من مذكرات أكرم الحوراني – لجنة الإصلاح في حماة 1943:
ولنا أن نتساءل الآن: من هم هؤلاء أعضاء لجنة الإصلاح؟
كان الشيخ سعيد النعسان- الذي ظل مفتياً للمدينة حتى وفاته عن عمر نيف على المائة- رجلاً مصلحاً ينتمي لمدرسة الشيخ طاهر الجزائري، عالماً، واسع الإطلاع، منفتح الذهن على قضايا العصر وكان صديقاً لوالدي ثم توطدت بيننا أواصر المعرفة والمحبة وكنت أعجب بأحاديثه وهو الشيخ المسن إذ تعبر عن أفق عقلي يتجاوز كثير من الشباب الذين يعتبرون أنفسهم تقدميين. كان مستوعباً التراث واعياً ثقافة العصر.. وكان يشبه الدكتور صالح قنباز، مع اختلاف السن والثقافة. وقد قضى حياته منصرفاً للعلم والتدريس. فأنشأ مدرسة “عنوان النجاح” في زمن كانت فيه المدينة بأحوج ما تكون إلى مدرسة. وكان ذا بنية جسدية قوية حبارة. وقد أصيب بكسر في الحوض بعد أن نيف على المئة. ولشد ما كانت دهشتي عظيمة عندما زرته بعد خروجه من المستشفى فوجدته ينتصب معافى بقامته الفارعة. أما المطران أغناطيوس حريكة فقد كان دوماً بجانب القضايا الوطنية والقومية وأما الأشخاص الآخرون فقد كانوا موضع ثقة المدينة واحترامها. وكان أبناؤهم من حركة الشباب.
كان تشكيل هذه اللجنة تعبيراً عن وجهة نظر الكبار بعد أن بلغت المعركة حدود الاقتتال. لكنها أوقعتنا – نحن الشباب- في موقف محرج، فنحن نثق بأعضائها ونحبنهم ونحترمهم، ونحن في الوقت ذاته نرفض أسلوب المساومة ونعتبر أن أسوأ الاحتمالات، خروجه من المستشفى فوجدته ينتصب معافى بقامته الفارعة. أما المطران أغناطيوس حريكة فقد كان دوماً بجانب القضايا الوطنية والقومية وأما الأشخاص الآخرون فقد كانوا موضع ثقة المدينة واحترامها. وكان أبناؤهم من حركة الشباب.
كان تشكيل هذه اللجنة تعبيراً عن وجهة نظر الكبار بعد أن بلغت المعركة حدود الاقتتال. لكنها أوقعتنا- نحن الشباب- في موقف محرج، فنحن نثق بأعضائها ونحبهم ومحترمهم، ونحن في الوقت ذاته نرفض أسلوب المساومة ونعتبر أن أسوأ الاحتمالات، وهو اخفاقنا في الانتخابات، هو نجاح عظيم للفكرة الشعبية لأنه يقرب أجل الإقطاعية ويقضي عليها.
بينما جاء تشكيل لجنة الإصلاح مخرجاً لرئيف الملقي الذي كانت علائم التعب تبدو عليه وعلى بعض رفاقه، كانت النيابة في نظره هي الغاية، وهذا ما كلفه وكلف الحركة الشعبية في المستقبل ثمناً غالياً وجعل منه عنصراً سلبياً بدلاً من أن يكون من قادة الحركة الجديدة.
قرار لجنة الإصلاح
صدر قرار اللجنة بأن يكون للمدينة قائمة انتخابية موحدة من : رئيف الملقي، نجيب البرازي، أكرم الحوراني، غالب العظم، فريد مرهج.
وروي آنذاك أن نجيب البرازي اجتمع بأعضاء اللجنة ورجاهم أن ينتخبوا الأشخاص الصالحين. فقال له أحدهم: لو كنا طلقاء من الاعتبارات لما كان اسمك في عداد المرشحين.
قام الشباب من أبناء أعضاء اللجنة وأقربائهم بنشاط كبير لاقناعهم، بعد أن أصبحوا محكمين، بأن تكون القائمة الشعبية خالية من أي ممثل “للذوات”.. ولكن هذا الطلب كان في نظر أعضاء اللجنة طلباً صبيانياً.
وقبل أن تذاع الأسماء على الناس بمنشور اجتمعنا نحن الشباب اجتماعاً موسعاً جداً وتداولنا في الأمور، وكان معظم المجتمعين يميلون إلى التسليم بالأمر الواقع. أما أنا فقد أصررت على الانسحاب، وبعد نقاش وجدل طويلين اقترح واحد منهم تأجيل الانسحاب إلى ما بعد إعلان قرار اللجنة، لأن دلالته تكون أقوى وأثره أعظم. أما الرفاق الآخرون فقد أصروا على عدم الانسحاب.. وهكذا انزويت في البيت. فزارني أعضاء اللجنة تباعاً محاولين إقناعي ولاسيما المطران حريكة. فلم أعط جواباً ملزماً.
هنا لابد لي من التوقف قليلاً.. إذ إنني لأول مرة أتعرض لأزمة الضمير التي أكثر ما يعانيها القادة الشباب عندما يتعرضون بمواقفهم للتناقض بين الممكن وغير الممكن، بين المبدأ والتطبيق، بين التصور والواقع.
لا شك أن أعضاء اللجنة، والقيادات الشعبية الأخرى بالمدينة، كانوا أكثر تجربة وتمرساً وواقعية. لأن نجاحي بالنيابة كان بداية فتح صفحة جديدة. ولو إنني بقيت مصراً على الانسحاب من معركة انتخابات عام 1943 لارتكبت أفدح الأخطاء- ليس بحق نفسي- بل بحق القضية.
انظر :
من مذكرات أكرم الحوراني (97) – موقف الكتلة الوطنية من انتخابات حماة عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (96) – طبول فتنة دامية
من مذكرات أكرم الحوراني (95) – انفجار الشعار الحاسم
من مذكرات أكرم الحوراني (94) – ترشيحي للانتخابات النيابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (93) – ترشيح عثمان الحوراني لانتخابات عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (92) – جولة شكري القوتلي الانتخابية عام 1943
من مذكرات أكرم الحوراني (91) – بدء النفوذ البريطاني في سوريا
من مذكرات أكرم الحوراني (90) – القوتلي ينطلق من سياسة التعاقد مع فرنسا
من مذكرات أكرم الحوراني (89) – عودة الحياة الدستورية للبلاد
من مذكرات أكرم الحوراني (88) – انهيار الكتلة الوطنية في عهد الشيخ تاج
انظر ايضاً مذكرات أكرام الحوراني: