وثائق سوريا
تصريحات خالد بكداش حول الموقف من الوحدة السورية – المصرية عام 1958
نشرت صحيفة الأخبار في السادس عشر من كانون الأول عام 1958 تصريحات لـ خالد بكداش أمين الحزب الشيوعي السوري بمناسبة الحملات تناولت الشيوعيين بسبب موقفهم من الجمهورية العربية المتحدة.
بمناسبة الحملات التي تشنها أوساط معينة وصحف معروفة في لبنان ضد الشيوعيين وخصوصاً فيما يتعلق بموقفهم من الجمهورية العربية المتحدة ومن حركة الوحدة العربية بوجه عام، قابل مندوب “الأخبار” الأستاذ خالد بكداش الأمين العام للحزب الشيوعي السوري وألقى عليه عدة أسئلة أجاب عليها بصراحته المألوفة.
فقال:
إن هي إلا حملات إفتراء وفيها كل التشويه للحقيقة. ومن المؤسف أن هذه الحملات لا تصدر فقط عن الأوساط الاستعمارية مباشرة، بل كذلك عن بعض أوساط لبنانية قد تكون ضيقة ولكنها على كل حال تعلن أنها تؤمن بالقومية العربية وأنها تناهض الاستعمار، بينما هي في حملاتها هذه تلتقي في وضح النهار بحملات الاستعمار الأميركي.
وإذا كانت هذه الأوساط تعتقد فعلاً أن النضال ضد الاستعمار قد انتهى وأن المعركة في العالم العربي أصبحت كما كتب أحد أقطابهم “بين القوميين واللاقوميين” وان المعنى العملي لهذا الكلام، مهما كانت نية قائله، هو من الظروف الحالية المحيطة بالعالم العربي، الدعوة إلى إيجاد لغة مشتركة مع الاستعمار باعتبار أن الخطر على العرب، كما ينتج من أقوالهم، لم يعد خطر الاستعمار، بل “الخطر الآخر” على حد تعبير أديب العربية الكبير المرحوم عمر فاخوري. وهو ما كان يقول به نوري السعيد واضرابه. هذا هو المنزلق الخطير الذي ينزلق اليه اليوم أصحاب هذه الحملات.
ثم تطرق خالد بكداش إلى إيضاح الوضع، كما يراه هو وأخونه، فقال:
نحن من وجهتنا نعتقد، كما صرحنا مراراً، أن خطر الاستعمار ماثل بل يتفاقم ويحتدم ويتخذ أشكالاً مختلفة تجاه البلدان العربية. فهو في الشمال يأخذ شكل معاهدات ثنائية بين أمريكا وإيران وكذلك تركيا والباكستان.
وهو في المغرب العربي يأخذ شكل حرب إبادة وحشية تشنها فرنسا ضد الشعب الجزائري.
وهو في الجنوب العربي يأخذ شكل مجازر تنظمها بريطانيا ضد شعب عمان وعدن.
وهناك إسرائيل: القاعدة الاستعمارية الصهيونية العدوانية التي لا تهدأ ولا تفتر.
وهناك الوضع في الأردن وفي السعودية، وهناك محاولات التفرقة والتهديم التي تتمثل في مواقف بورقيبة.
وهناك المساعي الرامية إلى تعكير صلات الصداقة والإخاء بين الجمهورية العراقية والجمهورية العربية المتحدة، وهناك المؤامرات ومساعي التخريب الاستعمارية في داخل كل دولة عربية متحررة. وهناك.. وهناك.. وأردف الأستاذ خالد بكداش:
ان الاستعمار عدو شرس. وهو لم يتخل ولن يتخلى بسهولة عن أهدافه الاستراتيجية في المنطقة “سياسة الأحلاف والقواعد العسكرية” ولا عن نهبه الاقتصادي “سياسة التمكين للسيطرة الاستعمارية على بترول المنطقة وسياسة الاستيلاء على الأسواق والعمل على تسرب الرساميل الاستعمارية بأشكال مختلفة من الغرب إلى جميع الدول العربية”.
ومن المفهوم أن أخطار التوسع الاستعماري والسياسي والاقتصادي والعسكري هذه، تتفاقم مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في العالم الرأسمالي، هذه الأزمة التي بدأت في الولايات المتحدة وأخذت تنتشر في بلدان أوربا الغربية أيضاً.
لهذا كله، قلنا ونقول أن هذه الزاوية، زاوية الخطر الاستعماري الماثل بل الداهم والمتفاقم، ينبغي النظر إلى مجموع القضية العربية وإلى كل قضية تتصل بالسياسة الخارجية أو الداخلية في أي قطر عربي. وهذا ما نتوخاه نحن في سياستنا.
فكيف يمكن رد الأخطار الاستعمارية؟ لا يمكن ردها إلا بقوة الشعب. فينبغي اطلاق هذه القوة. والطريق إلى ذلك هي الديموقراطية. هذا أولاً.
وثانياً، لا يمكن رد الأخطار الاستعمارية لا بالتحابب والتآخ والتعاضد بين الشعوب العربية. فلو تساءلنا: بعد أن فشل الاستعمار في محاولاته العدوانية المباشرة وفي مؤامرات النسف من الداخل، ما هو مخططه الآن؟ فكان الجواب: ان مخطط الاستعمار الآن، وأعني خصوصاً الاستعمار الأميركي الذي يحاول ايهام البعض بأنه ينوي تغيير سياسته تجاه العرب، هو التهيئة لمحاولات عدوانية جديدة، ولمؤامرات تخريبية جديدة، عن طريق الإيقاع بين العرب، عن طريق نسف التحابب والتآخي والتعاضد بين الشعوب العربية.
فما دام الاستعمار موجوداً، فهذه الناحية، ناحية التحابب والتعاضد والتآخي بين الشعوب العربية، تبقى الناحية الرئيسية في حركة التحرر العربي وبالتالي في حركة الوحدة العربية في مرحلتها الحالية. فكل ما يمكن أن يمس هذه الناحية أو أن يؤثر فيها تأثيراً سلبياً، ينبغي اجتنابه. ولهذا نقول بأن حركة الوحدة العربية، لا يمكن أن تقوم قبل كل شيء الا على أساس التحرر من الاستعمار. وينبغي، لكي تسير بنجاح إلى أمام، أن تتحقق بالأساليب الديموقراطية الصحيحة وأن تبنى كذلك على أساس الديموقراطية وعلى أساس أن تؤخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية التي تكونت تاريخياً في كل بلد عربي.
وثالثاً، من أجل رد أخطار الاستعمار، وصون الاستقلال الوطني والسير بحركة التحرر العربي إلى أمام، لا بد من توطيد أواصر الصداقة أيضاً وأيضاً مع المعسكر الاشتراكي وعلى رأسه الاتحاد السوفيتي.
وهي ناحية لا تحتاج إلى شرح طويل، فالتجارب نفسها قد أقنعت كل وطني عربي بذلك.
تلك هي الاعتبارات التي ننطلق منها في وضع سياستنا. فنحن لا ننطلق اذن من اعتبارات ضيقة تتصل مثلاً بأهواء جماعة أو مصالح فئة أو كتلة معينة، بل ننطلق من اعتبارات وطنية، من اعتبارات قومية بالدرجة الأولى.
وعلى هذا الأساس، يمكن تلخيص موقفنا كما يلي:
ان توطيد استقلال الجمهورية العربية المتحدة، واحباط مكائد الاستعمار ومؤامراته الموجهة ضد حركة التحرر العربي بوجه عام، ودعم فكرة الوحدة العربية على أساس التحرر التام من الاستعمار وعلى أساس الديموقراطية، هي أهداف قومية ووطنية كبرى ينبغي لتحقيقها اتحاد جميع القوى الشعبية والوطنية في سوريا، في سبيل انتهاج سياسة تقوم على الأسس التالية:
1- يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، في الحكم والإدارة، الظروف الموضوعية في كل من سوريا ومصر وذلك عن طريق انشاء برلمان وحكومة للأقليم السوري، وبرلمان وحكومة للأقليم المصري، إلى جانب برلمان مركزي وحكومة مركزية تهتم بقضايا الدفاع الوطني والسياسة الخارجية وغيرها من القضايا المشتركة. وينبغي أن تتألف جميع هذه الهيآت بالأساليب الديموقراطية على أساس انتخابات نيابية عامة وحرة بدون قيد.
2- إطلاق الحريات الديموقراطية: حرية الصحافة والنشر والاجتماع وحرية التظاهر والاضراب، وحرية الجمعيات والنقابات وتأمين حق الجماهير الشعبية وسائر القوى الوطنية في التنظيم السياسي بحرية تامة.
3- تمتين عرى الاخاء والتعاون مع الجمهورية العراقية الشقيقة لخير العرب جميعاً.
4- تقوية عرى الصداقة مع الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية وسائر بلدان العالم الاشتراكي، وذلك لدعم استقلالنا الوطني وتأمين التطور الصناعي والزراعي في البلاد
5- الوقوف بحزم في وجه الاستعمار الأميركي ومناوراته والنضال ضد محاولاته الرامية إلى إيقاعنا في شباكه تحت ستار التظاهر كذباً ونفاقاً بأن أميركا تنوي تغيير سياستها نحو العرب.
6- صيانة الاقتصاد السورية، خصيصاً الإنتاج الصناعي، والعمل على تشجيعه وتطويره. وإيجاد أسواق لتصريف المنتجات الصناعية والمحصولات الزراعية وخصوصاً القطن والقمح، وبذل الجهود للإسراع في تنفيذ المشاريع التي نصت عليها الاتفاقات المعقودة عام 1957 بين سوريا والاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية الأخرى.
7- تنظيم الصلات التجارية والاقتصادية بين الاقليمين السوري والمصري على أسس تؤمن التطور الاقتصادي، وخصوصاً التطور الصناعي، لكلا الاقليمين.
8- النضال ضد تغلغل الرساميل الاستعمارية، الأميركية والبريطانية وكذلك الرساميل اليابانية والإيطالية ورساميل المانيا الغربية. والعمل بحزم لاحباط المحاولات الاستعمارية الخبيئة الرامية إلى بسط سيطرة الرأسمال الاستعماري الأجنبي من جديد على اقتصادنا الوطني.
9- ان الاصلاح الزراعي يجب أن يكون شاملاً لكي يؤمن الأرض لجميع الفلاحين السوريين الذين لا يملكون أرضاً، مع مراعاة نوع الأرض ودرجة خصوبتها ومياهها وموقعها. ومن الضروري اتخاذ التدابير لتأمين البذار والأدوات والقروض للفلاحين الذين تعطى الأرض لهم مما يؤدي إلى المحافظة على مستوى الإنتاج الزراعي في سوريا والمساعدة على ارتفاعه.
10- صيانة أجور العمال السوريين والسعي لايجاد عمل للمتعطلين عن العمل واحترام حقوق العمال في حرية التنظيم النقابي وفي الاضراب والمحافظة على مكتسباتهم المنصوص عليها في قانون العمل السوري.
11- تنشيط التجارة والعمل على توسيعها وذلك بتقوية العلاقات التجارية بين الإقليم السوري والجمهورية العراقية وجمهورية لبنان وسائر الدول العربية وكذلك مع بلدان العالم الاشتراكي.
12- رفع مستوى الشعب العام معاشياً وثقافياً واجتماعياً وصون الفضيلة والأخلاق.
13- رفع مستوى العلم بوجه عام، وصيانة واحترام تقاليد الطلاب السوريين الوطنية والديمقراطية وصون حقوقهم الثقافية والديمقراطية التي حصلوا عليها بنضالهم الطويل.
وختم خالد بكداش تصريحه قائلاً:
تلك هي وجهة نظرنا, وقد أيدناها منذ البداية بكل صراحة ووضوح وأمانة. وقد برهن تطور الأحداث أننا على حق.
صحيفة الأخبار، بيروت، العدد 228 الصادر 16 كانون الأول في 1958م.
انظر:
النص الرسمي للبلاغ الصادر عن أعمال المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي السوري عام 1969
صحيفة النهار 1972: بكداش يؤكد حدوث الإنشقاق في الحزب الشيوعي السوري
رسالة خالد بكداش إلى الكتلة الوطنية في سورية عام 1937