You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

الشيخُ “موسى الأعور” .. الجاسوسُ الإنكليزيُّ في اللاذقـيَّة أواخر العصر العثمانيّ

مُضر كنعان – التاريخ السوري المعاصر

وُجِد شخصٌ غريبُ الأطوار والهيئة في حيِّ (الأشرفيَّة) بداية القرن العشرين الميلاديّ، وكان مُقيماً في غرفةٍ من الغرف المجاورة لجامع (أرسلان باشا المطرجي) القديم، ويظهرُ على هيئة درويشٍ مُتصوِّفٍ يلبسُ الثياب المرقَّعة، وربَّما وُجِدت في ثيابه كافَّة الألوان والأشكال، وكان يحملُ سُبحةً طويلةً ويضعُ في عنقه عدَّة سُبحاتٍ، ولحيته كثيفةٌ جدَّاً، وكان يُخفي إحدى عينيه برقعةٍ يزعمُ من خلالها أنَّه أعورٌ، ولا يُعرفُ باسمٍ أو كنيةٍ سوى باسم الشيخ “موسى الأعور”.

كان هذا الشخص مُكرَّماً من قبل أهالي الحيِّ لاعتقادهم بصلاحه وزهده وتقواه، وأنَّه “بركةٌ” ومُجابُ الدعاء ويُتمسَّحُ بثيابه وسُبحته! جرياً على تقاليد الناس وقتئذٍ، التي ما زالت بعض رواسبها مشاهدةً إلى وقتنا الحاضر.

ظنَّ البعضُ أنَّ أصله من بلاد (الهند)، ولكن ليس الأمرُ بذي أهمِّيَّةٍ طالما أنَّه يرتدي ثياب “المتصوِّفة” ويحملُ رموزهم، ويُنادى بلقب المشيخة. ولذا كان أهالي الحيِّ يُقدِّمون له أنواع الأطعمة والحلويَّات المختلفة في الأيَّام العاديَّة، أمَّا في شهر رمضان والعيدين فيُكرمونه إكراماً زائداً.

فجأةً، وبعد أن أقام الشيخُ “المزعوم” مدَّة عشر سنواتٍ في (اللاذقـيَّة)؛ اختفى، وعبثاً بحث عنه أهالي الحيِّ هنا وهناك وفي غرف باقي الجوامع، لقد أصبح أثراً بعد عينٍ.

تمضي الأيَّامُ وينطلقُ شخصان من أهالي حيِّ (الأشرفيَّة) إلى مدينة (حيفا) الفلسطينيَّة لأجل إتمام بعض الأعمال التجاريَّة، وكانت قد خضعت للاحتلال (الإنكليزيِّ) في عام 1918م (خضع الساحلُ السوريُّ للاحتلال الفرنسيِّ في عام 1918م)، وبعد أن ألقى المركبُ مرساته في مينائها وقف الاثنان على رصيفٍ فيه ينتظران قدوم بعض التجَّار، وإذا برجلٍ ينظرُ إليهما من بعيدٍ ويضحك.

لم يقفُ الأمرُ عند هذا الحدِّ، بل اقترب الرجلُ منهما وقد بدت عليه الملامح (الأوروبِّيَّة)، وكان يرتدي بذلةً عسكريَّةً (إنكليزيَّةً)، ويبدو أنَّه من الضبَّاط الذين يحملون رتبةً رفيعةً، وبادرهما السلام باللغة (العربيَّة)، فاعترت الرجلان دهشةٌ شديدةٌ، وسألاهُ: هل تعرفنا؟ فانفجر ضاحكاً، وأجابهما بما زاد دهشتهما: ((ما تذكَّرتو الشيخ “موسى الأعور” في حارتكم من أكتر من عشر سنين؟)).

بعد مدَّةٍ عاد الرجلان إلى مدينتهما ليقُصَّا الخبر على أعيان الحيِّ وأهله.

أقام هذا الجاسوسُ (الإنكليزيُّ) في مدينتنا تحت ستار الدِّين وعباءته، وأتقن اللغة (العربيَّة) وربَّما أتقن اللهجة المحلِّيَّة أيضاً. درس خلال إقامته أوضاع أحياء المدينة، وعائلاتها، وعادات أهلها وتقاليدهم، واستطاع أن يخدع الجميع في المدينة.

لكن السؤالُ هنا:

ما المهامُّ الرئيسة التي كان الجاسوسُ مُكلَّفاً بها، وما الذي استطاع أن يصل إليه، وماذا كتب لسلطات بلاده؟ الأمرُ في ذمَّة التاريخ، والله أعلم.

_ سمعتُ أنا (مُضر كنعان) هذه القصَّة من الأستاذ المحامي الشيخ (سعيد المطرجي) خطيبُ جامع (أرسلان باشا المطرجي) نقلاً عن والده الشيخ (علي المطرجي 1916 – 1987م) نقلاً عن جدِّه الشيخ العلَّامة (محمَّد سعيد المطرجي 1885 – 1954م) في أثناء لقاءٍ جمعني به في دائرة إفتاء اللاذقيَّة يوم الخميس 17 صفر 1438هـ (17 تشرين الثاني 2016م).


انظر:

ختمُ مفتِّش المدارس الابتدائيَّة في سنجق اللاذقيَّة 1911

بيانٌ رئيس فرع حزب البعث في اللاذقية حول نكبة فلسطين عام 1948م



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

مضر كنعان

باحث ومؤرخ وطالب دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر، ماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر عام 2016. من مواليد مدينة اللاذقية عام 1987م،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى