لربما كان بيت العقاد أقدم بيوت دمشق على الإطلاق إذ يعود إلى القرن الخامس عشر للميلاد والعهد المملوكي. كما هو الحال في الكثير من “البيوت” الدمشقية الكبيرة هذه الدار أقرب إلى قصر منها إلى منزل للسكن وأيضاً كما هو الحال في كثير من قصور دمشق فقد بني بيت العقاد على عدة مراحل:
- المرحلة الأولى بين أعوام 1450-1475 زمن المماليك.
- بين 1747-1754.
- بين 1759-1763 أي بعد زلزال 1759.
- حوالي عام 1840 بعد دخول طراز الروكوكو العثماني إلى دمشق.
- حوالي عام 1900 عندما جدده عبد القادر العقاد الذي ينسب البيت إليه.
توفي عبد القادر العقاد عام 1908 وتركت عائلته البيت عام 1947 عندما تحول الصرح إلى مدرسة زينب فواز للبنات وأضيف إليها مدرسة أحمد مريود للبنين حوالي عام 1973 وتم هجر المبنى عام 1976 وأصبح موطناً للنسيان ومرتعاً للجرذان.
كان المعهد الدنماركي يبحث عن موطن له في دمشق القديمة في تسعينات القرن العشرين ومن حسن الحظ أن اختياره وقع على هذا البيت العريق وجرى بالنتيجة اتفاق بين المعهد والجهات المسؤولة في سوريا أن يتكفل الدانماركيون بنفقات ترميم البناء وأن يتم هذا الترميم بمشاركة خبرات ومهارات محلية ودنماركية وبالمقابل يكون للمعهد ملء الحق أن يستعمل البيت كمقر له ولخبرائه من الأكاديميين والفنانين لفترة زمنية معينة.
كان هدف الترميم المهني إظهار محاسن البيت بأمانة كما كانت تحت تقمصاته المتعددة خلال العصور قدر حدود الإمكان وقد حققوا هدفهم عام 2000 ونشروا تقريراً مسهباً عن تاريخ البيت وتفاصيل مكوناته وأعمال الترميم فيه في مجلد ضخم يباغ عدد صفحاته 440 بقياس حوالي 27 سم في 27 سم. صدر هذا السفر النفيس عام 2005 تحت إشراف السيد Peder Mortensen وتزينه مئات من الصور التاريخية والحديثة وعدد لا بأس به من المخططات والخرائط.
لا تتسع هذه السطور القليلة لجولة في صحن البيت ولا لزيارة غرفه الكثيرة التي تنتمي إلى أزمنة وعهود مختلفة ولا لعرض تيهور من الصور الفنية. تكفي هنا الإشارة أن هذا البيت متحف كامل بكل ما في هذا من معنى وبالطبع ليس هو بالمتحف الوحيد في دمشق التي تحضن قصر أسعد باشا العظم وبيت خالد العظم وبيت نظام والمجلد وشامية وكثيرغيرها. نعم في دمشق كل هذا وأكثر ومع ذلك يبقى لبيت العقاد أهمية تتجاوز الدار بحد ذاتها كما سنرى.
لنبدأ بالتعرف على مكان البيت: يقع هذا البناء التاريخي داخل سور دمشق القديمة على سوق الصوف جنوب الشارع المستقيم أو ما عرف سابقاً بسوق جقمق ويعرف حالياً بسوق مدحت باشا. يحده شمال الشارع المستقيم خان الزيت وخان جقمق ويجاوره غرباً بيت حورانية الذي لربما كان لا يقل عنه عراقةً وإن لم تقيض الأقدار له حتى الآن من يوفر له من الوقت والخبرة والمال والحب ما يكفي لنفض غبار الزمن والإهمال عن كنوزه الظاهرة منها والدفينة.
المسرح الروماني
عندما حزم المعهد الدانماركي أمره على اختيار بيت العقاد مقراً له وترميم هذا البيت لم يحلم القيمون عليه أنهم في واقع الأمر كانوا يقفون على أنقاض المسرح الروماني في دمشق الذي ذكره مؤرخ القرن الأول للميلاد اليهودي Flavius Josephus ونسب أمر بنائه لملك يهوذا Herod the Great الذي حكم بين الأعوام 37 إلى 4 قبل الميلاد.
لم يكن وجود هذا المسرح مجهولاً لكثير من المستشرقين بما فيهم Watzinger & Wulzinger و Jean Sauvaget ولكن دون أي دليل مادي عليه إلى أن أثبتت الحفريات التي أجراها المعهد الدنماركي في أواخر تسعينات القرن العشرين خلال ترميم بيت العقاد وجود أطلال هذا المسرح تحت بيتي العقاد في الشرق وحورانية في الغرب.
تمركزت دمشق الرومانية بطبيعة الحال حول معبد جوبيتر الدمشقي (الجامع الأموي حالياً) وكانت المواكب الدينية والرسمية تنطلق من مدخله الرئيس في الشرق إلى الطريق المقدسة Via Sacra في القيمرية حالياً ثم تتجه جنوباً حتى تصل إلى الشارع المستقيم Via Recta أو decumanus كما سمي محور المدينة من الشرق إلى الغرب في عهد الرومان ومن ثم تنعطف غرباً حتى تصل إلى المسرح الواقع جنوب الشارع المستقيم بينما يقابله إلى شمال هذا الشارع حديقة محاطة بأروقة معمدة أو ما يدعى باللاتينية portico post scaenam وهي مربعة أو مستطيلة الشكل.
قد يبدوا لنا للوهلة الأولى أن هناك إطالة لا مبرر لها (440 صفحة من القطع الكبير) في رواية قصة بيت واحد لمدينة تزهى بالكثير من القصور ولكن ليس بيت العقاد بالبيت العادي ولا حتى بالقصر العادي. كثيرة هي معالم دمشق التي لا تزال راقدة كالأميرة النائمة تنتظر قبلة أمير لتصحى من سباتها.