ولد خير الدين الأسدي في حي الجلوم بمدينة حلب عام 1900م.
والده الشيخ عمر رسلان “أسد” كان من رجال الدين، ويعمل أستاذاً للصرف واللغة العربية في المدرسة العثمانية المعروفة آنذاك.
تلقى تحصيله العلمي في المدارس الرسمية حتى بلغ “الرشدية”، إلا أن والده الشيخ عمر أخرجه نهائياً من الرشدية، وألحقه بالمدرسة العثمانية.
كان الأسدي من أوائل معلمي اللغة العربية ومدرسيها، وكان يُرغم طلابه على التحدث بالعربية الفصحى. وقد اشتغل حينئذ في عدة مدارس، ومنها “العربية” و”الشرقية” و”الفاروقية”. وفي غضون ذلك تجلت ريادته العلمية حين ألف كتابه الأول “قواعد الكتابة العربية” (حلب 1341هـ)، الذي أراد فيه أن يتوخى “سهولة العبارة من القواعد والتطبيقات وجمع الأحكام بطريقة عصرية”.
وكان منذ بداية حياته ميالاً إلى التجديد والإبداع؛ ففي عام 1922 كان أول من خلع الطربوش في حلب.
كما كان به ميل إلى المسرح والتمثيل، فأنشأ لطلابه مسرحاً. وفي عام 1923 قرر إخراج مسرحية “الاستقلال”، فقد كان لا يعدم وسيلة ينمّي بها في طلابه حب الاستقلال والحرية، ويزرع بذور الثورة على الاستعمار في قلوبهم، وبدأ تدريب طلاب المدرسة الفاروقية على المسرحية، وفي يوم العرض وضع في كيس كمية من البارود الذي يستعمله الأطفال في مسدساتهم، وأخذ يوزعه على الطلاب قبل ظهوره على خشبة المسرح حرصاً على أن يكون جو المعركة أقرب إلى الحقيقة، وفجأة انفجرت في يده قطعة من البارود أدت إلى التهاب الكيس بأكمله، وأصيب في يده كما أصيب بعض الطلاب. لكنه طلب من طلابه إكمال العرض، ثم أغمي عليه. وبعد أيام كان قد فقد كفه اليسرى بعد مداواة فاشلة.
كان الأسدي ينفق بسخاء على شراء الكتب والأبحاث التي يجريها على الرغم من دخله المحدود فأثر هذا، بالإضافة إلى اعتناقه لأراء النباتيين، في ضعف صحته ومرضه في عام 1945؛ فقرر أن يهب مكتبته الضخمة إلى مكتبتة دار الكتب الوطنية بحلب التي كانت آنذاك في طور إعادة التنظيم.
اتخذت الترتيبات لنقل المكتبة إلى دار الكتب الوطنية عام 1946، وبعد مدة شجر خلاف بينه وبين رئيس البلدية الذي كانت تتبع له دار الكتب الوطنية آنذاك، فأقيل من وظيفته وظل يعيش على هبة المكتبة وما يأتيه من تدريس بضع ساعات يُكلف بها. ثم ما لبث أن حُرِمَ من هبة المكتبة (هذا المبلغ الضئيل). وذلك بموجب قرار من المجلس البلدي عام 1963 بذريعة أنه أخذ تعويضات توازي قيمة المكتبة أو تفوقها.
انتخب في عام 1950م أميناً للسر في جمعية العاديات بحلب وبقي بهذا العمل حتى وفاته.
في عام 1956 ترك التدريس في “الكلية العلمانية” (اللاييك) بعد أن اندلعت النار فيها، وحصل على تعويض مادي اشترى فيه أسهماً في شركة الغزل والنسيج لتكون له مورداً ثابتاً يعيش منه.
أسس مكتبة عدها الفيكونت دي طرازي في كتابه المرجعي “خزائن الكتب العربية في الخافقين” من أضخم المكتبات الخاصة في المدينة بقوله: “تعد مكتبة الأسدي العصامي من أكبر الخزائن في سورية ولبنان”، فتوافرت له بذلك ثقافة موسوعية كانت له رصيداً كبيراً استمد منه المادة الرئيسة لوضع معجمه الكبير (موسوعة حلب المقارنة) وغيره من مؤلفاته التي أثرت المكتبة العربية.
وفي عام 1961 تلقى أكبر صدمة مادية في حياته تركته حزيناً لمدة طويلة، فقد أُممت شركة الغزل والنسيج وخسر بذلك ما كان له فيها من أموال دفعة واحدة.
وفي 24 تشرين الثاني من عام 1967، ولمدة أربعة أيام عقد الأسدي ندوة عن لهجة حلب، كانت القاعة كل مساء تمتلئ بالرواد، يسألونه عن كلمات حلبية فيجيبهم عنها من معجمه الكبير (موسوعة حلب المقارنة)، كما كان يذيع مساء كل جمعة من إذاعة حلب حديثاً مماثلاً.
لم يقتصر الأسدي على نشر الكتب التي يطبعها على نفقته الخاصة على الرغم من وضعه المادي الصعب، وإنما كان يرسل المقالات العلمية والتحقيقات اللغوية والتاريخية إلى الصحف والمجلات العربية والسورية، ومنها: “الرسالة”، و”العمران”، و”الضاد”، و”الكلمة”، و”الحديث”، و”الجماهير”.
وفي عام 1970 زار سد الفرات، ولما رأى عظمة المشروع التفت إلى صديقه وتلميذه القاضي نبيه الجبل وقال: “أنا الآن سامحت الحكومة بأموالي التي أخذتها مادامت تصرفها على مثل هذه المشاريع”.
وفي أخريات حياته تجددت الاتصالات بينه وبين بلدية حلب لتشتري منه مكتبته الجديدة وموسوعته التي أشرف على إنجازها، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين.
وفاته:
في عام 1971م. انتقل إلى دار العجزة بحلب، وتوفي هناك صباح 29 كانون الأول ديسمبر عام 1971م(1).
(1) عمرو الملاح: العلامة خير الدين الأسدي..مسيرة حياة
انظر:
رسالة خير الدين الأسدي إلى وزير الثقافة والإرشاد القومي عام 1960
صور خير الدين الأسدي:
صور تاريخية ملونة – العلامة محمد خير الدين الأسدي
خير الدين الأسدي في خمسينيات القرن العشرين
صور عام 1950
خير الدين الأسدي في حفل في مدرسة اللاييك الفرنسية في مدينة حلب
صور عام 1967
خير الدين الأسدي في إعدادية الحكمة محاطاً ببعض الأساتذة و الطلاب