بدر الدين تلجبيني – التاريخ السوري المعاصر
في الخمسينات من القرن الماضي ، وفي أيام الشتاء الباردة الممطرة ، حين تغرب الشمس باكراً ، ويرخي الليل بسدوله ويلف المدينة الظلام، يلجأ كبار السن إلى النوم باكراً ، أما ( السهّيرة ) فيحتارون في أمر قضاء هذه الفترة الثقيلة من الخامسة مساءً حتى العاشرة ليلاً ، فيرسل أرباب الأسر أبناءهم الى الأقارب ليحضروا ويشاركوهم السهر والسمر ، فيسهروا ويتسلوا بسرد الحكايات ، والقصص والخرافات ، فيتحدثون عن أن جارهم فلان كان يعيش في سقف غرفة نومه الخشبي ثعبان ، يظل طوال الليل معهم سهران ، وعندما يخلدون للنوم يظل غاديا رائحا في الليل ويصدر أصواتاً ترعب الصبيان ، وآخر كان يسمع في داره القديمة أصوات قعقعة وكلاماً والدار مهجورة خالية من السكان ، واقتنع أخيرا بأن الدار مسكونة ( دستور بسم الله ) وفق رواية الجيران .
وبقدر ماكانت تلك الأحاديث تروق للكبار ، إلا أنها كانت ترعب الصغار ولا يستسيغها البعض من الشباب ، الذين يتحينون الفرص للهروب من المنزل متعللين بحجج مختلفة ، فمن يدّعي بأن عنده شغل ضروري مع معلمه في المصلحة ، ومن يزعم أن أحد أصدقائه دعاه ليدرس معه ، والمهم في النهاية هو الذهاب الى المقهى وهو الغاية والطلب ومنتهى الأرب .فهناك يجتمع الأصدقاء والخلان ، الذين يفدون الى المقهى ليشربوا من الشاي كأس ومن القهوة فنجان ، ويستمعون إلى الأغاني والألحان، من عبد الوهاب الى ام كلثوم إلى أسمهان ، ويضربوا نفس أركيلة عامر بالتنباك العجمي الفاخر يجعل الرأس ملآن !!.
وينادي أحدهم صبي المقهى : ( هات ناره يا ولد ..!! ) فيضع له جمرة فوق رأس الأركيلة، وعندما يسحب أول نَفَس وينفثه في فضاء المقهى، ترتفع عنده الروح المعنوية، ويشعر بقوة الشخصية، ويكتشف في نفسه رجلاً صاحب مسؤولية وهيبة وإستقلالية، لكنه في النهاية يعرف رأي والده بسلوكه ومدرك لأبعاد القضيّة .
لأننا اذا أخذنا رأي الآباء في مسألة إرتياد ابناءهم المقاهي ،نجد أنهم ينعتون مرتادي المقاهي (بالسرسريه) فلا يميزون بين ذاهب للمقهى للعب القمار ، وبين مستمع من الراديو الى النشرة الاخبارية .
ونستعرض فيما يلي اسماء المقاهي التي كانت موجودة في المدينة في تلك الأيام :
– مقهى قديم ( ) كان يقع في الحي الشمالي مقابل غاز حموش كان مزدهراً أثناء الإحتلال الفرنسي .
– مقهى قديم ايضا ( ) كان يقع مكان المالية مقابل دكان حمدو نوري.
– مقهى (مرعي الدلاّل) ويقع جانب مخزن الحاج فيصل ويسي مكان التوجيه التربوي السابق .
– مقهى ( فرح ) ويقع في أول شارع السجن مقابل خانات هلال ،
– مقهى( فنيش) وكان يقع في الكراج مكان فلافل وليد حنو وقد اصبح بعدها مقهى ( ابو العجم ) ثم تحول فيما بعد الى دكاكين ،
– مقهى (حسن وقاص) ويقع في الكراج ضمن معصرة مكاريان وقد ال من بعده الى ( حميد حنو .
– مقهى ( حسن هدال) في الكراج الذي اصبح من بعده يدعى ( مقهى الهلال ) ثم ازيل المقهى اثناء توسعة الشارع .
– مقهى( ) وكان يقع شرقي الساعاتي مصطفى عيدو تحت فندق خليل سلو .
– مقهى ( الحساني) ويقع خلف مكتبة حسني اسعد تحت القلعة مقابل المدرسة وهو اول من اقتنى جهاز تلفاز ووضع (الانتيل) على القلعة ليشاهد الحضور محطة ( جمهورية مصر العربية) .
– مقهى ( سعدو الحلو) مقابل خان الحاج فيصل وقد اقتنى ايضا جهاز تلفاز اواخر الستينات
– مقهى حسن نعسو على راس الجسر جانب ابو العيس .
– وهناك مقهى جديد كان يقع داخل عبارة بزاره.
انظر:
بدر الدين تلجبيني: الزودة في قديم أعزاز
بدر الدين تلجبيني: المولد النبوي الشريف في أعزاز