بطاقات بحث
الخضر – من الحكايات الشعبية الشامية
الخضر – من الحكايات الشعبية الشامية
توثيق الباحث نزار الأسود .
كان في قديم الزمان، أمير جميل يعيش في بغداد، مع أبيه الملك. وكان اسمه أحمد، وذات يوم استيقظ صباحاً باكراً، وقد شغل باله حلم رآه. فقد رأى في الحلم أنه يسير على ضفة نهر وهو يغني.. فإذا به يرى رجلاً مهيباً، يلبس ثياباً خضراً، ويجلس على ضفة النهر.. وبين يديه حلقات، يضع كلّ واحدة في داخل الأخرى، ويلقيها في النهر، فاقترب منه الأمير وقال له: ماذا تصنع أيها الرجل؟ فقال له الرجل: إني أضع القسمة والنصيب في كل حلقة، الحلقة الأولى للذكر، والحلقة الثانية التي بداخلها للأنثى، وأرميها في النهر حتى لا تفترق.
فسأله الأمير: وأين قسمتي ونصيبي أنا أيها الرجل العجوز؟؟ فقال له الرجل: إن زوجتك هي الآن رضيع، وهي بنت رجل فقير الحال يعمل في قميم، في أحد حمامات دمشق. ثم ألقى الرّجل قسمته ونصيبه في النهر..!
فشهق الأمير شهقة أيقظته من نومه. ثم استدعى علماء المملكة ليفسروا له ذلك المنام.
قال العلماء للأمير: إن المنام صحيح. وإن الرجل هو الخضر. ويريد أن يقول لك: لا مفر للإنسان من قضائه وقدره، وذلك هو رمز حلقات القسمة والنصيب التي يلقيها في النهر. أما النهر فيرمز، بجريانه وحركته، إلى سعي الإنسان في الحياة، فسعيه وعلمه له.
عندما قرر الأمير أن يختبر هذه الرؤيا، وأن يمتحن هذا التفسير.
أخذ الأمير من أبيه دنانير ذهبية، وودعه، ومشى إلى دمشق، وعندما وصل إليها أخذ يسأل كلّ من يصادفه عن حمامات دمشق. ثم يدخل الحمام باحثاً عن العامل في الأميم حتى يجده. ثم يسأله عن أسرته وعن زوجه وأولاده. وهكذا إلى أن وصل إلى حي الميدان وسأل فوجد فيه حماماً يدعى حمام الرفاعي. فدخل الغرفة التي يعيش فيها الأميمي. فوجد امراة توقد نار الحمام، وفي حضنها طفلة رضيع. فسلم عليها الأمير، وبعد أن حدثها قال في نفسه: (لقد وجدتها) ثم قال للأم: إني رجل غريب على سفر، ومعي مال كثير، ولكنني لا أعرف من أين يشترى الطعام؟ فلو تفضلت علي واشتريت لي طعاماً ..!! وأعددت لي زوادة السفر، لكافأتك بمال على معروفك..!!
فقالت الأم: كيف أذهب وابنتي تبكي؟؟ فقال الأمير: أنا سأضعها في حضني، وأهزها حتى تنام، ثم أعطاها دنانير كثيرة، ففرحت بها، وخرجت مسرعة لتشتري طعاماً .!!
أخرج الأمير خنجره مسرعاً، وطعن الطفلة في رقبتها، ووضع صرة دنانير داخل ملابسها وولى هارباً..!!
وعندما عادت الأم، وجدت طفلتها في دمائها، ولكنها ما تزال على قيد الحياة، فصرخت فزعة، وحملت ابنتها، فسقطت صرة الدنانير، فوضعتها في الزّبل، وأسرعت إلى المستشفى.. حيث شفيت الطفلة من جروحها.. فقد كان الأمير على عجلة ويده ترتجف، وظن أنه قد قتل الطفلة، وأبطل القضاء والقدر.
وبعد مدة، استعادت البنت صحتها، إلا أنّ الجرح ترك في رقبتها أثراً لا يمحى !!.. أخذت الأم تفكر مع زوجها، فيما تفعله بالمال الذي تركه الرجل الغريب. وكان زوج المرأة رجلاً ذكياً، فقرر أن يتاجر بما لديه من مال، ودارت الأيام، وتحسنت الأحوال، واشتهر الرجل بصدقه، وبسمعته، وبجودة بضاعته حتى سميت أسرته (بيت التاجر).
كبرت البنت، وترعرعت، ظهر عليها سحر الجمال وفتنته، واشتهرت حتى في المدينة، وأخذ الناس يتحدثون عنها، وكثر خطابها وحسادها.. فذكر الأب ماضي ابنته فخاف عليها، وقرر أن يترك مدينة دمشق إلى مدينة أخرى، هرباً بابنته وسعياً وراء رزقه فنصحه صديق له، تاجر من بغداد، أن يذهب إلى بغداد، حيث الأمان، والتجارة المزدهرة.
وكذلك رحل الرجل بأسرته إلى بغداد، وأخفى حقيقة أمره، حتى إنه غّير اسم ابنته، فأصبحت تعرف باسم زهور بدلاً من ثومية.. وبعمل الرجل وبسعيه أصبح له اسم بين التجار واشتهر في كل الأمصار، حتى سمع به الملك، فأحب أن يتعرف عليه، وعلى أخلاقه العالية، فدعاه وأسرته إلى حفل عشاء، وقد أصبح اسمه (شيخ التجار).
وفي حفل العشاء اجتمع الملك، وابنه الأمير أحمد، مع (شيخ التجار) ومع زوجته وابنته الفاتنة الجمال. فأعجب الأمير أحمد بالفتاة أيما إعجاب، وأخذ يتودد إليها أثناء الحفلة، ويتقرب منها ويحدثها.
وفي صباح اليوم التالي، طلب الأمير من أبيه الملك أن يخطب له تلك الفتاة التي لم يستطع النوم من أجلها. فوافق الملك بسرعة، ولاسيما أنه معجب بشطارة والدها، ومهارته في التجارة ومكانته العالية بين التجار، وهكذا طلب الملك يد ابنة التاجر (زهور) لابنه الأمير.. !! فوافق شيخ التجار، وأقيمت الأفراح والليالي وفي ليلة الزفاف قال الأمير في نفسه: لقد أبطلت القضاء والقدر، فعروسي اسمها زهور وهي ابنة شيخ التجار ومن بغداد..!! وبينما كان الأمير يلبس عروسه عقداً ثميناً من اللؤلؤ، وقطع نظره على عنقها، فدهش وهو يرى آثار جرح قديم.. فسألها عن سبب الندبة التي رآها في عنقها، فحدثته القصة التي سمعتها من أسر حبها قلبه، وجعلته يشعر بسعادة ما بعدها سعادة. فأعجب الأمير بما قضي عليه، ولاسيما أن شيخ التجار، وقد أصبح من كبار أعوان الملك، وأصحاب الرأي والمشورة، فليس بإمكان الإنسان أن يتصور أفضل مما كان..!!
وهكذا قص الأمير قصته على أبيه الملك، فاجتمع علماء البلاط، وبعد أن تناقشوا في الأمر قالوا: القضاء والقدر والأحداث الإنسانية الكبرى، والأحداث الكونية تسير وفق نظام أزلي ثابت هو حكمة الله في خلقه. وهذا هو تفسير الرمز الأول في رؤيا الأمير: فحلقات القسمة والنصيب التي كان يلقيها الخضر في النهر، كانت تعني ذلك، ومن واجب كل إنسان أن يكتشف سر السعادة المختفية في نفسه وفي حياته، ليعيش حياة الرضا والسرور..!! أمّا الرمز الثاني في الرؤيا، أي النهر فهو عمل الإنسان وسعيه، وحركته الدائمة في الحياة، وقدرته على التصرف، في أي عمل كان، فذلك له.. وقد رفع العمل والدا الفتاة من عمل فقير إلى شيخ تجار بغداد.
أكدت رواية هذه الحكاية امرأة من حي الميدان، وذكرت للباحث أن الحكاية قد وقعت فعلاً منذ زمن قديم في حي الميدان، وخاتمة الحكاية من وضعها.
انظر:
من الحكايات الشعبية الشامية – شجاعة حطاب
من الحكايات الشعبية الشامية – الشجرة والطفلة الصغيرة
من الحكايات الشعبية الشامية – ثلاثة عشر “13”
من الحكايات الشعبية الشامية – زهرة الرمان
البنت الصالحة – من الحكايات الشعبية الشامية