شهادات ومذكرات
من مذكرات أكرم الحوراني – أداء رئيس الجمهورية والنواب يمين الإخلاص
من مذكرات أكرم الحوراني (12 /105)
من مذكرات أكرم الحوراني – السفر إلى دمشق .. افتتاح البرلمان وانتخاب القوتلي رئيساً عام 1943
الشراراة الأولى
لو أنني منذ بداية حياتي البرلمانية عكفت على تدوين مذكراتي اليومية، لما خرجت في النهاية بأفضل من ضبوط محاضر المجلس النيابي، ذلك لأنني، منذ البداية، كنت لا أقول إلا ما أؤمن به واعتقده وما يجول في نفسي.
وكنت أعرض ذلك بثقة وإخلاص وصدق. لذلك فإن كلماتي في مجالس النواب السورية، بمختلف العهود ، هي مذكراتي الحقيقية..
إن كان أصحاب المذكرات اليومية الذين ينزوي الواحد منهم أمام أوراقه يسجل فيها ما يجول في نفسه ولا يتحسب من كل شيئ، لأن أوراقه الخاصة المخبأة لن تحرجه أمام أحد، فإني كنت في كلماتي بالبرلمان أجاهر بكل ما أجد أن المصلحة الوطنية تقتضي بالمجاهرة به.
وصعت هذه المقدمة لأنني سوف أعتمد فيما سيلي من فصول على شواهد من كلماتي في مجلس النواب لعرض وقائع المسيرة النضالية الشاقة والباسلة التي سارها شعبنا منذ عام 1943. فما هي أول كلمة قلتها في مجلس ذلك العام؟
قلت في الجلسة الثانية التي عقدت يوم التاسع عشر من آب عام 1943:
“إن الدستور السوري ينص على وجوب تحليف رئيس الجمهورية والنواب يمين الإخلاص للدستور. وأعتقد أن هذه القضية قد أثيرت سابقاً في مجلس 1932 و 1936. وقرر المجلسان آنذاك عدم القسم لوجود المادة 116 في صلب الدستور. ولذلك فإنني أقتراح أن يؤدي رئيس الجمهورية والنواب يمين الإخلاص على دستور 1928، أي دستور الجمعية التأسيسية، لا على الدستور الذي طرأت عليه بعض التعديلات بقرار من المفوض السامي وذلك بإضافة المادة 116 فتمسكنا بالدستور الأول وخلفنا اليمين على أساسه هو اعتقادي منطلقنا في توجههنا السياسي ونضالنا القومي”.
بهت المجلس وذعر لهذا الطلب الذي يتعارض تماماً مع الاتجاه العام للعهد. وكان الرئيس القوتلي وفارس الخوري وسعد الله الجابري الذي كلف بتشكيل وزارة العهد الجديد يعملون على تحاشي مسألة حلف اليمين على الدستور لأن ذلك يثير من جديد كل الخلافات الحادة التي نشأت بين الحركة الوطنية وبين الانتداب الفرنسي منذ عام 1928، إذ كيف يحلف قادة عهد الاستقلال على دستور فيه المادة 116 التي تربط كل الأمور بمشيئة المفوض السامي الفرنسي؟
لذلك تولى فارس الخوري الرد فوراً فقال: “إن ما تكلم عنه السيد أكرم الحوارني نائب حماه قد بحث فيه سابقاً. وأرى أن طرحه الآن للبحث سابق لأوانه. ولابد من تقرير أمور أخرى لها صلة بهذا الأمر، وجلاء بعض الأمور التي تكتنفه وتحيط بالموقف الحاضر. لذلك أرى أن يوافقني السيد الحوارني على إرجاء هذا البحث إلى وقت آخر”..
فضج المجلس بصوت عال: موافق موافق.
وهكذا تمكن الخوري والنواب من إرجاء البحث في هذا الموضوع. ولكنهم لن يتمكنوا من إغلاق الباب الذي فتحته بإثارة قضية الاستقلال بدءاً من النقطة التي وقفت عندها نضالات المجلس التأسيسي عام 1928م.
تجاهلت الصحف الناطقة باسم القوتلي هذا الموضوع الخطير تجاهلاً تاماً. بينما أبرزته صحف المعارضة – كالنضال- والصحف الحيادية كجريدة ألف باء.
وهكذا افتتح رجال الكتلة الوطنية، بزعامة القوتلي، هذا العهد الجديد بروح انهزامية. بالرغم مما ذكرنا من تغير الظروف الدولية لصالح القضية الوطنية بعد قيام الحرب العالمية ووجود التنافض الدولي بين فرنسا وبريطانيا التي تحتل جيوشها بلادنا.
لم تكن هذه النفسية الانهزامية نفسية الحاكمين فقط بل كانت النفسية المهيمنة على الجهاز السياسي بمجموعة، وهو من أبناء الطبقة ذاتها.. بينما كان من الطبيعي أن تقود سوريا حركة الصراع لنيل الاستقلال نظراً لنضج الحركة الاستقلالية فيها وتمسك المجتمع حول القضية الوطنية، ولاعتبارات عديدة أخرى.
وعلى كل حال فقط أنطلقت مع زميلي الملقي بمعارضة جدية لرجال الكتلة الوطنية، حكومة ومجلساً، وللأكثرية النيابية الملتفة حولهم. وكان الملقي مخلصاً في معارضته.. وقد بدأت هذه المعارضة على مختلف المستويات. فعدا عن طرحنا الجدي لقضية إلغاء الانتداب بتحرير الدستور من المادة 116، فإننا ساعدنا في لجان الطعون أثناء النظر بانتخابات الزوية وقطنا والقلمون وكل المناطق التي كان فيها لعهد القوتلي مرشحون، والتي تولى فيها صبري العسلي – كما قبل آنذاك- بصفته محامياً ومن رجال العهد توكيلاً سياسياً وتوكيلاً مصلحياً أيضاً في قضايا الطعون. وذلك منذ الجلسات الأولى للمجلس النيابي الجديد.
انظر :
من مذكرات أكرم الحوراني (104) – افتتاح البرلمان وانتخاب القوتلي رئيساً عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (103) – في مجلس النواب.. متاعب .. إلى حدود الإغماء
من مذكرات أكرم الحوراني (102) – كيف كانت بنية المجتمع وشكل الاقتصاد في حماه عام 1943؟
من مذكرات أكرم الحوراني (101) – منعطف حاسم في مسيرة حياتي
من مذكرات أكرم الحوراني (100) – على هامش معركة الانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (99) – شكري القوتلي يوافق ويبارك
من مذكرات أكرم الحوراني (98) – لجنة الإصلاح في حماة 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (97) – موقف الكتلة الوطنية من انتخابات حماة عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (96) – طبول فتنة دامية
من مذكرات أكرم الحوراني (95) – انفجار الشعار الحاسم
من مذكرات أكرم الحوراني (94) – ترشيحي للانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (93) – ترشيح عثمان الحوراني لانتخابات عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (92) – جولة شكري القوتلي الانتخابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (91) – بدء النفوذ البريطاني في سوريا
من مذكرات أكرم الحوراني (90) – القوتلي ينطلق من سياسة التعاقد مع فرنسا
من مذكرات أكرم الحوراني (89) – عودة الحياة الدستورية للبلاد
من مذكرات أكرم الحوراني (88) – انهيار الكتلة الوطنية في عهد الشيخ تاج
انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني: