You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالاتوثائق سوريا

بيان حزب البعث حول الاعتداء على استقلال لبنان 1943

حول الاعتداء على استقلال لبنان .. بيان ميشيل عفلق عام 1943


ليس الاعتداء الفرنسي على استقلال لبنان(1) وحكومته الدستورية بأول اعتداء توقعه فرنسا ببلادنا، بل هو حلقة من سلسلة طويلة تبدأ منذ ربع قرن، ولكن في يد السوريين اليوم ومن واجبهم ان يجعلوه آخر الاعتداءات الفرنسية وخاتمة السلسلة المحزنة المخزية.

منذ سنتين ونصف السنة لدى دخول الحلفاء سوريا، اذاع الجنرال كاترو بالنيابة عن الجنرال دوغول منشورا الى السوريين واللبنانيين قال فيه: (انني قادم اليكم لإنهاء عهد الانتداب ولأعلن حريتكم واستقلالكم وستصبحون من الآن فصاعدا شعبا حرا ذا سيادة). واليوم في لبنان يقوم المندوب الفرنسي بنسف عهد دستوري وطني من اساسه بقرار كيفي، مدعيا الاستناد على صك الانتداب الذي أعلنت فرنسا انتهاءه.

ذلك هو منطق فرنسا: تلغي الانتداب ثم تتذرع به، تعترف باستقلال بلد ثم يقضي مندوبها على مجلس نواب هذا البلد ويزج رئيس جمهوريته ورئيس حكومته ووزرائه الشرعيين في السجون. فهل يجوز للسوريين ان يعلقوا أي أمل على استقلال كهذا؟ ان سوريا لم تعترف بالانتداب يوما من الأيام، لذلك لا ترى نفسها مرتبطة بعقد معاهدة كيما تنهيه. وهي لا تعتبر الإستقلال منحة وهبة بل حقا طبيعيا لها. وقد جاء ميثاق الاطلنطي مؤيدا لحقها هذا بصورة عامة، كما أيده بصورة خاصة تصريحات سفير بريطانيا في مصر، والمستر تشرشل وممثلي فرنسا المحاربة والحكومات العربية. فما على سوريا الا ان تمارس استقلالها بكل عزم وجرأة وان تزيل من دستورها ما يعارض هذا الإستقلال دون اضاعة للوقت والجهد في المفاوضات العقيمة. لقد آن للسوريين ان يقنطوا من سياسة المفاوضات ويكتشفوا خدعتها، ففرنسا تموه بها منذ خمسة عشر عاما وتنجح في شل الحركة القومية واخماد جذوتها. ومن العبث الادعاء ان تهديم الدور الوطني في لبنان كان نتيجة لجرأة الاسلوب الذي اتبعته حكومته الدستورية، فان لفرنسا في هذه البلاد سياسة تقليدية تستوي في نظرها الجرأة واللباقة اذا ما احرجت واضطرت الى بحث جوهر الامور، اي ما يمس سيطرة فرنسا السياسية والاقتصادية على سوريا. اما المفاوضات فلا تلجأ اليها الا بغية كسب الوقت لتسديد الضربة فى الحين المناسب وتثبيت دعائم استعمارها المزعزع.

ومن التضليل الفاحش ان يفرق ذلك التفريق الصنعي بين السياسة السورية وبين ما يجري الآن في لبنان، وان يتوهم ان سوريا تستطيع تحقيق استقلالها بثقة واطمئنان بعد ذلك الإنذار غير المباشر الذي وجهته اليها السلطة الفرنسية، لان فرنسا لم تقصد باعتدائها لبنان وحده، ولم تقصده بالدرجة الاولى، ولكنها أرادت من وراء عملها تثبيط عزائم السوريين وتهديدهم بما ينتظرهم اذا هم تطلعوا الى الإستقلال الفعلي وتسلم الصلاحيات بشكل جدي.

وبعد فليس مصيرنا ومصير لبنان واحدا فحسب، بل ان مصيره ليقرر مصير قسم خطير من البلاد العربية، وقد لخص الرئيس رياض الصلح ذلك بقوله: “نحن لا نريده للاستعمار مقرا والبلاد العربية لا تريده للاستعمار اليها ممرا”.

من كل ما تقدم يترتب على السوريين واجبات أساسية هي:

1- ان يعتبروا قضية لبنان قضية العرب عامة وقضية سوريا بوجه خاص وان يشتركوا في مناصرتها اشتراكا فعليا يقتضيه منهم التضامن القومي ومصلحة البلاد.

2- ان يتصلوا بنواب الأمة ويؤازروهم في الاهتمام بقضية حيوية كهذه تناولتها بالبحث مجالس الامم البعيدة عنا علاوة على مجلس حكومات الأقطار العربية.

3- ان يوجهوا بواسطة المجلس النيابي السياسة الحكومية نحو التضامن التام مع لبنان ووضع حد لسياسة التريث والمفاوضة وتمثيل دور الوسيط.

4- تأييد قرار مجلس النواب العراقي بإجلاء القوات الفرنسية عن سوريا ولبنان.

“أمة عربية واحدة     ذات رسالة خالدة”

ميشيل عفلق     صلاح الدين البيطار

دمشق في 14 تشرين الثاني 1943

(1) هذا البيان عن الأزمة اللبنانية به ناحيتان، ناحية عقائدية وناحية سياسية. الناحية العقائدية هي تجسيد فكرة الوحدة العربية فى العمل، اي دفع الشعب الى الاهتمام بقضايا ومصير بقية الاقطار العربية ليعرف ويلمس بالتجربة النضالية وحدة المصير العربي. وهذا يشبه الموقف الذي وقفه الحزب في الاشهر الاولى لتأسيسه من ثورة العراق (1941)، اذ كان القصد الاساسي من موقفه من ثورة العراق هو ايضا تجسيدا عمليا لإيمانه بالفكرة العربية.

الناحية السياسية، عبر فيها الحزب عن رأيه وتجربته وتجربة الشعب في سوريا في اسلوب المفاوضات مع المستعمر. كان الرجال الذين استلموا قيادة النضال الوطني في سوريا منذ عام 1928متهالكين على المفاوضات مع الفرنسيين، وكانت السلطه الفرنسية تعرف هذا التهالك عندهم وتستغله لتمويت النضال الشعبي بالمماطلة والتسويف، وقد حصلت تجربة المفاوضات اكثر من مرة وكانت نتيجتها في كل مره الخيبة وعودة الإستعمار الى سابق نفوذه بعد ان كاد النضال الشعبي ان يقضى عليه. ولكن اسلوب القيادة الوطنية القديمة كان اسلوبا ضعيفا متناقضا يفضح ضعف كفاءة القيادة وضعف تجردها لانها كانت تمثل المصالح الطبقية وتنجح دوما الى المساومة والتسوية وانصاف الحلول خشية المضي مع الشعب في النضال العنيف الى نهايته. وكانت سوريا في ذلك العام مقبلة على مرحلة من هذا النوع بعد انتخابات وقيام حكم وطني – أي مقبلة على مفاوضات مع الفرنسيين لاستلام ما كان يسمى بالصلاحيات. واذا بأزمة لبنان تستبق احداث سوريا وتأتي كالنذير فاضحة مرة جديدة سوء نوايا الفرنسيين. فكان على الحزب اذ يستغل هذه المناسبة ليعطي للشعب ولرجال السياسة برهانا جديدا حيا على ضرر اسلوب المفاوضات بالطريقة التي سنها رجال الكتلة الوطنية. سوف يظهر في البيانات التالية بين 1943 و 1945  تأكيد الحزب على هذه الناحية ومطالبته الدائمة للشعب وللحكومة والمجلس النيابي بان لا يركنوا الى سياسة المفاوضات. وان تمارس الحكومة صلاحيات الدولة المستقلة مستنده الى حق البلاد في ذلك والى دعم الشعب لها.

وأخيرا ينبئ هذا البيان عن موقف الحكومة السورية المتخاذل من أزمة لبنان ومن العدوان الفرنسي على حكومة لبنان الوطنية لانها لم تحرك ساكنا في حين احتجت جميع الحكومات العربية والمجالس النيابية اعنف احتجاج، وكل ذلك حرصا منها على حسن العلاقات مع الطرف الفرنسي استعدادا لبدء المفاوضات. ولما تحركت الحكومة السورية تحت الضغط الشعبي اتخذت حركتها شكل وساطة بين فرنسا ولبنان، فهاجمها الحزب من هذه الناحية ووضع وحدة القضية العربية وبصورة خاصة وحدة مصير سوريا ولبنان.


انظر مقالات ميشيل عفلق:

في الثلاثينيات:

عهد البطولة 1935
ثروة الحياة 1936

في الأربعينيات:

 القومية حب قبل كل شئ 1940
 القومية قدر محبب 1940
في القومية العربية
1941
نفدي العراق 1941
ذكرى الرسول العربي 1943
التفكير المجرد 1943
واجب العمل القومي
1943
الإيمان
1943
المثالية الموهومة
1943
المثالية الواقعية
1943
البعث والمعركة الانتخابية الأولى
1943
حول الاعتداء على استقلال لبنان
1943

انظر ايضاً:

ميشيل عفلق: التنظيم الإنقلابي

ميشيل عفلق: البعث العربي هو الانقلاب

ميشيل عفلق: حزب الانقلاب

ميشيل عفلق: الدور التاريخي لحركة البعث

ميشيل عفلق: الحركة الفكرية الشاملة

المصدر
ميشيل عفلق - في سبيل البعث



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى