شهادات ومذكرات
من مذكرات أكرم الحوراني – في مجلس النواب.. متاعب .. إلى حدود الإغماء
من مذكرات أكرم الحوراني (12 /103)
من مذكرات أكرم الحوراني – في مجلس النواب.. متاعب .. إلى حدود الإغماء
طيلة فترة المعركة الانتخابية لم أذق طعماً للنوم والراحة إلا عندما أنزويت في البيت ثلاثة أيام إثر تشكيل لجنة الإصلاح..
وبعد أن تم انتخاب النواب عدنا لاستئناف العمل من جديد ليلاً ونهاراً، نستقبل وفود الأحياء ونقوم برد الزيارات، ونلقي المزيد من الخطابات في كلا الحالتين، غير أنها اختلفت عن ذي قبل بتخفيف حديتها..
وكان رد الزيارات عملاً شاقاً، إذ ننتقل من بيت إلى بيت فيقدم لنا شراب التوت في ذلك الصيف القائظ ونضطر لشربه إكراماً لمضيفينا ولكن للمعدة طاقة على الاستيعاب لا يمكن تجاوزها.
وأذكرأنني أثناء خروجي من أحد المنازل شعرت بدوار وكاد يغمى علي، فأمسك بي رفاقي وأنقذوني من السقوط على الأرض.
وفد تهنئة من حمص:
كانت الحركة الشعبية في حماه تعطف على الحاج سليمان المعصراني وتتمنى فوزه في انتخابات حمص لأنه الوجه الشعبي البارز في قائمة آل الأتاسي.
وقد نكث به هؤلاء فخسر المعركة وعندما جاءت إلى حماه وفود من شباب الحركة الشعبية بحمص لتهنئنا كان على رأس أحد هذه الوفود شاب ألقى كلمة شعرت بأنها تردد أصداء خطاباتنا التي ألقيناها في حفلاتنا الانتخابية.
وقد اعتبر هذا الشاب الحركة الشعبية حركة العمال والكادحين والفقراء ضد الأوضاع الإقطاعية. فأحببت هذا الشاب وانفتح به قلبي. وعرفت أن اسمه عبد الر عيون السود. وسألت عن منشئه فعلمت أنه من أسرة شعبية طيبة وأن أباه شيخ من مشايخ حمص الأتقياء الورعين.
كانت تلك المناسبة بداية معرفتي بعبد البر عيون السود الذي أصبح بعد سنوات من قادة حزب البعث.
وقد لفت تظري فيما بعد ظاهرة تستحق الدرس والاهتمام وهي أن عدداً كبيراً من القادة الحزبيين الذين امتازوا بالوعي ورسوخ العقيدة الحزبية والصلابة والنضالية هم منحدرون من آباء متدينين من أوساط هذا الشعب الطيب.
أن القيم السامية تظل هي نفسها مهما تعددت صور العقائد، فمن القيم الأخلاقية والإنسانية تنبثق العقيدة الراسخة الواعية، ولا شك أن للتربية العائلية والثقافية علاقة وثقى بمثل هذه الشؤون.
حفلة غريبة في بابها:
في السادس من آب 1943 ذهبت ورئيف الملقي إلى حمص لنحضر حفلة أقامها الأتاسيون لتعزية الحاج سليمان المعصراني بسقوطه في الانتخابات. فكانت أغرب حفلة في بابها.
كان المعصراني موضع عطف الحركة الشعبية وتأييدها لأنه الوحيد في قائمة الكتلة الوطنية بحمص من منشأ شعبي. وكان فوزه في الانتخابات منتظراً وأكيداً. ولكن الأتاسيون نكثوا به في آخر لحظة ليحوزوا لأسرتهم على مقعدين نيابيين: الأول لعدنان بن هاشم الأتاسي، في قائمة الكتلة، والثاني لحلمي الأتاسي أحد قادة عصبة العمل القومي المنحلة، فأراد هاشم الأتاسي أن يبرئ نفسه من شبهة النكوث بالحاج سليمان المعصراني فلجأ إلى هذا الأسلوب العجيب. ولاشك عندي أن هاشم الأتاسي كان برئياً، ولكن من يستطيع القول أن موقف أسرته في الانتخابات كان برئياً؟
حضرنا الحفلة واستمعنا إلى كلمات هاشم الأتاسي ومظهر باشا رسلان والخطباء الآخرين في امتداح وطنية المعصراني. ولكن المفاجأة الكبرى كانت عندما تكلم رئيف الملقي كلاماً مختلفاً تماماً وضع فيه إصبعه على الجرح، وكشف الغطاء عن تآمر آل الأتاسي والكتلة الوطنية على المعصراني لأنه من أبناء الشعب ولا ينتسب لأسر الذوات. فأتت كلمته صفعة آليمة على وجوه المحتفلين بسقوط المعصراني، ولكن الشعب صفق لها طويلاً.
لم يسع الحاج سليمان إلا أن يقول في كلمته، بعد أن شكر القوتلي والأتاسي ورسلان والآخرين: “إن شعوري الخاص في هذه الحفلة هو شعور الرجل الذي يكافأ على فشله، فيتقبل العزاء منكمشاً على نفسه خجلاً”.
انظر :
من مذكرات أكرم الحوراني (102) – كيف كانت بنية المجتمع وشكل الاقتصاد في حماه عام 1943؟
من مذكرات أكرم الحوراني (101) – منعطف حاسم في مسيرة حياتي
من مذكرات أكرم الحوراني (100) – على هامش معركة الانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (99) – شكري القوتلي يوافق ويبارك
من مذكرات أكرم الحوراني (98) – لجنة الإصلاح في حماة 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (97) – موقف الكتلة الوطنية من انتخابات حماة عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (96) – طبول فتنة دامية
من مذكرات أكرم الحوراني (95) – انفجار الشعار الحاسم
من مذكرات أكرم الحوراني (94) – ترشيحي للانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (93) – ترشيح عثمان الحوراني لانتخابات عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (92) – جولة شكري القوتلي الانتخابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (91) – بدء النفوذ البريطاني في سوريا
من مذكرات أكرم الحوراني (90) – القوتلي ينطلق من سياسة التعاقد مع فرنسا
من مذكرات أكرم الحوراني (89) – عودة الحياة الدستورية للبلاد
من مذكرات أكرم الحوراني (88) – انهيار الكتلة الوطنية في عهد الشيخ تاج
انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني: