شهادات ومذكرات
من مذكرات أمين أبو عساف (18): معركة فيق
حرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
من مذكرات أمين أبو عساف (18): معركة فيق
في الثامن والعشرين من حزيران استنفار منذ الساعة الثانية صباحاً، أخذنا أماكن الدفاع.
تقدمت طلائع المهاجمين راجلة واستولت على مخفر المراقبة أمام كفر حارب فاجأته وأسرته دون أن يطلق النار واحتلت كفر حارب. وصلت الطريق العام وقطعته على جنود “عمرة عز الدين” و”الحمة” من رعيل الملازم “مسعد” واستولت بذلك على الطريق العام عند هذه النقطة.
تمكن المرشح “فيصل الأتاسي” مع ما تبقى من حضيرته وكان في كفر حارب، من التسلل والوصول إلى فيق ملتحقاً بالكوكبة.
في الساعة الخامسة وصلت طلائع المهاجمين أمام فيق وقد تمكنتُ من الدفاع عنها مدة ثلاث ساعات أمام عدوٌ متفوق عدة وعدداً.
تقدر قوة العدو في تلك المنطقة بخمسين آلية من ناقلة جنود ومصفحة. ولكن الأراضي غير صالحة لحركات الآليات. انسحبت خلالها مصالح الكوكبة من (تموين ومكاتب وغيرها).
في ذلك الوقت أخذنا أمراً بالانسحاب عن طريق اللاسلكي وتأخير العدو أطول مدة ممكنة حتى الجوخدار حيث الخط الثاني. اقترح آمر الكوكبة أن أتراجع لأحضر مركز قتال في الخلف.
لم أوافق على فكرته، واقترحت عليه أن ينسحب قبلي وأنا أتبعه.
اتخذت ثلاث مواقع دفاع في العمق في كل منها أجبرُ المهاجمين على الوقوف واتخاذ تدابير القتال لإعاقته.
في المركز قبل الأخير اقترحت على الرئيس “حمد” أن يصل إلى الخط الثاني في الجوخدار يستطلع الأوامر.
في الساعة /12/ الثانية عشرة وصلتُ الجوخدار وإذ الموقع الذي كنا نعلق عليه الآمال بدون قائد وبدون ضابط. لقد التحق الضباط وصف الضباط الفرنسيون جميعهم بقوات فرنسا الحرة. والقيادة لا تعلمُ عن وضع هذا المركز الهام شيئاً، وهو مزوج بهاتف وجهاز لاسلكي إلا أن باقي العسكريين السنغال والأسلحة على حالها.
اتصل الرئيس “حمد” بالقيادة كان الكولونيل ” مييه” قائد الدفاع عن الجبهة ومركزه القنيطرة وأخبره عن وضع سرية السنغال، أوعز اليه أن يستلم قيادتها بالإضافة إلى الكوكبة.
ولما وصل المهاجمون أمام هذا المركز بدأوا حركة التفاف واسعة لأنهم يعلمون خطة دفاعنا من الضباط الذين انسحبوا إلى صفوفهم، وأصبح من الضروري أنسحاب سرية السنغال لأن حركتها بطيئة (مشاة – بغال).
أمرت القيادة بالانسحاب إلى تل الفرس. سرية السنغال أولاً وبقي معها الرئيس “حمد” بعد أن طلب دعماً بالطيران.
بقيتُ في الجوخدار أحمي المؤخرة الوقت الكافي لوصولهم وتمركزهم، لحقتُ بهم. في الطريق حلقت ثلاث طائرات فرنسية لدعمنا ولكن بدلاً من تدمير رتل المهاجمين! أفرغت حمولتها علينا! لا أدري إذا كان خطأ أو أن الضباط الطيارين يعطفون على قوات فرنسا الحرة. إذ إن الفرق واضح بين الآليات والخيول!!.
عندما ألقت الطائرات قنابلها غمرتنا زوبعة من الغبار استمرت بضع دقائق ونحن بظلام دامس لا نرى شيئاً. كنتُ الأقرب إلى إحدى القنابل ومن شدة الضغط ارتفع الحصان وانتقل بي إلى الجنوب مسافة أربعة أمتار تقريباً ولم نصب بأذى، الحصان لم يقع ولم أشعر بألم، تلمستُ جسمي أتحسس الدم لم أجد دماً. عندما انقشع الغبار رأينا نتيجة القصف حيث سقط ثلاثة قتلى وأربعة جرحى وقتلت خمسة خيول. أحد القتلى كان خلفي وقد اختفى رأسه مع جزء من الكتف. ضمدنا الجرحى بالضماد الفردي وأرسلناهم مع سيارة التموين إلى المستشفى في القنيطرة مع القتلى.
وصلت تل الفرس، اتصل الرئيس “حمد” مع القيادة وأخبرها نتيجة قصف الطيران.
لعن القائد الطيران وأعطى الأمر التالي:
1- تبقى في مكانك دفاعياً حتى تتلقى أمراً بالانسحاب.
2- أرسل عربات التموين إلى القنيطرة فوراً، ريثما تتلقى الأمر بالانسحاب وتلحق بها.
بعد ذلك انقطع الاتصال مع القيادة !! اللاسلكي لا يجيب على النداء؟ والهاتف مقطوع؟ كنا لا نزال غربي طريق القنيطرة شيخ مسكين في أما كننا المقررة الوحدة الوحيدة التي نفذت الأوامر!. لكن ضغط الهجوم خف بعد تطويق الجوخدار فالقوة الرئيسية اتجهت إلى شيخ مسكين، بقيت وحدات للمشاغلة والضغط.
وضع الكوكبة: لم يبقَ سوى الرعيل الأول بإمرتي، الباقي منه عدا القتلى والجرحى اثنان وعشرون صف ضابط وجندياً. خمسة جنود مع المرشح “فيصل الأتاسي”.
سبعة جنود من رعيل القيادة عمال لاسلكي، جنود اتصال، مراسلون. الرعيل الثاني بقيادة الملازم “بشور” وضعه مجهول منذ بدء المعركة. بقايا الرعيل الثالث بقيادة الملازم “الفريد مسعد” وضعه مجهول ايضاً وكان عليهما الاتصال والالتحاق بقيادة الكوكبة منذ الصباح.
أما باقي رعيل القيادة فقد انسحب تنفيذاً لأمر القيادة إلى القنيطرة ويضم عربات التموين والمطبخ والخدمات بإمرة الملازم “إبراهيم حسيني” وقبل وصولهم كانت القنيطرة قد احتُلت. تركوا العربات على الطريق وتسللوا شرقاً وبقينا بدون تموين طيلة يومين.
إن خطوات القوات المهاجمة كانت مدروسة، من كيفية الاستيلاء على كفر حارب وقطع الطريق الرئيسية (فيق – الحمة).
برهن الرئيس “حمد الأطرش” عن شجاعة وهدوء أعصاب عند إعطاء الأوامر وأثناء المعركة وفي علاقته مع مرؤسيه تستحق الإعجاب والتقدير وكان قد أشترك في معارك الثورة السورية الكبرى.
إنها المعركة الأولى التي أخوضُها في حياتي، تعمّدت بالنار كما يقال.. وكنت طبيعياً رغم الرصاص الذي تساقط حولي، حافظت على هدوئي وتمكنت من دراسة أفراد الرعيل والأشراف عليهم وكيف كان تصرفهم أثناء المعركة وتحت النار.
اقرأ:
من مذكرات أمين أبو عساف (1): الثورة العربية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (2): بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (3): أسباب الثورة السورية الكبرى 1925
من مذكرات أمين أبو عساف (4): اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (5): متابعة دراستي وانتسابي إلى الصف الخاص
من مذكرات أمين أبو عساف (6): الدخول إلى الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (7): الدراسة في الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (8): التخرج من الكلية العسكرية وتعييني في الكوكبة الثالثة
من مذكرات أمين أبو عساف (9): نقلي إلى كتيبة شمال سورية الكوكبة /25/
من مذكرات أمين أبو عساف (10): إجراءات السفر إلى “سومير”
من مذكرات أمين أبو عساف (11): مدرسة سومير للفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف(12): زيارة باريس
من مذكرات أمين أبو عساف (13): إعلان فرنسا الحرب على ألمانيا النازية
من مذكرات أمين أبو عساف(14) : نقلي إلى الكوكبة الثالثة مدرباً لطلاب الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (15) : محاضرة عن الدروز في “جبل الدروز”
من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
من مذكرات أمين أبو عساف (17): ذهاب الكتيبة إلى الحدود الفلسطينية
من مذكرات أمين أبو عساف (18): معركة فيق