You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

مروان حبش: الأحداث الدامية

 مروان حبش– التاريخ السوري المعاصر

في اليوم السادس من شهر آذار أبلغ الناصريون البعثيين والعقيد الحريري أنهم يفضلون إرجاء الحركة والتسرب قليلاً قليلاً إلى الأركان العامة ووحدات الجيش ما دامت قيادة الجيش نفسها تسعى لتعيين الناصريين في مواقع نافذة، وهذا سيسهل عملية القيام بانقلاب أبيض، ولكن الحقيقة كما توضحت فيما بعد أنهم كانوا يعدون للقيام بانقلاب لوحدهم في 11 آذار(2).

ويؤكد الرائد البعثي فؤاد منذر الذي كانت كتيبته الـ م/ط ترابط أمام مبنى الجامعة السورية، بأن الرائد الناصري شايش التركاوي اتصل به يوم 9 آذار 1963 ليعمل معهم في حركة انقلابية، أو يُبعد كتيبته عن مكان تواجدها، وذلك مقابل أي مركز يريد استلامه، وأخبر الرائد منذر رفاقه بهذا الاتصال.

وورد في مذكرات صلاح نصر ص 363 و364: “في مطلع شهر تموز/يوليو1963، كان التقييم

الذي تقدم به جاسم علوان إلى الرئيس عبد الناصر يُشير إلى أن احتمالات نجاح حركة مسلحة ضد

الوضع البعثي القائم في سورية، بالرغم مما اكتسبه من قوة خلال الأشهر الأخيرة، أمر ضعيف الاحتمال وقد يكون من الأفضل المرور بفترة هدوء مناسبة تساعد على تدعيم التنظيم الوحدوي والتمكن من التأكد من سلامته، غير أن عبد الناصر كان يرى أن كل يوم يمر يُدَعِم فيه البعث مركزه، ومن ثم فإن سرعة العمل ضده أمر واجب”.

وبعد عودته إلى دمشق، قام جاسم علوان، قائد الانقلابات الجهيضة، بتحديد ساعة الصفر للحركة في الساعة الحادية عشرة صباحاً من  يوم 18 تموز لتنفيذ الانقلاب وأخطر عبد الناصر بذلك. وفي حال نجاحه يُعلِن الانقلابيون إعادة الوحدة كما كانت قبل 27 أيلول 1961، ومن هذا المنظور وافق الرئيس عبد الناصر على استقبال وفد من المجلس الوطني صباح 18تموز، برئاسة رئيسه الفريق الأتاسي، وعضوية الدكتور سامي الجندي، العقيد فهد الشاعر، والعقيد محمد عمران، وكان هدف الوفد إجلاء الغموض الذي أحاط بالوحدة الثلاثية وأملاً بأن يُعيد الرئيس ناصر النظر في قراره، وتأكيد أن موقف سورية لم يتبدل وهو الحرص على ميثاق الوحدة الاتحادية الثلاثية، والإصرار

على تنفيذه، وأن تحقيق الوحدة يتم بالتعاون والتفاعل بين الثورات وتعايشها والإقرار بوجودها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نسي الرئيس كمْ نَقَل وسرح من الضباط البعثيين أيام الوحدة.

(2)سامي الجندي – البعث-ص112.

 

وصل الوفد إلى الإسكندرية حيث كان يُقيم الرئيس ناصر، وعُزِل عن وسائل الاتصال والإعلام  وهو ينتظر الاجتماع مع الرئيس، وبعد أن اطمأن الرئيس إلى أن الرصاص بدأ يدوي في دمشق ضُحى يوم 18/7 ، التقى بأعضاء الوفد، وما أن بدأت المباحثات حتى دخل أحد موظفي الرئاسة وقدم للرئيس ورقة صغيرة اطلع عليها وأبلغ الوفد أن انقلاباً حدث في دمشق.

أصبح معروفاً أن انقلاباً وشيك الوقوع سيقوم به الناصريون، وكان التوجيه للعسكريين البعثيين بضرورة تواجدهم الدائم في وحداتهم لإحباط تلك المحاولة, وحين توافرت كل المعلومات عن الخطة الانقلابية، وعُرفت قيادتها “جاسم علوان، محمد الجراح، محمد نبهان، رائف المعري ، يوسف مزاحم”، شُكلت مفارز من الأمن لاعتقالهم، ولكنهم كانوا قد تواروا قبلاً، إلى المقر الذي سيقودون منه انقلايهم، وبدلاً من أن يُدركوا بأن أمرهم أصبح مكشوفاً, وأن الإقدام على عمل عسكري هو مجرد حماقة فاشلة ولن ينتج عنها إلاّ سفك الدماء، رغم ذلك استمروا في تنفيذ ما كانوا قد بيَّتوه.

حاولت بعض العناصر العسكرية المسرحة الدخول ليل 17-18/ 7 إلى معسكر المعضمية ومعسكر القابون، وتم إلقاء القبض عليها قبل تمكّنهم من ذلك.

وفي الساعة العاشرة والربع من صباح يوم 18 /7 علم المقدم صلاح جديد رئيس لجنة شؤون الضباط بأن النقيب المسرح محمد نبهان، من أنصار السراج،  وبعض العناصر المدنية بدأت تتوافد إلى مقر سرية خدمات الأشغال العسكرية، المحاذي من جهة الشرق لمبنى قيادة الجيش، وبالاتفاق مع بعض العناصر في

تلك السرية وُزعت الأسلحة على الوافدين، فطلب المقدم جديد من الرائد توفيق بركات رئيس فرع الأمن العسكري في المخابرات العسكرية، التأكد من الخبر و في حال صحته اعتقال النقيب نبهان.

استدرج الرائد بركات وبرفقته الملازم مصطفى الفلاح النقيب نبهان ورافقه إلى مبنى قيادة الجيش، ولم يُبد أية ممانعة خوفاً من إحباط المخطط وكشف المؤامرة، وتم اعتقاله في سجن المزة العسكري، وبدأ التحقيق معه بإشراف اللواء أمين الحافظ، وزير الداخلية، رئيس الأركان.

وفي الوقت نفسه بدأت عناصر مدنية أخرى من كتيبة الفدائيين الفلسطينيين المنحلة، وبعض العسكريين المسرحين تتجمع في البساتين المواجهة لمبنى قيادة  الجيش من الجهة الشمالية الغربية “شارع نهرو وحديقة تشرين ومنطقة الحواكير حاليا”، كما سيطر بعض العسكريين بقيادة العقيد هشام شبيب على مدرسة الإشارة “مبنى كلية المعلوماتية حالياً”، وفي ساعة التنفيذ اتصل مساعد في الجيش من عناصر الإشارة بالأركان العامة مُعرفاً عن نفسه بالعقيد بحري كلش، منذراً ببدء الانقلاب ومهدداً كل من يعترضه.

قامت العناصر المحتشدة في مبنى الأشغال العسكرية وفي البساتين بمهاجمة حراسة الأركان وسرية المراقبة المتواجدة في المعرض وحول مبنى الإذاعة، التي قام أحد الناصريين العاملين فيها بتعطيلها عن البث ساعة بدء الهجوم، كما قام المتواجدون في مدرسة الإشارة بمؤازرة المهاجمين وإطلاق وابل من الرصاص من مواقع تُشرف على ساحة الأمويين، وعدا ذلك لم يكن بمقدورهم السيطرة على أية قطعة عسكرية.

على إثر هذا الهجوم، انطلق المقدم صلاح جديد إلى مدرسة المدرعات في القابون وقاد سرية الدبابات التي يقودها النقيب صبحي إبراهيم إلى موقع مدرسة الإشارة في البرامكة، وأشرف على عملية إنهاء هذا التمرد، كما شارك في القضاء عليه كلٌ من:

فرع الشرطة العسكرية بأمرة الرائد أحمد سويداني.

سرية دبابات الأركان بأمرة النقيب محمود حمرا.

سرية المراقبة بأمرة النقيب سليمان حداد.

كتيبة المغاوير المتمركزة حول الإذاعة بأمرة النقيب سليم حاطوم.

كتيبة مدرعات من اللواء 70 بأمرة الرائد علي مصطفى.

كتيبة المغاوير 22 بأمرة النقيب سليمان العلي، وكانت مهمتها تنظيف البساتين من العناصر المتمردة.

كما ساهم الحرس القومي الذي كان قد صدر مرسوم تشكيله بتاريخ 26/6 في المحافظة على الأمن في شوارع المدن الكبرى لمنع أي أعمال تخريبية.

هكذا تم إحباط هذه المحاولة الانقلابية بسرعة بعد أن سالت دماء غزيرة وبريئة، وطُوقت العناصر التي ساهمت فيه وألقي القبض على عدد من المهاجمين المسؤولين عن سفك الدماء.

ومساء ذلك اليوم الدامي صدر المرسوم 110 القاضي بتشكيل مجلس عرفي في دمشق وفي المدن الأخرى عندما تدعو الحاجة، وباشر المجلس العرفي في دمشق برئاسة المقدم  صلاح الضللي جلساته في سجن المزة العسكري يوم 19/7 ، وأصدر أحكاماً بالإعدام، رمياً بالرصاص، على 22 شخصاً من بينهم 8 عسكريين “ضابط واحد وهو العقيد هشام شبيب رئيس أركان سلاح الإشارة، وخمسة  برتبة مساعد، وإثنان برتبة رقيب من سلاحي الإشارة والأشغال العسكرية” ، و12 مدنياً من الكتيبة الفدائية المنحلة.

وبعد ذلك تشكلت محكمة عسكرية استثنائية برئاسة المقدم الضللي، أيضاً, وحاكمت رؤوس المؤامرة بعد أن تم إلقاء القبض عليهم، وصدر في يوم 18 تشرين الأول، الحكم  بالإعدام على “جاسم علوان ومحمد الجراح ورائف المعري ومحمد نبهان”.

وبناء على طلب الرئيس عبد الناصر في مؤتمر القمة الأول الذي انعقد في القاهرة ما بين 12-17 كانون الثاني1964أُطلق سراحهم بمرسوم عفو، وتم تسفيرهم إلى القاهرة، عدا محمد نبهان الذي آثر السفر إلى الجزائر لعلاقات تربطه وتربط عائلة زوجته بمسؤولين من جبهة التحرير أيام حرب الاستقلال.

بعد فشل هذا الانقلاب الدموي أصدر رئيس الوزراء الأستاذ صلاح البيطار بياناً حول هذه المحاولة الانقلابية جاء فيه: “لقد وقع اليوم ما كنا نتوقعه من أيام، بل من أشهر، من قِبَل من أنكروا ثورة 8 آذار وتنكروا لها وارتدوا عنها، فارتدوا عن أحد مقومات الوحدة الثلاثية، نعني الثورة التي قضت على الانفصال، على الردة الانفصالية، وشقت للوحدة أوسع طريق ليدخلها شعبنا العربي من أوسع باب.

لقد كنا دوماً على يقين بأن ما يُبَيّت ليقع لا بد وأن يُقبر في مهده. وهكذا كان، لقد قُضي على الفتنة النكراء وعلى الجريمة التي ارتكبها المتآمرون بحق الشعب وبأهدافه القومية”.

بعد فشل هذه المحاولة الانقلابية، أعلن الرئيس ناصر يوم 22 تموز، انسحابه من ميثاق 17 نيسان، وفي خطابه يوم 23 تموز صبّ جام غضبه على البعث وثورته في سورية، وعاد إلى ترديد اسطوانته القديمة: “… إذا كان حزب البعث هو اللي بيحكم سورية، وحدة مع حزب البعث متأسف، أنا متأكد بعد ثلاث شهور حايرجع حزب البعث بأساليبه ووسائله حايهدم كل حاجة، لا وحدة مع حزب البعث الفاشستي أما الوحدة فهي مع الشعب السوري المناضل إحنا وقعنا الاتفاقية مع سورية موقعناهاش مع حزب البعث ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتعامل مع الفاشيست مع مغتصبي إرادة الشعب”.

وفي بيان للقيادة القومية بتاريخ 17 أيلول، وهو الموعد الذي كان محدداً للاستفتاء على ميثاق 17 نيسان، ورد: “ولكن الرئيس عبد الناصر لم يكن راضياً ومقتنعاً بمفهوم الوحدة الثلاثية بل كان ينشد عودة الوحدة الثنائية السابقة بدون أي تطوير بغرض رد اعتباره الشخصي بالدرجة الأولى ولذلك اعتبر توقيع ميثاق الوحدة الثلاثية مأتماً له ولأعوانه كما اعترف بذلك فيما بعد لكل من الوفدين السوري والعراقي، ونظراً لعدم إيمان الرئيس عبد الناصر بميثاق 17 نيسان وبأسسه كانت النقاط التي اعتبرها الحزب ثغرات في الميثاق تُعتبر بنظر الرئيس عبد الناصر ضمانات لسيطرته وحكمه بينما اعتبر الضمانات التي نصّ عليها الميثاق ثغرات تهدد محاولته في إعادة الوحدة الثنائية وتبدد تجربته في القطر المصري”.

بعد عشرة أيام، من عودة الوفد من القاهرة، أي يوم 28 تموز  1963، تقدم الفريق لؤي الأتاسي باستقالته من رئاسة مجلس قيادة الثورة متذرعاً بأن البعث هو الحاكم ورئيس المجلس يجب أن يكون بعثياً، وبعد اعتذار الأستاذ صلاح البيطار عن أن يكون رئيساً للمجلس، وإصراره على أن يكون الرئيس عسكرياً، تمت تسمية اللواء أمين الحافظ لهذا المنصب(1).  وفي 12 / 11/1963 صدر المرسوم 255

بترفيع المقدم صلاح جديد إلى رتبة اللواء وتسميته رئيساً للأركان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رُفِع إلى رتبة الفريق بتاريخ 20/4/1964.

 

 



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى