مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام : مسألة الخلافة.. أبناء الأسد
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل التاسع – نخبة السلطة في عهد الرئيس حافظ الأسد
4-مسألة الخلافة.. أبناء الأسد
في أوائل التسعينيات كان الكثير من السوريين يعتقدون أن باسل الأسد، النجل الأكبر للرئيس الأسد كان يجهز لخلافة والده، رغم أن الأمر لم يكن قد ذكر أو حتى تأكد بصورة رسمية أبداً. وفي 1990 تمت الإشارة للرئيس الأسد للمرة الأولى علناً بأبي باسل البالغ من العمر آنذاك 28 عاماً. وقد كان يشار إلى حافظ الأسد من قبل بأبي سليمان، رغم أنه لم يكن له ولد بهذا الأسم. فقد أصبح باسل هو الساعد الأيمن للرئيس، وكان موضع ثقة، كما عُرف عنه أنه من الشخصيات البارزة القليلة التي لم يلظخها الفساد. فقد كان يُعهد إلى باسل بمهام خاصة، على سبيل المثال في مجال مكافحة الفساد والتهريب والتدخل في تسوية الضغائن التي كانت تمتد لتشمل بعض أفراد عائلة الأسد ذاتها.
وكان باسل الأسد عضواً بالحرس الجمهوري ورئيس أمن الرئاسة وعهد إليه بقيادة لواء مدرع “واعتبر لواؤه جزءاً النخبة في القوات المسلحة” وهو برتبة رائد فقط.
ونظراً للصفات الرائعة التي اتسم بها من أمانة وولاء وجد نشاط، واستعداده الدائم لمساعدة الآخرين، أصبح باسل بمثابة رمز الوطنية والمثل الأعلى للجيل الجديد في سوريا، حتى أن الكثيرين من شباب سوريا بدأوا يتمثلون أسلوبه وحتى مظهره ولحيته القصيرة.
ولكن في الحادي والعشرين من كانون الثاني عام 1994 لقي باسل حتفه اثر حادث سيارة عن عمر يناهز 32 عاماً، حيث تلاشت بشكل مفاجئ جميع التطلعات نحو إمكانية أن يخلف باسل والده.
ورغم أن احداً من أنجال الأسد الآخرين لم يُظهر ما تمته به باسل من صفات، إلا أن النجل الثاني، الدكتور بشار، قد ورد ذكره على لسان العديد من المسئولين السوريين البارزين أثناء تأبين باسل، باعتباره الشخص الطبيعي لوراثة دور باسل.
وقد غطى الإعلام السوري بشكل واسع عملية تقلد بشار المهما التي كان يقوم بها شقيقه الأكبر من قبل.
وفي السادس عشر من تشرين الثاني عام 1994 خلال الاحتفال بالذكرى الرابعة والعشرين “للحركة التصحيحية” للرئيس حافظ الأسد عام 1970 تخرج بشار الأسد “في سن الثامنة والعشرين” رسمياً من الكلية العسكرية في حمص”كضباط قيادي” برتبة نقيب بعد نجاحه في دورة قائد كتيبة دبابات وحصوله على المركز الأول بين دفعته.
وقد حصل على المركز الثاني ابن عدنان مخلوف قائد الحرس الجمهوري. وبد بدأ وكأن جيلاً من الشباب “العلوي” الذي يتكون جزئياً من أبناء وأقارب اللواءات العلويين كان في طريقة إلى لتكوين ليخلف في النهاية الجيل السابق.
وقد دلت بعض التزكيات والتنقلات والتسريحات داخ القوات المسلحة والمخابرات وفروع الأمن عامي 1994 و 1995 على أن هذا هو الاتجاه المتبع، كما أنها تضمن في الوقت ذاته بعض العناصر المحتملة لنشوب نزاعات بين الأجيال داخل المجتمع العلوي.
وخلال احتفال السادس عشر من تشرين الثاني عام 1994 رحب العماد مصطفى طلاس وزير الدفاع رسمياً بانضمام النقيب الدكتور بشار الأسد إلى سلاح المدرعات في الجيش السوري، وذلك “باسم القوات المسلحة السورية”.
بيد أنه لابد من ملاحظة أن أسلوب بشار كشخصية قيادية كان موضع انتقاد وتساؤل من قبل البعض، ومن بينهم اللواء “علي حيدر” الذي اعتُتقل هو وآخرون لفترة ما في صيف 1994 لهذا السبب وبشكل مؤقت.
ويُقال إن أحد الأسباب الأخرى لاعتقاله هو على ما يبدو انتهاكه الواضح لمحظور الطائفية: ففي أثناء أحد اجتماعات كبار الضباط مع العماد حكمت الشهابي، رئيس الأركان الذي كان يهم بمناقشة إمكانية تحقيق سيناريو للأمن الإقليمي عقب اتفاقية سلام مع إسرائيل، اعترض حيدر قائلاً: “نحن مؤسسي النظام لا نبغى فقط مناقشة خطط طوارئ بل نريد أن يكون لنا رأي في عملية السلام ذاتها”.
ورغم أن جميع الضباط الحاضرين كانوا يدركون تماماً الدور الخطير الذي يلعبه العلويون داخل النظام، إلا أنه كان من المحظور التحدث في الأمر علانية أو حتى بطريقة غير مباشرة.
علاوة على ذلك فمن الممكن تفسير ملاحظات حيدر على أنها انتقاد غير مباشر للخط الذي كان يسلكه الرئيس حافظ الأسد في مفاوضات السلام مع إسرائيل.
ويبدو أن بشار قد عُهد إليه بمسؤوليات عسكرية تفوق رتبته الصغيرة، حاله حال أخيه باسل من قبله. وفي كانون الثاني 1995 تمت ترقية بشار إلى رتبة رائد بالحرس الجمهوري. وأخذت نشاطات بشار العسكرية والسياسية تكتسب تدريجياً المزيد من الدعاية من خلال الإعلام السوري، ففي تقرير صحفي من دمشق، أعلن مثلاً أن بشار الأسد “بدأ عملياً بإعلان الحرب على الفساد وملاحقة القيمين عليه ومحاسبتهم” و”شن حملة ضد التهريب” وأنه “شكل فريق عمل متكاملاً يتلقى شكاوى المواطنين من كل أنحاء البلاد للوقوف عليها وحلها”.
كما أعلن أن “مستقبله العسكري لن يقل أهمية عن مستقبله السياسي” وأنه “ليس مفاجئاً أن يكون الرائد بشار على رأس عمل ميداني يقام في مكان ما، أو يكون مراقباً أو متابعاً لنتائجه التي يحرص على أن يتكون ناجحة ومتميزة، وهو ما جعله مصدراً للمشورة لكثير من الضباط.
وأعلن ايضاً أن بشار الأسد يستقبل السياسيين اللبنانيين، ومن بينهم وزراء وأعضاء المعارضة، كما قام بزيارة الرئيس اللبناني في قصره ببعدا، لمناقشة الوضع السياسي في لبنان. ولا يمكن تفسير مثل هذه النشاطات إلا كعملية تحضير نحو تقلد مسئوليات سياسية رفيعة. وقد علق أحد كبار المسئولين السوريين قائلاً:
“إن بشار يتمتع بحيوية وديناميكية كبيرتين وأنه ينتمي إلى شجرة الأسد العريقة.. ان الرائد بشار ضمان للاستقرار وضمان نهج الرئيس الأسد وأنه شديد الشبه بوالده الرئيس السوري”.
وبعد وفاة باسل في عام 1994 ظهر العديد من الملصقات والصور الجدارية في جميع أنحاء سوريا تحمل صورة الرئيس حافظ الأسد وابنه المتوفى. وفي عام 1995 بدأت تظهر صور الرئيس حافظ الأسد مع الأبن الراحل وباسل وبشار معاً (1).
(1) للإطلاع على تفاصيل التوثيق وتوضيح بعض الأحداث أعلاه راجع:
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995، صـ 181 – 185
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995
2- ثورة تاريخية في النخبة السياسية السورية 1963
3- الوزارات السورية والقيادة القطرية
4- العسكريون في القيادات القطرية السورية
الفصل السابع – التحريض الطائفي والمواجهة
1- التحريض الطائفي – مذبحة حلب
2- الدعاية الإعلامية المضادة للطائفة العلوية 1979
3 – تهديدات الحرب الأهلية الطائفية في سورية 1979 – 1980
4- الطائفية والفساد وغياب الانضباط الحزبي 1979- 1980
5 –الفشل البنيوي في كبح الطائفية في سورية 1979 – 1980
الفصل الثامن – المواجهة الطائفية – القضاء على الإخوان المسلمين
1 –تسليح البعثيين ومذبحة تدمر عام 1980
3- الدعاية الدينية السنية ضد العلويين
الفصل التاسع – نخبة السلطة في عهد الرئيس حافظ الأسد
1- الأخوة الأسد
2- نخبة السلطة العسكرية البعثية
3-جهاز حزب البعث المدني.. تحليل إحصائي ..