مقالات
مصطفى السباعي عام 1964: وجهة العالم الإسلامي
مقال لـ مصطفى السباعي بعنوان “وجهة العالم الإسلامي”.
نشر المقال على شكل افتتاحية في مجلة حضارة الإسلام، العدد السابع – السنة الثانية شباط 1964م.
منذ بعث الله ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ودخل الناس فيه أفواجاً فراراً من ظلمة الشرك والظلم والجهالة، إلى نور التوحيد والعلم والعدالة. ارتضى المسلمون دينهم الذي رضيه الله لهم وأنقذهم به وأعزهم في ظلاله، وأبوا أن يستمعوا إلى وسوسة الجن والأنس من أعداء الله الذين قضى الإسلام على منافعهم وتدجيلهم واستغلالهم للأفراد والجماهير، برغم ما بذل أعداء الله من جهود حربية أحياناً، وفكرية أحياناً، حتى انفرد تاريخ الإسلام عن بقية الديانات بالمؤامرات المتواصلة عليه، وظل مع ذلك شامخ البنيان، ثابت الأركان، واضح المعالم، جلي الحقائق، شأن دين الله الحق الذي أنزله هدى الناس وخاتمة الشرائع التي كفلت لعباده الخير والسعادة والفلاح.
إن هذه المؤامرات التي ابتدأت من عهد أبي جهل وأبي لهب والوليد وعقبة واضرابهم واستمرت في العصر العباسي على أيدي زعماء الفرق الضالة التي اندست في الإسلام لتفسد عقائده، ثم تكتلت في الحروب الصليبية لتحتل قلب العالم الإسلامي ومركز اشعاعه ثم توجهت أخيراً باحتلال العالم الإسلامي كله تقريباً، هذه المؤامرات لم تنته – كما يظن بعض الناس- باستعادة أكثر الأقطار الإسلامية وحريتها وسيادتها، بل ابتدأت مؤامرات فكرية وسياسية جديدة تحت شعارات متعددة لتعمل عملها المستمر الدائب في تهديم الكيان الإسلامي والفكر الإسلامي الواعي، فالشر لا يعرف الهزيمة أمام الحق حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولهذه المؤامرات الجديدة مظاهرها المتعددة التي لا تخفى على المراقب الخبير.
إن الاستشراق والاستعمار يسيران جنباً إلى جنب، ويعملان لهدف واحد، فليس من قبيل الصدفة أن يكون تلاميذ الاستشراق الفكريين هم اللذين يدعمهم الاستعمار ويهيئ لهم الحكم في شعوب إسلامية محبة لدينها واثقة به قامت فيها حركات إسلامية واعية اذا تغلغلت مبادؤها في نفوس الجماهير قلبت أوضاع المجتمع الإسلامي الحاضر رأساً على عقب وهذا ما يخشاه الاستعمار والاستشراق على السواء.
ولقد عودنا الاستعمار وصحفه ومستشرقوه اللاهوتيون أن يهللوا دائماً لكل ضربة يوقعها تلاميذهم الحاكمون في حركة من هذه الحركات الإسلامية القوية، كما فعلوا من قبل في موقف بعض الحكام في البلاد العربية، وكما فعلوا بعد ذلك في موقف حاكم إيران من الوعي الإسلامي الجارف حين أعدم بعض قادته ثم قاوم غضبة العلماء لدينهم وانتصارهم لله حين انتهكت محارم دينه.
إن العالم الإسلامي لن يفكر ابداً بدينه، ولن يرى في دينه الخالص من البدع والخرافات جموداً، ولا في تراثه الصافي الخالي من الدسائس قديماً بالياً، ولا في عقيدته النيرة التي تحمل أصحابها على أن يدفعوا الشمس أمامهم حتى لا تغيب عن شبر واحد من هذه الأرض. تخلفاً ورجعية وتأخراً.
إن وجهة العالم الإسلامي تتجلى في مساجده التي تغص بالمصلين، وفي متدينيه المثقفين الذين يزدادون يوماً بعد يوم، وفي هذه الخرافات والبدع التي تنحسر عنه شيئاً بعد شيئ وفي هذه اليقظة الفكرية الإسلامية التي تقذف إلى المطابع كل يوم بكتاب إسلامي جديد، وان وجهة العالم الإسلامي هي عند جماهيره المؤمنة في المدن والقرى، والمساجد والمصانع والبيوت والمدارس، ولا تتجلى ابداً في فريق من الناس ضلوا طريقهم مهما كثروا ولا في حفنة من تلاميذ الاستشراق الكنوتي مهما كانت مكانتهم في المجتمع، ولا في فئة من الحكام كل همهم بحسن نية أو سوء نية أن ينفذوا ارادة المستعمرين وأعداء الإسلام في إيقاف المد الإسلامي الجارف الذي لا ينتهي حتى تقول الدنيا لأمتنا.. يا فرحة اللقاء بالأمة المنفذة بعد أن طال غيابها.
ان وجه العالم الإسلامي الفائز يتجلى في أبي الأعلى المودودي لا في أيوب خان، وفي نواب صفوي لا في شاه إيران، وفي حسن البنا لا في فاروق النقراشي وعبد الهادي وأمثالهم، هؤلاء هم الذين يمثلون وجهة العالم الإسلامي في عصرنا الحاضر، هذه هي وجهته الصحيحة، وكل كلام غير ذلك كذب وتشويه الحقائق يزدري عصرنا هذا من يتلاعب بها والمستشرقون اللذين يخفون هذه الحقائق فيما يكتبون إنما يضحكون على أنفسهم وعلى شعوبهم وعلى حكوماتهم لو كانوا يعلمون(1).
(1) مجلة حضارة الإسلام، العدد السابع- السنة الثانية، شباط 1964.
انظر:
كلمة مصطفى السباعي بمناسبة الذكرى السابعة لثورة الجزائر عام 1960