مسجد مراد باشا 976هـ/1567م
موقعه: يقع جامع مراد باشا ضمن منشأة عمرانية في محلة السويقة غرب مقابر باب الصغير وجنوب قصر الحجاج ضمن منطقة الميدان خارج أسوار مدينة دمشق القديمة. كما يسمى بجامع النقشبندي أو التكية المرادية، وتضم هذه المنشأة جامع وتكية و مكتبة المدرسة وضريح مراد باشا.
تاريخه: يذكر العلامة الدمشقي نجم الدين الغزي بأن الشيخ محمد اليتيم[1] كان يبيع القهوة[2] في أول أمره في محلة السويقة، وكان إلى جانب هذا المكان حوش يجمع بنات الخطا فاستأجره وأخرجهن منه واتخذ فيه مسجداً يدعو الناس فيه إلى الصلاة، وعندما جاء مراد باشا[3] اتخذ هذا المكان ليعمر فيه مسجده، ويقال بأن موضع محرابه وداخل حرمه هو الموضع الذي اتخذه الشيخ محمد اليتيم مسجداً، وهو المعروف الآن بالمرادية، ثم كان الشيخ محمد اليتيم يتردد إلى مسجد المرادية ويحبه إلى الممات[4].
كما عيّن مراد باشا لهذا الجامع خطيباً وإماماً ومؤذنين، وبنى بها حُجُراً، ورتب لمن يسكن بها طعاماً. وقد أُكمل بناء المسجد سنة 981ه، وبنيت قبة على قبر الواقف. وفي سنة 1335ه كان يضم عشرين غرفة وصار مركزاً للطريقة النقشبندية الصوفية بدمشق.
عمارته: يقع الجامع في حي السويقة ويطل على الشارع من جهة الجنوب بواجهة طويلة مبنية من الحجر بمداميك من اللونين الأبيض والأسود، يظهر الحرم في الجهة الغربية للواجهة الجنوبية وينفتح من واجهته الشرقية ثلاث نوافذ وفي الجهة الجنوبية نافذتين وفي الأعلى ثلاثة نوافذ قوسية مدببة، كما يحيط بالواجهة شريط من الزخارف التي تتضمن المقرنصات الدقيقة.
يتألف الجامع من حرم ومئذنة وصحن كبير ورواقين شمالي وجنوبي، ويشكل الصحن والغرف المحيطة به والتربة مجموعة معمارية واحدة. تحيط بالصحن عدة غرف باستثناء زاويتين إحداهما يتوضع فيها مقام مراد باشا. تأخذ القبة شكلً نصف مستدير ويتكرر هذا التصميم في قبة التربة، ولكن القسم العلوي من جسم التربة يتطور إلى شكل مثمن ويوحي بأنه بديل عن الرقبة. تخترق النوافذ المحاريب التزيينية المسطحة ذات الحواف السفلية المائلة، أما الحواف العلوية فهي غنية بالمقرنصات الدقيقة.
الصحن واسع ورحب وأرضيته من الحجر ذو اللونين الأبيض والأسود، وفي وسطه بحرة كبيرة ذات ستة عشر ضلعاً؛ للجامع مدخلان، مدخل رئيسي ضخم من الجهة الجنوبية للجامع يتوضع عليه جبهة حجرية ضخمة من حجارة سوداء وبيضاء كما في الصورة، وكتب على بابه[5]:
مراد باشا بنى جــــــــــــــامعاُ ما مثـــــــــــــــله قد بني في البلاد
تقبّل الله ســـــــــــــــــــــبحانـــــه وســـــــوف يجزيه يوم التـــناد
ومدخل ثانوي من الجهة الغربية. أما الواجهات أو الجدران المطلة على الصحن فهي:
الجدار الشمالي: يفصل بين الصحن والرواق الشمالي ستة أقواس حجرية سوداء تستند على خمسة أعمدة من الحجر البازلتي، يعلو الرواق سقف خشبي يبرز عن الرواق قليلاً، أما جدار الرواق الشمالي الداخلي فهو عبارة عن جدار حجري من المداميك الأبيض والأسود يتخلله مدماك زخرفي.
الجدار الشرقي: عبارة عن جدار حجري من المداميك الأبيض والأسود، تنفتح فيه خمسة أبواب وخمس نوافذ صغيرة.
الجدار الجنوبي: يتقدمه رواق من خمسة أقواس، وفي الزاوية الغربية من الرواق نجد مدخل الحرم، وجدار الرواق الداخلي يتوسطه مدخل الممر الذي يؤدي إلى مدخل الجامع الرئيسي، وهو عبارة عن فتحة ذات ساكف قوسي من أحجار المداميك باللونين الأبيض والأسود.
الجدار الغربي: عبارة عن جدار حجري من المداميك الأبيض والأسود يتخلله، تنفتح فيه خمسة أبواب وخمس نوافذ صغيرة.
أما حرم الجامع يتم الدخول إليه من الطرف الغربي للرواق الجنوبي، ويفصل بين الرواق الجنوبي وباب الحرم فسحة داخلية مغلقة تعلوها خمسة قباب صغيرة، تؤدي هذه الفسحة إلى مدخل الحرم الرئيسي، وهو مدخل حجري جميل تعلوه مقرنصات بديعة، وكًتب على بابه[6]:
إن هــــــــــــــــــــــذا الجــــــــــــــــامع فرد شـــــــــاع في شرقها وفي الغرب
قد بناه مراد باشـــــــــــــــا بـــــــــــــك نــــــــــــــــــــال من ربــــه منى القرب
كتبوا ويجزى قصراً بجنات هكذا الفعل جـــاء في الكتب
فادخلوا وانظـــــــــــروا التاريخ وأقيــــموا الصـــــــــــلوة للـــــــــــــــربّ
وهذا الباب يؤدي إلى قبلية تقوم على أربعة أقواس ضخمة تعلوها قبة عالية، من تحتها محراب ومنبر حجريان جميلان، وفي القبلية سدة حجرية تقوم على خمسة أعمدة.
مئذنته: تتمتع مئذنته بجذع مثمن، ويمتزج في هذه المئذنة أسلوب النهضة العثماني المتأخر مع بقايا الأسلوب المملوكي المتأخر. وتتألف من طوق من المحاريب التزيينية وأشرطة زخرفية قاسية الخطوط، ويلي المقرنصات شرفة المؤذن المشيدة بالحجارة، لكن سقفها مصنوع من الخشب، أما القلنسوة فهي صنوبرية ذات طراز قاهري بسيط.
التربة: يقع المقام في الطرف الشرقي من الرواق الجنوبي للصحن، تعلوه قبة تشابه القبة الموجودة فوق حرم الجامع؛ تتوضع هذه القبة على رقبة مثمنة ذات حجم كبير نسبياً، تخللها ثمانية نوافذ ثنائية على أربعة أضلاع متقابلة من هذه الرقبة، أما الأضلاع الأربعة المتبقية يتوضع عليها شكل أشبه بالمحراب الحجري؛ يتسم الفراغ الذي يضم القبر بأنه مربع الشكل، يغطي جدرانه من الداخل زخرفة حجرية من الألوان الأسود والآجري والبني الفاتح، يتوسط هذه الزخرفة لوحات من القيشاني يتوسط بعضها كتابات من الآيات القرآنية باللونين الأبيض والأزرق الفيروزي، تعلو خذه اللوحات النوافذ الثنائية التي تتخلل القبة؛ أما الضلع الجنوبي من هذا الفراغ يوجد عليه محراب حجري لطيف عليه عمودين منقوشين بنقوش حجرية.
[1] محمد بن أبي بكر ابن اليتيم العاتكي الشافعي الصوفي، أخذ الطريق عن الشيخ سعد الدين الجباوي، كان يهتم بمعرفة الكيمياء، كان يتكسب ببيع القهوة..توفي سنة 1005هـ ودفن بمقبرة باب الصغير في دمشق. (انظر:الغزي. لطف السمر وقطف الثمر من تراجم أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادي عشر ، ج1، ص100)
[2] تشير الدراسات التاريخية إلى أن ظهور أنماط من الفعاليات الاجتماعية المرتبطة بشرب القهوة في فضاء المدينة العام في العالم العربي/الإسلامي قبل ظهورها في أوروبا، حيث ظهرت في النصف الأول القرن السادس عشر محلات عامة تجارية لخدمة شرب القهوة. ويرجح أن ظهور المقاهي في دمشق في كان النصف الأول من القرن السادس عشر، ولكن صدور عدة فتاوى من الفقهاء بتحريم شرب القهوة أدى إلى حظرها في 1546م، استجابة لقاضي القضاة محمد بن عبد الأولالحسيني، أتى دمشق في عام 1545م. إلا أن العثمانيين سمحوا بشربها بعد فترة وجيزة، وتضاعفت أعداد المقاهي بسرعة في مدينة دمشق.
[3] مراد باشا باني المرادية خارج باب الجابية والشاغور في السويقة، وكان مكانهما حوشاً جامعاً، وربما كان به جماعة من بنات الخطا، وكان الشيخ محمد اليتيم يعمل بالقهوة، ثم سعى في استئجار الحوش وضمه إلى بيت القهوة وجعله ساحة يجلس الناس بها واتخذ مكاناً منها مسجداً، فلما وليّ مراد باشا الشام في سنة ست وسبعين وتسعمائة أراد أن يبني مسجداً، فاختير له هذا المكان. توفي سنة 976هـ/1568م، ودفن في جوار جامعه. (انظر: الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، للغزي، ج3، ص183)
[4] الغزي، نجم الدين. (1997). لطف السمر وقطف الثمر من تراجم أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادي عشر. تحقيق: محمود الشيخ، دمشق: منشورات وزارة الثقافة، ص100.
[5] الشهابي، قتيبة. (1997). النقوش الكتابية في أوابد دمشق. دمشق: منشورات وزارة الثقافة، ص235.
[1] الشهابي، المصدر السابق، ص236.