شهادات ومذكرات
من مذكرات أكرم الحوراني – افتتاح البرلمان وانتخاب القوتلي رئيساً عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (12 /104)
من مذكرات أكرم الحوراني – السفر إلى دمشق .. افتتاح البرلمان وانتخاب القوتلي رئيساً عام 1943
السفر إلى دمشق
تحدد يوم 17 آب 1943 موعداً لانعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد. فخرجنا إلى المحطة لنسافر إلى دمشق بالقطار ليلاً. وقد خرجت جموع شعبية غفيرة إلى المحطة لتوديعنا. كان منظراً مؤثراً جداً. ومضى القطار بنا وأنا ساهر ولم يغمض لي جفن في تلك الليلة. كنت أفكر بما سنفعله في رحلتنا إلى عالم الكتلة الوطنية المحكمة، والطبقة الإقطاعية التي قفزت إلى مجلس الاستقلال.
وصلنا إلى دمشق في اليوم الثاني صباحاً، فنزلنا في فندق متواضع لأحد الحمويين، وكان على مقربة منا فندق أمية الفخم الذي ينزل فيه أكثر النواب الآخرين.
خطوات خجولة نحو أول جلسة:
في السابع عشر من آب عام 1943 حضرت جلسة افتتاح البرلمان . وهي أول مرة في حياتي أشاهد فيها جلسة نيابية.
توجهت في فندقنا المتواضع إلى دار البرلمان أنا ورئيف الملقي. وكانت تنتابني مشاعر من الخجل والحياء والارتباك. وتلك كانت من حالاتي النفسية التي حدثت القارئ عنها في مناسبات سابقة. بينما كان رئيف جريئاً وائق الخطى، لأنه كان يعرف أكثر الشخصيات التي سنلقاها داخل البرلمان. وعندما وصلنا كان يمسك بيدي ويقدمني للنواب ويعرفهم علي. ثم جلست إلى جانبه في مقاعد متأخرة قليلاً. كانت موجة الخجل والتهيب لا تزال تلفني.
طلب رئيس الحكومة المؤقتة عطا الأيوبي أن يرأس الجلسة أكبر الأعضاء سناً كما يقضي النظام الداخلي. وكان أكبر الأعضاء سناً هو الشيخ محمود الشيخ إبراهيم، وهو رئيس عشيرة طاعن في السن، يقال إنه من أصدقاء لورانس القادمى، فاعتذر الشيخ محمود عن رئاسة الجلسة لعجزه عن إدارتها وترك الأمر لفارس الخوري.
تولى الخوري الرئاسة وطلب عدنان الأتاسي ونجدة النجاري ليكونا أميني السر المؤقتين باعتبارهما أصغر الأعضاء سناً. فدهشت لهذا الأختيار، إذ أن عدنان الأتاسي كان استاذاً لي في كلية الحقوق. كما كانت دهشة النواب كبيرة إذ أنني كنت أبدو في نظرهم صغيراً في السن إلى حد أثار دهشة وتعجب بعضهم.. ولازلت أذكر أن الأستاذ سعيد الغزي أتي إلى مرحبا- دون سابق معرفة- وقال لي: إنه أمر مدهش أن تنتخب نائباً في هذا المجلس وأنت في هذه السن.
كان عدد النواب مائة في مجلس عم 1936، وأصبح عددهم في مجلس 1943 مائة وأربعة وعشرين. وهذه الزيادة ناجمة عن ازدياد عدد السكان في البلاد بمعدل 24% في غضون سبع سنوات.
كانت وقائع الجلسة مرتبة سلفاً. فانتخب فارس الأتاسي للرئاسة، وانتخب صبري العسلي ومحمد سليمان الأحمد (بدوي الجبل) أميني للسر، وانتخب نواب الرئيس والمراقبون. وبعد ذلك وجه الرئيس فارس الخوري كلمة شكر لحكومة عطا الأيوبي المؤقتة ثم قال: “إنني أرى في مقاعد المستمعين ممثلي الدول الحليفة والمعظمة يتوسطهم سعادة المسيو هللو سفير فرنسا وسعادة الجنرال سبيرس الوزير المفوض للدولة البريطانية، والمستر ودسورث الممثل لجمهورية أمريكا المعظمة،وممثلي الدول العربية مصر والعراق والحجاز”.. فضجت قاعدة المجلس بالتصفيق، ولكنني وزميلي لم نحرك ساكناً.
ثم شرع بانتخاب رئيس الجمهورية، فنال شكري القوتلي 118 صوتاً. ولم يكن هناك مرشح غيره.
ألقى القوتلي خطاباً مكتوباً يشبه خطاباته المعهودة، مع إشارته إلى ميثاق الأطلنطي “الذي اعترف بحقوق الشعوب”، كما أشار إلى ما أعلنه ممثلو فرنسا الحرة وعلى رأسهم الجنرال ديغول وأكده رجال الدولة البريطانيون” من استقلال بلادنا وسيادتها الكاملة”.
وقال: “إن الشعب السوري المقيم على الوفاء لأصدقائه وعلى عرفان الجميل لن يبرح ذاكراً هذه الأقوال والأعمال التي سيبقى أثرها في نفوس أبنائه وفي مستقبل خططهم وموداتهم”.
في المساء أعد القوتلي عشاء في فندق الأوريان بالاس على شرف النواب، وكانت قاعات الفندق عاصة بالمدعويين من النواب الذين تعرفنا أنا زميلي الملقي على عدد كبير منهم.
انظر :
من مذكرات أكرم الحوراني (103) – في مجلس النواب.. متاعب .. إلى حدود الإغماء
من مذكرات أكرم الحوراني (102) – كيف كانت بنية المجتمع وشكل الاقتصاد في حماه عام 1943؟
من مذكرات أكرم الحوراني (101) – منعطف حاسم في مسيرة حياتي
من مذكرات أكرم الحوراني (100) – على هامش معركة الانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (99) – شكري القوتلي يوافق ويبارك
من مذكرات أكرم الحوراني (98) – لجنة الإصلاح في حماة 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (97) – موقف الكتلة الوطنية من انتخابات حماة عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (96) – طبول فتنة دامية
من مذكرات أكرم الحوراني (95) – انفجار الشعار الحاسم
من مذكرات أكرم الحوراني (94) – ترشيحي للانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (93) – ترشيح عثمان الحوراني لانتخابات عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (92) – جولة شكري القوتلي الانتخابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (91) – بدء النفوذ البريطاني في سوريا
من مذكرات أكرم الحوراني (90) – القوتلي ينطلق من سياسة التعاقد مع فرنسا
من مذكرات أكرم الحوراني (89) – عودة الحياة الدستورية للبلاد
من مذكرات أكرم الحوراني (88) – انهيار الكتلة الوطنية في عهد الشيخ تاج
انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني: