حاجم بن مهيد
ولد حاجم بن فاضل بن صالح بن مهيد في عام 1869م.
نشأ حاجم يتيما بعد وفاة والده وهو صغير وترعرع في بيت عمه وزعيم عشيرته الشيخ تركي بن جدعان.
استلامه مشيخة القبيلة
بعد وفاة عمه تركي مخلفا وراءه طفلين صغيرين هما (مچحم ومحمد) وكانت التقاليد تفرض ان يتولى الكبير منهما الزعامة بعد والده ولكن صغر سنه منعه من القيام بمهام الزعامة والشيخة. لذلك فقد اجتمعت الأسرة بدعوة من ام تركي جدة الطفلين واتفقوا على تنصيب حاجم بن فاضل بن مهيد شيخاً وزعيما لهم يتولى أمور العشيرة ويدير شؤونها ريثما يكبر الطفل مچحم ويبلغ رشده، وكان ذلك عام 1888، وكان حاجم حينها في التاسعة عشر من عمره حين تم هذا التنصيب.
تزوج خمس مرات، الزواج الأول كان من امرأة من الفدعان وهي أم لإبنه البكر نايف، والثانية كانت حربة بنت الشيخ تركي بن جدعان بن مهيد وانجبت له دحام، والزواج الثالث كان من أخت حربة بنت الشيخ تركي، والرابع من عفراء بنت الشيخ فارس الجربا، وانجبت له خليل، والخامس كان من جميلة بنت طالوستان بك آنزور (شركسية). أنجب منها ابنه إسماعيل الذي قتل في آذار عام 1938 م في إحدى المعارك مع العشائر.
تنازله عن المشيخة
بعد أن شب ابن عمه مچحم بن مهيد وأصبح مؤهلاً للزعامة تنازل له عنها إلا أن فريقاً من قبيلته ظل تابعا له وانضموا تحت لوائه عندما أصبح رئيسا للحركة الوطنية والدولة الجديدة.
( عمله )
بعد تولي حاجم إمارة العشيرة انضوت تحت لوائة مجموعة من العشائر الأخرى اعجابا بسياسته الحكيمة وقيادته الفذة وهذا ما اهّله لمنصب هام وحساس بعد ذلك وصار تجّار حلب والموصل وبغداد يدفعون له أتاوة لقاء خفر قوافلهم وحمايتها، وشكّل حـاگم متطوّعة بعد سقوط إبراهيم باشا الـملي عام 1908 م وفصائله المسلّحة ولقّب بباشا في عهد الملك فيصل وكان حاگم بن مهيد ذا نزعة عربيّة،
عندما قامت الثورة العربية 1916م أيّدها وابتهج عندما ارتفع العلم العربي فوق دار السرايا في العاشر من كانون الأول عام 1918 م شـارك حاگم بالاحتفال، وقد أنعم عليه الشريف حسين بلقب باشا أيضا
( مقاومة الاحتلال )
ذاع صيته عندما أعلن أهالي قضاء الرقة استقلالهم عن حكومتي دمشق وحلب اللتين استسلمتا وكلفوه أن يتراس لجنتهم الإدارية وقام وقتئذ لتعطيل التجارة بين حلب ودير الزور وللاستيلاء على حلب وبعد استشهاد يوسف العظمة في معركة ميسلون بـ 16 يوم أصدر أهالي منطقة الرقة البيان التالي :
(خاضت الامة العربية غمار الحرب بجانب الحلفاء اعتمادا على مواعيدهم التي قطعوها لشريف مكة آنذاك الشريف حسين وعندما وضعت الحرب اوزارها تقاسم الحلفاء البلاد ودخلوها بدون مبرر شرعي والان دخلوا دمشق بعد معركة مع أهل البلاد واتلفوا قسما من الأهالي والجيش وعليه نحن سكان منطقة الرقة المحدودة، شرقا نهر الخابور، غربا طرابلس، شمالا الخط الحديدي قبل بلدة السخنة، قررنا الاحتفاظ بهذه المنطقة لبينما يتقرر مصير البلاد وقد اخترنا المناداة بالأمير حاگم بن مهيد رئيسا لها باسم رئيس الحركة الوطنية وعلى الرئيس المذكور أن يكون الحكم في المنطقة شورى بمجلس يختاره الشعب ويصدر الاوامر اللازمة والاحكام وقررنا الدفاع عن هذه المنطقة وإذا مست الحاجة محالفة إحدى الدول المجاورة التي نختارها. على أن نبلغ هذه القرار إلى جميع الدول بواسطة قنصل أمريكا الموجود في حلب) كان ذلك بعد الحرب العالمية الأولى وبعد معركة ميسلون والاحتلال الفرنسي لسوريا. ورفضت هذه الدولة الانضواء تحت الحكم الفرنسي لتشكل حكومة وطنية مستقلة معتبرة وعلى لسان رئيسها حاگم بن مهيد: (الفرنسيين اعداء الدين والوطن). وشكلوا جيشا يقوده حاگم بنفسه والذي يحمل رتبة لواء
أكثر من جالد وقاتل بجانبه فخذ الشميلات من الفدعان وذلك ايضاً جيش آخر ينقسم هذا الجيش إلى قسمين جيش نظامي عدد افراده الف جندي اشتهروا باسم (الزكرت) يقومون بمهمة القوة المسلحة أثناء السلم يعينهم في تنظيم الأمن الداخلي مائة وسبعون دركيا. والقسم الثاني: المتطوعة وهم كل قادر على حمل السلاح من أبناء القرى والعشائر. وينضمون بقيادة رؤساء عشائرهم إلى الجيش النظامي أثناء الحرب. وكان للجيش معسكرات خاصة ولا يدخلون إلى المدينة تفاديا للمشاكل ولا يتدخل الجيش بامور الإدارة المحلية المدنية التي يتولاها أعضاء لجنة الحركة الوطنية. كل هذه الترتيبات كانت تتم وفق تشاور بين المعنين بالامر على رأسهم الفارس حاگم بن مهيد.
( الموقف الفرنسي )
لم تابه الحكومة الفرنسية باديء الامر بالدولة الجديدة لكن بعد أن بدا التعاون بين هذه الدولة والجيش التركي اخذت فرنسا الامر جديا فاصدر الجنرال غورو القرار رقم 367 من 21 ايلول 1920م مدخلاً المنطقة التي تحكمها دولة حاگم بن مهيد تحت حكومته لكن هذه القرار كان مرفوضا لدى ابن مهيد واعوانه مما دعا بالجنرال الفرنسي دولامرت إلى دعوة الأمير حاگم إلى المفاوضة وكان العرض المبدئي ان تتعهد قيادة الجيش الفرنسي بان تستخدم جيش الحركة الوطنية برواتب افراده الحاضرة موكلة اليه تحت قيادة الأمير حاگم بن مهيد حماية الحدود الشمالية السورية من الاتراك كما تتعهد بان تدفع إلى رئيس الحركة الوطنية منحة مستعجلة قدرها مائة الف ليرة عثمانية ذهباً، ولكنه رفض.
قرر الانتداب الفرنسي توجيه حملة عسكرية للاستيلاء على هذه المنطقة بالقوة والقضاء على الحكومة الوطنية، وفي ايلول من عام 1920م وصلت الحملة إلى الرقة مصحوبة بالمدافع واربع طائرات فاستخدم حاگم بن مهيد الحيلة في تأخير الصدام الأول مع الفرنسيين وارسل إلى الجيش التركي يطلب مددا متعهدا بدفع رواتبهم فبعثوا له 250 جنديا ساهموا في رفع معنويات أهالي المنطقة.
ابتدا الصدام المسلح وانطلقت قذائف الفرنسيين الواحدة تلو الأخرى وكان الرد من حاگم واعوانه ومن المدافعين التركيين وانتهت المعركة عن انتصار جزئي لدولة حاگم، وانسحاب الفرنسيين عدا طائراتهم التي كانت تلقي قنابلها على بلدة الرقة بشكل يومي لكن الناس اعتادوا عليها فكانوا يختبئون حين يرونها مقبلة وإذا ادبرت خرجوا ساخرين منها.
اما حاگم فقرر ان يطارد الحملة الفرنسية إلى دير الزور لمحاربتها وإنقاذ المدينة منها وطلب من الاتراك مددا فاشار عليه قائد الجيوش التركية في ما بين النهرين محمد نهاد باشا بان يتجه بجيشه إلى حلب لقطع خطوط تموين الفرنسيين واحتلال ضواحي حلب ووعده بمساندته بالف جندي
بدا حاگم زحفه الكبير إلى حلب بجيش ضخم قوامه خمسة آلاف محارب وحرر عدة مناطق في طريقه من بينها منبج وحقق انتصارات سريعة ومذهلة جعلت اسمه يجلجل في سماء سوريا والوطن العربي ووصل إلى مشارف حلب وبدات الاشتباكات بينه وبين الجيش الفرنسي المنظم على امل ان يصل المدد التركي المكون من الف جندي إلا أن الاتراك خذلوه وتخلوا عن وعدهم له فخاض المعركة وحده.
ابدى هو وجيشه بسالة منقطعة النظير ولكن الطائرات الفرنسية القت على هؤلاء الفرسان قنابلها المروعة المدوية محدثتا هلعا في صفوف الجيش البدوي الباسل وفي قلوب الخيل وفرسانها. اضطر جيش حاگم إلى التقهقر بعدما كادت مدينة حلب ان تسقط في يديه.
انها الطائرات في مواجهة السيوف والبنادق معركة غير متكافئة ابدا -. يقول : ( صعيجر ابن رقاد الفدعاني ) وهو شاعر كان برفقة الأمير حاگم مبديا هلعه من هذه الطائرات:
طيارةٍ فوقنا حامت….
ذبّت على الجيش بمباتي….
والبارح العين مانامت….
ماتدري الصبح وش ياتي….
دور الضعف:
عاد حاگم إلى الرقة فاقدا الثقة بالاتراك وشعر الا قدرة لجيشه البدائي بمقاومة جيش محتل يملك أحدث وسائل الحرب من طائرات ومدافع. جاءت الأخبار السيئة إلى الرقة حول الاتفاق بين تركيا وفرنسا على ترسيم الحدود۔كما حصل في معاهدة أنقرة الموقعة في 20 تشرين ألأول عام 1921م، عندها يئس حاگم باشا والمجلس الوطني بالرقة،
في 17 كانون الأول 1921 عبرت قوات الكولونيل دي بغوار نهر الفرات نحو الرقة فلم تلق أية مقاومة. تغيرت الظروف وبدات الدولة بالتلاشي بعد أن استمرت 15 شهرا. بذلك تنتهي فترة هذه الدولة الوطنية أو كما اسماها العجيلي الدولة المجهولة.
محاكمته:
طلبته السلطات الفرنسيّة وحاكمته في مدينة حلب، ولكن الشيخ مجحم بن مهيد توسط له واستقر في (عين عيسى)، ووقع صك الاعتراف بالانتداب الفرنسي في 19 تموز عام 1922م وعاد يمارس نشاطه القبلي.
وفاته:
عاش حاگم في السنوات الأخيرة من عمره منزويا مبتعدا عن الأحداث السياسية ويبدو أنه قد اصيب بخيبة امل مما رآه من تخاذل الذي كان يامل منهم مساندته، ومعه حاشية من اتباعه واقاربه، وظل على هذه الحال إلى أن توفي في الحادي والعشرين من أيار عام 1927م.
ويذكر إبراهيم علوان في بطولات عربية على ضفاف الفرات انه ودفن في عين عيسى شمال الرقة.
انظر:
بيان المناداة بالأمير حاجم بن مهيد رئيساً للحركة الوطنية في الرقة عام 1920
المراجع والهوامش:
(1). علوان (إبراهيم)، بطولات عربية على ضفاف الفرات.
المراجع والهوامش:
(1). علوان (إبراهيم)، بطولات عربية على ضفاف الفرات.