شهادات ومذكرات
معركة الانتخابات النيابية عام 1943 في مذكرات أكرم الحوراني
من مذكرات أكرم الحوراني (11 /100)
من مذكرات أكرم الحوراني – على هامش معركة الانتخابات النيابية عام 1943 :
مر علينا أكثر من شهر كنا فيه محرومين من النوم أو الراحة. ويشاركنا في هذا الحال جميع القيادات الشعبية وكثير من أبناء الشعب البسطاء الذين كانوا يشعرون معنا بعظم المسؤولية، كنا ملزمين بحضور الاجتماعات والحفلات الانتخابية الصغيرة والكبيرة، ليلاً ونهاراً، وكنا معرضين للمفاجآت دوماً بخبر سيئ أو سار لا بد فيه من اتخاذ موقف وإعطاء توجيه.. وأما فترة راحتنا، في الهزيع الأخير من الليل في مقهى الفندق، فلم تكن فترة راحة. لأننا كنا نستعرض فيها الوضع بشكل عام، ونتصفح الجرائد ونتداول أخبار المعارك الانتخابية في المدن الأخرى.
كان جماعة الملقي يستعرضون تلك المعارك ويبدون عطفاً على قائمة الدكتور عبد الرحمن الكيالي في حلب ضد قائمة سعد الله الجابري، الارستقراطي الذي استعان بالمليونير المغامر الحاج وهبي الحريري لتمويل معركته. كما كانوا يظهرون عطفاً على نجاح سليمان المعصراني في حمص، لأنه من عائلة شعبية، ويخشون نكث آل الأتاسي به وهو ما جرى فعلاً.. ولم أكن ضمناً أشاركهم عواطفهم. فالكل كانوا في نظري سواء. أليس سليمان المعصراني شقيق الحاج عبد الهادي المعصراني، المجاهد الذي شاهدت غرفة نومه بفندق الحمراء بحلب مليئة بإطارات السيارات المنهوبة باسم الجهاد من جماعة فوزي القاوقجي إثر فشل ثورة العراق؟
أما دمشق فلم يكن فيها معركة انتخابية.. هكذا تمت تهيئة الأمور فيها. وكانت قائمة شكري القوتلي وحيدة في الساحة تقريباً. وكان جامع تنكز والجمعية الغراء التي تضم عدداً من رجال الدين، برئاسة الشيخ الدقر وأمانة سر عبد الحميد الطباع. يشكلون قوته الانتخابية في الأوساط الشعبية.
كنت أتصفح الجرائد بسرعة، وألقي نظرة عجلى على معركة دمشق وخطابات القوتلي، وكان يؤلمني أن لا أقع في تلك الخطابات على أي توجيه سياسي أو طرح جدي للقضايا الأساسية. فقد كان القوتلي يتجنب ذلك، كما كان يتعمد تأجيل إعلان أسماء المرشحين الذين سيختارهم لقائمته إلى ما بعد انتخابات الثانويين، مما دفع عدداً كبيراً من الطامعين للنيابة للإلتفاف حوله أملاً بأخذهم في قائمته.
وفي 13 حزيران 1943 قالت القبس:
(إزاء جميع التصريحات المتتالية التي أدلى بها السيد شكري القوتلي عن شعور الوطن السوري بأجمعه نهد فريق كبير من الشباب المثقف من مختلف الهيئات والفئات إلى عقد اجتماعات متتالية تدارسوا فيها الموقف على جميع وجوهه، ثم عقدوا أمس اجتماعاً كبيراً في دار السيد أحمد الشرباتي وضعوا فيها الأسس والقواعد التي سيرتكز عليها نشاط الشباب في الحاضر والمستقبل وقرروا بالاجماع نبذ الحزبيات ووضعوا تصريحاً خطياً هذا نصه:
بحث الشباب فيما يجب عليهم عمله في هذا الظرف الحاضر فرأوا أن يصرحوا بأن حركة توحيد الجهود القومية يجب أن تسلم قيادتها إلى يد رجل واحد يكفل ماضيه وكفاءته إيصالها إلى أهدافها، وهم يعتقدون أن هذا الرجل هو الزعيم السيد شكري القوتلي لذلك فهم يعلنون تأييده ودعم زعامته.
التوقيع: أحمد الشرباتي، عبد القادر الميداني، منير المالكي، ميشيل عفلق، صلاح البيطار.
وقد لفت نظري اسما الأستاذين صلاح البيطار وميشيل عفلق اللذين حدثني عنهما الدكتور جمال الأتاسي عندما كنا معتقلين في ثكنة دير الزور العسكرية بعد عودتنا من العراق.
أعلن القوتلي قائمته بعد أن استخار الله – حسب تعبيره- فتألفت قائمته التي أعلنها في 24 تموز كما يلي: لطفي الحفار، جميل مردم، صبري العسلي، نسيب البكري، نصوح البخاري، خالد العظم، الشيخ عبد الحميد الطباع، عفيف الصلح، سعيد الغزي، نجيب الريس، أحمد الشرباتي، فارس الخوري، نعيم الانطاكي “عن الروم الارثوذكس”، جورج صحناوي ونازريت يعقوبيان.
وهكذا أعاد القوتلي شخصيات الكتلة الوطنية في دمشق إلى المسرح السياسي من جديد، مع أنه كان منذ بداية المعركة الانتخابية يتبرأ من الكتلة ويعتبر كل حزبية عصبية ذميمة، وكان عمله هذا مدعوماً من قبل الجمعية الغراء الدينية التي كانت مصدر الوحي والإلهام.
ولكن دمشق السياسية المجربة أنذرت شكري القوتلي -بأسلوبها- وأعطته درساً في التواضع لم يستفد منه، حيث نال سعيد الغزي الذي أخذه القوتلي على قائمته، وكان رجلاً وطنياً حيادياً، عدداً من الأصوات أكثر مما نال القوتلي ذاته. ولكن الحكومة – برضى الغزي- أعلنت أن القوتلي نال (628) صوتاً ونال سعيد الغزي (623) صوتاً.
عندما ذهبت إلى دمشق بعد الانتخابات سمعت من الشباب المقربين لزكي الأرسوزي وميشيل عفلق، الذين تعرفت عليهم آنذاك، انتقاداً شديداً لاذعاً لتأييد عفلق والبيطار للقوتلي وتوقيعهما على بيان “اجتماع المثقفين”.. وكانوا يتندرون بأحاديث الاعجاب بالقوتلي التي حدثهم بها الأستاذ ميشيل عفلق في اليوم الثاني من زيارته له ليرشحه في قائمته الانتخابية..
انظر :
من مذكرات أكرم الحوراني (99) – شكري القوتلي يوافق ويبارك
من مذكرات أكرم الحوراني(98) – لجنة الإصلاح في حماة 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (97) – موقف الكتلة الوطنية من انتخابات حماة عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (96) – طبول فتنة دامية
من مذكرات أكرم الحوراني (95) – انفجار الشعار الحاسم
من مذكرات أكرم الحوراني (94) – ترشيحي للانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (93) – ترشيح عثمان الحوراني لانتخابات عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (92) – جولة شكري القوتلي الانتخابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (91) – بدء النفوذ البريطاني في سوريا
من مذكرات أكرم الحوراني (90) – القوتلي ينطلق من سياسة التعاقد مع فرنسا
من مذكرات أكرم الحوراني (89) – عودة الحياة الدستورية للبلاد
من مذكرات أكرم الحوراني (88) – انهيار الكتلة الوطنية في عهد الشيخ تاج
انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني: