شهادات ومذكرات
من مذكرات أمين أبو عساف: زيارة باريس (12)
من مذكرات أمين أبو عساف: زيارة باريس (12)
أرسلت كتاباً إلى الجنرال “ماسييت” وأخبرته أني في مدرسة الفرسان في “سومير” وأني سأقضي عطلة عيد الميلاد في “باريس” وأرغب مقابلته وقد حدد لي الوقت في رسالة خطية.. قابلته في “الانفاليد” مركز قيادة الجيش الفرنسي. حضرت باللباس العسكري، وأخبرت رئيس الحرس وكان يعلم بهذه المقابلة. والغريب في فرنسا أن يأتي “ملازم” لمقابلة جنرال كبير وهم لا يعرفون جنسيتي.
البناء ضخم، الذي أوصلني إلى جناح الجنرال أخذ مخطط دليل يحوي رقم المدخل، ورقم الدرج، حتى أوصلني إلى جنرال رئيس أركان الجنرال “ماسييت” وهذا طلب مرافق آخر أوصلني إلى المكتب.
في الغرفة الكبيرة رأيت الجنرال وافقاً. وما أديب التحية العسكرية حتى تحرك نحوي ومد يده للسلام، عاد إلى مقعده وطلب مني الجلوس سأل عن الجبل، عن العمل وأعلن عن سروره لاستقبالي في فرنسا.
ثم قال تزور متحف “الإنفاليد” العسكري وبعد وداعه أرسل معي ضابطاً وذهبنا إلى المتحف وهو جناج من البناء الضخم.
قال لي مدير المتحف ماذا ترغب أن ترى؟ أجبت ليس لدي فكرة!
قال الزيارة يلزمها أيام. ولكن سوف تزور المهم. وعين لي دليل خبير..
1-زرنا جناح نابليون ومعاركه.. صوره بأوضاع مختلفة أثناء المعارك في (المانيا- النمسا- إيطاليا- وروسيا). في كل غرفة مخطط المعركة وتاريخها والقائد المهزوم والخسائر والغنائم، الأعلام نموذج عن الأسلحة، الدليل يشرح ويجيب عن الأسئلة. كنت قد طالعت معارك نابليون والآن أراها مجسمة!.
2-معارك الحرب العالمية الأولى 1914- 1918 صورة المارشال “فوش” قائد جيوش الحلفاء، مكتبه لعام 1918 بكامل آثاثه حيث وقع مندوب المانيا الهدنة. الدواة والريشة التي وقعت بها الهدنة حتى النشافة التي استعملت مع صورة لهاذا الحدث العظيم. ثم غرف معارك الحرب، “معركة فردان” الشهيرة التي غيرت مجرى الجرب. والتي حوصرت ثم فك الحصار عنها بقيادة الجنرال “بيتنا” الذي أصبح فيما بعد “مارشالاً” وقد عين بعدها قائداً للجيش الفرنسي. ومعارك أخرى كمعركة “المارن” وغيرها.
3-معارك الثورة السورية الكبرى عام /1925/
رأينا معركة “المسيفرة” هجوم الدروز عليها ثم خروجهم منها مع البيارق و”أعلام الحرب” كما يسمونها غنائم المعركة.
أي أن معركة “المسيفرة” صُنقت مع معارك “نابليون” ومع معارك الحرب العالمية الأولى وهذه المعركة انتصر فيها الفرنسيون ولكنهم لم يذكروا شيئاً عن معركتي “الكفر” و”المزرعة” اللتين هزمت بهما جيوش فرنسا شرُ هزيمة.
زرتُ معالم “باريس” تلك المدينة العظيمة وبقيت بها كل أيام العطلة إلى أول السنة حيث زرت : (الأوبرا، متحف اللوفر، قوس النصر، فرساي، أوتيل ده لافيل).. الخ.
أثناء وجودي في “منبج” ذهب اليوتنان “دورجفال” آمر الكوكبة في إجازة لمدة شهرين وعين الرئيس “حمد الأطرش” آمراً للكوكبة بالوكالة طيلة غياب الآمر الأصيل. في تلك الفترة حضرت فرقة آثار إلى “منبج” مؤلفة .. من ثلاثة أشخاص مع توصية من المسؤولين لتأمين ما يلزمها. وبما أنه لا يوجد فنادق، والرئيس “حمد” لم يتمكن من استقبالهما نظراً لوضعه المؤقت! استضفناها في بيتي طيلة مدة إقامتها.
علم رئيس البعثة أني سأذهب إلى فرنسا فطلب مني أن أزوره في باريس وأعطاني العنوان ورقم الهاتف.. وما أعلم بوجودي في فندق “اينفرسال” حتى اتصل بي هاتفياً وقال لي أنت غداً بضيافتنا، سآتي في حوالي التاسعة لاصطحابك.
ذهبنا إلى بيته حيث زوجته وابنتاه الشابتان وشاب من أقربائهم خطيب إحدى بناته. قال :سنقضي نهارنا في غابة بولونيا. بعد تناولنا طعاماً خفيفاً ذهبنا إلى غابة بولونيا وجدنا بها أعداداً ضخمة من المنتنزهين تجولنا بها ثم استقر بنا المقام في إحدى الساحات العامة المعدّة للعب على الجليد بالأحذية الخاصة وكانت رفيقتي إحدى بناته وجدت صعوبة في بادئ الأمر ولكن بمساعدة ولطف المدربة تمكنت أن أتعلم لعبة رياضية لم أعرفها من قبل. ولم أعاودها مرة ثانية..
أمضينا في غابة “بولونيا” حتى المساء وعدنا إلى منزل المضيف تناولنا العشاء وبقينا حتى آخر السهرة. كان يوماً لطيفاً جداً ملؤه الود والجو العائلي في بلد بعيد..وأعادني إلى الفندق كما أخذني صباحاً بسيارته.
عدت إلى “سومير” لأتابع التدريب. وفي أحد الأيام حضر الجنرال “ماسييت” للتفتيش على المدرسة. حَضر ودوري في ساحة الفروسية وعندما عرفني كلمني باسمي، استغرب المدربون والطلاب معرفته لي. وقد أخبرتهم فيما بعد أنه كان حاكماً عسكرياً في بلدي. في المساء دعيت إلى مكتب الجنرال مدير المدرسة. سألني عن سبب اهتمام الجنرال “ماسييت” بأمري أخبرته عن الواقع. قال إن إدارة المدرسة تقدر جهودك حتى الآن. ثم ذهبت إلى مقابلة الجنرال “ماسييت” قال: سألت عن عملك؟ إن إدارة المدرسة تثني على اجتهادك وليس لها ملاحظة عليك إلى الآن. ثابر على عملك.
في عطلة عيد الفصح. قررت أن أزور جنوبي فرنسا وإيطاليا. أخذت القطار إلى “نيس” وكانت مزدحمة بالسياح ، وكان حجز الفندق مؤمن أمضيت فيها يومين، انتقلت إلى مدينة “كان” وعند وصولي وجدت خبر استدعائي وقطع المأذونية قد سبقني نظراً للاستنفار وقد أسفتُ لأنه فوت عليّ زيارة إيطاليا والوصول إلى “نابولي”.
عدت إلى “سومير” وجدت المدربين والطلاب قد عبئوا والبعض قد التحق.
طلبوا مني التريث بعض الوقت فإذا بدأت الحرب تلغى الدورات.
جرى وفاق دولي وتأجلت الحرب. وتابعنا الدورة حتى الخامس من آب. في نهاية الدورة طلبني الجنرال “بريدو” مدير الكلية وقال : أنا مسرور لمعرفتك وإن لدى الجيش السوري ضباطاً على مستوى الضباط الفرنسيين. وقد حصلت على شهادة المدرسة.
انتقيت باخرة العودة “تيوفيل غويته” التي تمر في مرافئ (إيطاليا- اليونان- تركيا).
كانت الحرب تبدو وشيكة الوقوع وكانت الباخرة تحمل تعزيزات من الجيش إلى سوريا وهذا ما جعلها تبتعد عن مرفأ “نابولي” والذي كان مقرراً في رحلتها.
وصلنا “أثينا” في اليونان حيث تقف الباخرة مدة خمس ساعات. نزلت وتجولت زرت المتاحف طبعاً زيارة خاطفة. وصلنا إلى “استانبول” زرت فيها “آيا صوفيا” على الضفة الغربية ثم قصر “يلدز” وتجولت في المدينة ثم عدت إلى بيروت حيث ختمت الرحلة.
اقرأ:
من مذكرات أمين أبو عساف: الثورة العربية الكبرى (1)
من مذكرات أمين أبو عساف : بدايات الحكم الفرنسي في السويداء (2)
من مذكرات أمين أبو عساف : أسباب الثورة السورية الكبرى 1925 (3)
من مذكرات أمين أبو عساف: اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى (4)
من مذكرات أمين أبو عساف: متابعة دراستي وانتسابي إلى الصف الخاص (5)
من مذكرات أمين أبو عساف: الدخول إلى الكلية العسكرية (6)
من مذكرات أمين أبو عساف: الدراسة في الكلية العسكرية (7)
من مذكرات أمين أبو عساف: التخرج من الكلية العسكرية وتعييني في الكوكبة الثالثة (8)
من مذكرات أمين أبو عساف: نقلي إلى كتيبة شمال سورية الكوكبة /25/ (9)
من مذكرات أمين أبو عساف: إجراءات السفر إلى “سومير” (10)
من مذكرات أمين أبو عساف: مدرسة سومير للفرسان والمدرعات (11)