شهادات ومذكرات

مرحلة الطفولة .. من مذكرات محمد حسن بوكا (2)

من مذكرات محمد حسن بوكا (2) – مرحلة الطفولة


في بداية طفولتي وعمرى مابين أربع والخمس سنين سجلني والدي عند الخجة عيشة خانم في حارة العبيد القريبة جداً من دارنا . كنا نجلس على الحصيرة على الأرض وكان عددنا حوالي 35 طفلاً وطفلة , تُعلمنا بعض قصار السور من القرآن الكريم ، وهي جالسة في صدرالغرفة حاملة بيدها خيرزانة طويلة تطول بها من يلهو أثناء القراءة ، جو سئ لا نحسد عليه , غرفة مظلمة نوعاً ما ، سيئة التهوية و يحوم علينا الذباب ويستريح على شفاه وعيون النائم منا ، وأغلب الأحيان تكون الخجة نائمة ، وكانت أقساط الخجة الأسبوعية  تدفع كل يوم خميس بضعة قروش وتسمى الخميسية .

في أحد الأيام ومن كثرة مشاغبتي مع الأطفال قررت الخجة تأديبي ” برفعي فلقة  ”

وهي عبارة عن خشبة مربوط فيها حبل من الجانبين

توضع فيها القدمين لضربهما بالخيرزانة .

وبعد انشغال الطلاب عني بعدت عن أنظارهم

وأخذت قباقيب الأطفال وحملتها الى مدخل دارنا

ورميتها في السواقي التي تمر بين البيوت الدمشقية فردة تلو الأخرى ، و لما تجمعت بالسواقي فاضت الحارة وجرت المياه بين أزقتها  .. و لما سـألوا الأطفال عن قباقيبهم ارسلتهم الخجة الى دارنا للبحث عنها ، وصادف ذلك قدوم والدي الى المنزل للغداء فتجمع الأطفال حوله يطالبونه بالقباقيب وكنت أنا قد لذت بالفرار خوفاً من والدي .

 وبعد هذه الفترة انتسبت الى الكتّاب وهو مدرسة متواضعة يتعلم فيها التلميذ القرآن واللغة العربية والحساب .

هذه الكتاتيب منتشرة في جميع أحياء دمشق .

كان من أشهر وأكبرها الكتّاب الشيخ محمد الدالاتي

والشيخ اسماعيل و الشيخ صالح …

و أذكر في هذا الصدد أنني عندما كنت في كتّاب محمد الدالاتي (دار العلوم ) اتفقت مع بعض الزملاء  أن نتمرد على الشيخ ، فقلنا لانفسنا لماذا يعاقبنا إذا ما قصرنا في كتابة الوظائف أوعدم حفظ بعض الدروس ولاسـيما أننا ندفع له قسـط المدرسة ، وإذا ماسـألنا لماذا لم تؤدوا الواجب ؟ فنجيب بعدم رغبتنا بالكتابة . و فعلا بدأ الدرس وبدأ الشيخ محمد يتفقد الوظائف ومن سوء حظي أني كنت أول من سُـئلت عن الوظيفة فأجبته على الفور بوقاحة : بأني لا أريد أن أكتب ، و كانت هذه مفاجأة له لم يسبق لها مثيل ، فنظر اليّ الشيخ نظرة ثاقبة هازاً برأسه وأخذا بيدي الى مدخل الصف ، ودعى طالبين أكبر مني سناً ووضعا الفلقة برجلي ، وانهال عليّ بالضرب في كل مكان من جسمي حتى لم أعد أقوى على الوقوف من الألم و كان صراخي و بكائي لا يوصف ، و في هذه الأثناء وأنا أتقلب بين الضربات كان رفاقي قد كتبوا الوظيفة ، فتفقد الشيخ وظائفهم فوجد كل شيء جاهزاً ونجوا من العقوبة ، لم يكن بإمكاني الذهاب الى البيت بهذه الحالة حتى لا يقوم والدي بتأنيبي مرة أخرى على ما فعلت .


انظر:

من مذكرات محمد حسن بوكا – تعريف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى