من الصحافة
عبد الرحمن الشهبندر: قصة الاجتماع الأول للثورة السورية الكبرى عام 1925
نشرت مجلة ” التعارف في الرابع والعشرين من تشرين الأول عام 1936م، مقالة بعنوان: ( صفحة من تاريخ الثورة السورية .. الدكتور عبد الرحمن الشهبندر ، يروي قصة الاجتماع الأول من هنا ابتدأت الثورة وهكذا عمت انحاء سورية)، تحدث في عن تفاصيل حول بدايات إنطلاق الثورة السورية الكبرى في دمشق وريفها في شهر آب عام 1925م.
فيما يلي النص الكامل الذي نشره الدكتور عبد الرحمن الشهبندر:
(في الساعة الأولى بعد منتصف ليلة 21 آب 1925 في نهاية جلسة سرية عقدناها في بيت أخينا المجاهد المحترم الحاج عثمان الشرباتي في الصالحية أخبرنا أحد المندوبين الثلاثة الذين وجهناهم إلى جبل الدروز وهو المرحوم الشهيد الكريم السيد توفيق الحلبي أن الإتفاق قد تم على أن نخرج بالخيل والرجال إلى جوار قرية الكسوة لندخل دمشق عنوة نحن المجاهدون مع إخواننا في الجبل في صباح الإثنين 23 آب أي بعد ثمان وأربعين ساعة من ذلك الإجتماع.
وبعد البحث في جميع الخطط العملية الممكنة ورد مالا يمكن تطبيقه قررنا بالإجماع أن نتخذ إحدى قرى الغوطة وهي من أملاك أحد المؤتمرين محلاً نجتمع فيه في اليوم التالي لنكون مع إخواننا المجاهدين مع بني معروف في جوار الكسوة في الوقت المتفق عليه.
قضيت مصالحي يوم السبت ودعوت نسيبي نزيه بك المؤيد العظم وكان على علم بجميع ما جرى فتهيأ وأخذنا كل ما نحن في حاجة إليه من سلاح وملبس وطعام وركبنا سيارة وانطلقنا فالتقينا بثلة من الدرك الوطنيين خارج السور من جهة الباب الشرقي ولكن سواد الليل حال دون معرفتهم لنا مع حرصهم الشديد على حراسة الطريق وإيقاف كل مار في تلك الأيام العصيبة، فلما بلغنا القرية لم نجد أحداً من المؤتمرين قدمها سوى يحيى حياتي بك فقضينا الليلة نبحث في الاحتياجات مثل الخيل والزاد والسلاح، مع أن الساعة الرهيبة أزفت وخطر اكتشاف الخطة بات شديداً، وكان بيتي عرضة للتحري وكان ثلاثة رجال من “الخليفة” لا يفارقونه من الصباح إلى المساء يسجلون أسماء الداخلين إليه والخارجين منه فرأينا من الموافق أن نعود قبل أن تثبت الشبهة علينا وعلى إخوتنا من جراء تغيبنا لأن قائمة بالقبض على أربعة وعشرين شخصاً كانت معقدة على مكتب رئيس الحكومة فعدنا من حيث أتينا دون أن يشعر أحد بسفرنا.
وبعد وصولي بساعتين جاءني أحد الأصدقاء وأخبرني أن الكابتن عطاف الجزائري مرافق الجنرال ميشو يود مقابلتي ليتحادث إلي في الشؤون الحاضرة فقابلته عند الظهر وجرى بيننا حديث مستفيض تبين له منه أنه أرسل إلي من قبل الجنرال فوجدت من الضروري أن أعقد اجتماعاً آخر معه نتم فيه حديثنا ونستكشف ما عنده من الأسرار فتم هذا الاجتماع في الساعة الرابعة من بعد ظهر ذاك اليوم وكانت خلاصة مطالبه أن نستعمل نفوذنا لدى إخواننا المجاهدين ليخلدوا إلى السكينة.
وقد خامرنا الريب والشكوك في أمره وازداد اعتقادنا أن الغاية من ملاطفتنا هي تخدير أعصابنا والسعي لحجز حريتنا وإخراجنا من صفوف القتال خصوصاً لأن موعد اللقاء قد تحدد على مقربة من قرية الكسوة في صبح اليوم التالي وهذا أصبح بالبداهة مستحيلاً. فارتأى كل واحد منا أن يخرج إلى مكان يضمن فيه حريته ليكون جاهزاً للعمل فركبت سيارتي ومعي نزيه بك المؤيد وخرجنا مزودين بالسلاح إلى جهة الزبداني وكذلك فعل بقية الرفاق الذين توجهوا إلى زحلة وغيرها.
وقضيت السهرة في الزبداني وكذلك صباح اليوم التالي، مع العلامة المرحوم أحمد باشا زكي والزميل الكريم الدكتور محجوب ثابت وقبيل العصر كنت في طريقي على متن الجبال الشاهقة على ارتفاع نيف وألفي متر عن سطح البحر فدخلنا كهفنا ونمنا فيه، وفي منتصف الليل جاءنا شرطي يخبرنا أن الجنرال سراي يطلبنا لإتمام المفاوضة التي بدأت مع الكابتن عطاف فأخذنا كل حيطة لهذه الدسيسة التي لم تخف علينا ولولا ذلك ما نجونا من الوقوع في الشرك الذي كان منصوباً لنا في الزبداني والذي دلت عليه برقية من مستشار البوليس الفرنسي بوجوب تعقبنا ومقابلتنا إذا اقتضى الحال بالسلاح.
وجهنا وجهنا وجوهنا شطر الغوطة من طريق لا تخطر على بال، إذ بينما كان البحث عنا يدور في الغرب كانت خيلنا ورجالنا تتجمع وتستعد في الشرق، وهكذا يممنا نحو الجبل في الوقت الذي كان القوم يتحدثون فيه عن وصولنا إلى ثغر حيفا في فلسطين سالمين!
واندلعت الثورة من الجبل وعمت سوريا من أقصاها إلى أقصاها).
انظر:
اغتيال الدكتور عبد الرحمن الشهبندر
من مذكرات أكرم الحوراني- الشهبندر يعارض من منفاه ويدافع عن عروبة لواء الاسكندرون
هل كان عبد الرحمن الشهبندر موظفاً في الاستعلامات البريطانية؟