تلك المنطقة تسكنها قبيلة “النعيم” وهي نصف حضرية أي تسكن في القرى وتعمل بالزراعة بعد أن استملكوا الأرض التي كانت مخصصة للرعي وبعضهم يسكن بيوت الشعر ويذهب بمواشيه شتاء إلى البادية.
في /10/ حزيران وصلنا قرية “التيخة” وقفنا استراحة من أجل إطعام الرواحل، وجدنا أمامنا بيتاً “مسوبعاً” (أي واجهة البيت مكون من سبعة أعمدة) وهو خاص برؤساء القبائل من البدو. قصدناه، الرئيس “حمد” والمرشح “فيصل” وأنا، ونحن في طريقنا إليه قابلنا صاحبه الشيخ “ممدوح الطحان” شيخ عشيرة النعيم، ومعه بضعة أفراد من عشيرته. سأل الرئيس “حمد” لمن هذا البيت؟ فعرّفنا صاحب البيت عن نفسه، أجابه الرئيس “حمد” أنا “حمد الأطرش” من جبل الدروز عمي سلطان باشا الأطرش وهذا الملازم الأول “أمين أبو عساف” من العائلات المعروفة في الجبل، وهذا المرشح “فيصل أتاسي” ابن أخ هاشم بك الأتاسي رئيس الجمهورية السابق.
أجاب الشيخ ممدوح لم يبقَ للفرنسيين أثر، هزمهم الإنكليز ونظراً لحسن الجوار بيننا وبينكم نعرض عليكم أن تعطونا سلاحكم وخيولكم ونحن نوصلكم إلى السويداء سالمين.
أجابه الرئيس “حمد” منفعلاً ما هذا الكلام؟ نحن لدينا أسلحة وذخيرة يمكننا بها إفناءكم إذا أعتديتم على جندي واحد من جنودنا. فقال الشيخ “ممدوح” نتنازل عن هذا الطلب مقابل تخليكم عن سرية السنغال. فقلنا له نحن وسرية السنغال واحد لا يتجزأ وسنقاتلكم إذا أتيتم بأية حركة. وكان واضحاً أن الشيخ وقد رأى انهيار فرنسا. أراد الإستفادة من الوضع لصالحه وكان الفرق واضحاً جداً بينه وبين الشيخ “محسن” في “مسحرة” وكنا ننتظر منه استضافتنا وبدلاً من ذلك أخذ يساومنا كي نتخلى عن جنودنا وأسلحتنا وكان الطمع قد أعمى بصره. لكننا لم نتنازل له عن أي شيئ.
تركناه وتابعنا طريقنا إلى “در ماكر” شيخ القرية “جاسم الطحان” دعانا أحد أبناء القرية “صالح سلامة” فنزلنا في ضيافته وقدّم لنا الطعام.
ومساءً ذهبتُ مع دورية لاستطلاع طريق الدخول إلى سعسع. أخذت دليلاً هو “ممدوح بن أيوب عقيل” وأخاه “محمود” ووصلنا أمام المخافر الأمامية، وتكلمنا على مدى الصوت مع عناصر المخافر وطلبنا رئيس المخفر فحضر لمقابلتنا. طلبنا منه أن يعلم القيادة عن وصولنا لتحديد مكان وساعة العبور وانتظرنا إلى أن وصل الجواب. حسب الأوامر ونفذنا العبور ليلاً، يتقدمنا دليل الألغام حتى وصلنا إلى سعسع ومنها إلى خان الشيح حيث تعرضنا لقصف طيران. لكن لم تحصل خسائر.
قابل الرئيس “حمد الأطرش” آمر الكوكبة قائد الجبهة الذي أبدى سروره لوصولنا مع سرية “السنغال” بكامل أفرادها وعتادها بعد أن قطع الأمل وكانت أجمل هدية للقيادة.
سجل الكولونيل “مييه” قائد الجبهة أسماء الضباط الذين بقوا مع الرئيس “حمد” وأسماء صف الضباط والأفراد الذين تميزوا بالشجاعة.
علمنا أن بعض الجنود أو مجموعات منهم من قطعات أخرى قد جُردت من سلاحها في تلك المنطقة.
اقرأ:
من مذكرات أمين أبو عساف (1): الثورة العربية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (2): بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (3): أسباب الثورة السورية الكبرى 1925
من مذكرات أمين أبو عساف (4): اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (5): متابعة دراستي وانتسابي إلى الصف الخاص
من مذكرات أمين أبو عساف (6): الدخول إلى الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (7): الدراسة في الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (8): التخرج من الكلية العسكرية وتعييني في الكوكبة الثالثة
من مذكرات أمين أبو عساف (9): نقلي إلى كتيبة شمال سورية الكوكبة /25/
من مذكرات أمين أبو عساف (10): إجراءات السفر إلى “سومير”
من مذكرات أمين أبو عساف (11): مدرسة سومير للفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف(12): زيارة باريس
من مذكرات أمين أبو عساف (13): إعلان فرنسا الحرب على ألمانيا النازية
من مذكرات أمين أبو عساف(14) : نقلي إلى الكوكبة الثالثة مدرباً لطلاب الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (15) : محاضرة عن الدروز في “جبل الدروز”
من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
من مذكرات أمين أبو عساف (17): ذهاب الكتيبة إلى الحدود الفلسطينية
من مذكرات أمين أبو عساف (18): معركة فيق