وثائق سوريا
نص محاضرة فارس الخوري التي شرح فيها مواد معاهدة عام 1936
بعد فترة من عودة الوفد السوري الذي عقد المعاهدة الفرنسية – السورية عام 1936م، ألقى فارس الخوري في العاشر من تشرين الثاني عام 1936م، خطاباً على مدرج الجامعة السورية وشرح فيه مواد المعاهدة.
يصف أكرم الحوراني في مذكراته مضمون الخطاب فيقول أنه كان خطاباً يشرح مواد المعاهدة باعتبارها تثبيتاً للانتداب الفرنسي على سورية، وإعطاء له الصفة الشرعية التعاقدية، الأمر الذي أضعف الكتلة الوطنية وأدى إلى الأنقسام في صفوف قياداتها، وبدء انصراف جماهيرها عنها، وفقدانها قيادة حركة التحرر من الانتداب الفرنسي وإلى نشوء معارضة تطالب باستقلال سورية التام وبعدم الارتباط بأي تعاقد أو التزام تجاه الحكومة الفرنسية، وكان الزعيم الدكتور عبد الرحمن الشهبندر أهم المعارضين لاتجاه الكتلة الوطنية التعاقدي الذي يجعل من سورية منطقة نفوذ فرنسية، يؤيده في ذلك الحركة الشعبية للشباب التي بدأت تتكون في مدينة حماة.
وكذلك عصبة العمل القومي، بينما استمرت قيادات الكتلة الوطنية على اعتقادها بأفضلية النهج التعاقدي مع فرنسا إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية رغم نشوء ظروف دولية جديدة أهمها انحسار مكانة فرنسا الدولية بعد هزيمتها في الحرب.
فيما يلي نص خطاب فارس الخوري :
قال فارس الخوري بعد استمطار الرحمة على أرواح الشهداء والاعتزاز بنضال الشعب في سورية:
( بدأت مفاوضاتنا مع الوفد الفرنسي منذ أول نيسان عام 1936م، واستمرت خمسة شهور بلا انقطاع، عبرنا بها على أطوار متنوعة بين كر وفر، وجدال وسجال، مع حكومة الاتحاد الجمهوري، ثم مع حكومة الجبهة الشعبية، حتى انتهينا في أوائل أيلول إلى اتفاق حاسم، وقعناه في التاسع منه، وعدنا به لنعرضه على الأمة السورية لتبدي رأيها فيه بواسطة الانتخابات.
وقد نشرنا نصوص المعاهدة وملاحقها يوم 22 تشرين الأول ليطلع الشعب عليها ويجري انتخاباته على أساسها، فقابلتها طبقات الأمة بالرضى عن مضامينها، والقناعة بصلاحها للاستقلال المنشود.
ولا بد من الإشارة إلى كون صلاح المعاهدات يستند إلى النية الحسنة عند عاقديها والعزم الصادق على تنفيذها بأمانة وإخلاص أكثر مما يستند على نصوصها وما في عباراتها والقوة المؤيدة لحقوق كل من الطرفين فيها هي كفاءته ومقدرته في الطلب والتنفيذ.
فمع التصريح والتوثيق من أن الروح التي سادت هذه المفاوضات كانت روح مودة وولاء تجلى فيها مظهر صميمي من الجانب الفرنسي وعزم جلي على التخلي عن سورية وترك مقداتها لأبنائها والاكتفاء بإقامة تحالف مخلص بين الحكومتين وصداقة متينة بين الشعبين فإن المستقبل المحفوف بمجاهل الغيب والأحداث الطارئة يقضي على الشعب السوري أن يكون كامل الأهبة مستوفى الاستعداد لمواجهة هذا المستقبل بنشاط لا يمل وعزيمة لا تفل. فإذا كانت النصوص تعلن قوة الحق فإن عزيمة الشعب تعلن حق القوة. وأخلق بمن توفرت له هاتان القوتان أن يبقى مرهوناً وحقه مصوناً وموفوراً.
مشروع المعاهدة:
ان مشروع المعاهدة مؤلف من قسمين أحدهما أصلي وهو المواد التسع المكونة منها متون المعاهدة، والآخر فرعي وهو الاتفاق العسكري والبروتوكولات الخمسة والمراسلات الأحد عشر.. ان مواد المعاهدة الأصلية مع مقدمتها تتضمن أموراً مبتوتاً بها تنفذ عاجلاً، وأموراً تستمر متمادية طول المدة المعقود عليها، فالأمور النافذة عند وضع المعاهدة موضع العمل هي زوال الانتداب واستقلال سورية الفعلي وتمتعها بالسيادة التامة داخلاً وخارجاً، وانتقال الحقوق والواجبات السابقة إلى الحكومة السورية وحدها، وسقوط جميع المسؤوليات المتعلقة بسوريا عن الحكومة الفرنسية سقوطاً تاماً ليس له معاد.
موعد تعديل المعاهدة:
فهذا القسم من المعاهدة لا يخضع للتعديل ولا يطرأ عليه خلل ولا تبديل، والقسم الثاني ينص على اقرار عهد سلم وصداقة دائم بين الدولتين، وعلى إنشاء تحالف لمدة خمس وعشرين سنة بينهما، وضعت شروطه وواجبات كل منهما تجاه الآخر كما سيأتي تفصيلها عند البحث في كل مادة على حدة، وهذا القسم أيضاً لا يعرض للتعديل أو التجديد إلا بعد مرور عشرين سنة على وضع المعاهدة موضع العمل اذا طلب ذلك أحد الطرفين، وإذا لم يطلب أحد الطرفين ذلك فينتهي حكم التحالف بانتهاء المدة التي عقد لأجلها.
أما القسم الفرعي وهو مجموع الملاحق، وإن كان جزءاً من المعاهدة كما نص عليه في المقدمة، وله المدة ذاتها المحدودة للمعاهدة، فهو يخضع لإعادة النظر والتعديل في أي وقت كان عند ظهور حالات جديدة، وهذا الخضوع يظهر من المادة السادسة التي جاء فيها “المدة ذاتها المحددة للمعاهدة تكون للاتفاقات والعقود التطبيقية الملحقة مالم تنص في متنها على مدة أقصر أو يتفق الطرفان على إعادة النظر فيها مجاراة لأوضاع جديدة”. فإذا لم يوافق الطرف الآخر على إعادة النظر يصار إلى الاستفادة من أحكام المادة التاسعة من المعاهدة القائلة بالاتجاء إلى أصول التحكيم والمصالحة المنصوص عنهما في ميثاق عصبة الأمم.. من ذلك يتبين أن هذه الملاحق يمكن طلب تعديلها في كل حالة يظهر بها أسباب جديدة تبرر هذا الطلب.
مقدمة المعاهدة:
تضمنت هذه المقدمة اعتراف فرنسا بأن سورية بلغت من الرقي المنزلة التي تؤهلها لتكون أمة مستقلة صالحة للدخول في عصبة الأمم عضواً دولياً مستقلاً ونصت على عزم الطرفين على عقد معاهدة صداقة وتحالف بينهما تحدد شروطها على أسس الحرية التامة والسيادة والاستقلال المعترف به لكل منهما، وتعين موعد دخول سورية في عصبة الأمم في مهلة ثلاث سنوات اعتباراً من مراسم ابرام المعاهدة أي بعد تصديقها من البرلمانين السوري والفرنسي والذي نرجوه هو أن تنتهي هذه المراسم في شهر كانون الأول المقبل وبذلك تكون نهاية السنوات الثلاث في أواخر سنة 1939 حين تقبل سورية في جمعية الأمم وتوضع المعاهدة بصورة نهائية موضع العمل.
عصبة الأمم والمعاهدة:
وبعد خروجنا من باريس حضر وزير الخارجية الفرنسية إلى جنيف في النصف الثاني من شهر أيلول وأبلغ مجلس جمعية الأمم خلاصة ما تم عليه الاتفاق من هذه الجهة وكان موفقاً في بياناته التي صادفت عند المجلس قبولاً واستحساناً.
عهد الانتقال:
هذه السنوات الثلاث المنصوص عنها في المقدمة هي فترة الانتقال المعينة لنقل المسؤوليات من السلطة الفرنسية إلى الحكومة السورية، وفي البروتوكول ذي الرقم “5” قد اتفقنا على أن ينتهي هذا النقل في غضون السنتين الأوليين منها بحيث لا يأتي آخر السنة الثانية إلا وتكون الحكومة السورية قد استلمت من الفرنسيين جميع الادارات والمسؤوليات التي تقوم بها فرنسا اليوم باسم سوريا ولحسابها، وفي السنة الثالثة تمارس الحكومة وحدها هذه الأعمال حتى إذا كان الموعد لدخولها في عصبة الأمم يكون قد مر عليها سنة وهي تمارس استقلالها وتضطلع بأعباء التبعات الناشئة عنه، وإذا اعتبرنا أنه لم يقم إلى الآن منذ سنة 1920 في سورية حكومة وطنية مسؤولية تدير شؤونها بالاستقلال وتحمل التبعات في تسيرر أمور الدولة، وأن مسؤولية الحكم في البلاد من جميع نواحيها مازالت في أيدي الفرنسيين، نجد أن الحكومة النيابية المقبلة عليها أن تستلم في غضون هاتين السنتين كل ما في وظائف الحكومة من فروع، فلا تكون السنتان والحالة هذه مهلة طويلة للقيادة بهذا الواجب الهام.
معاهدة الند للند: ان المادة الأولى تنص على دوام السلم وإقامة تحالف بين هاتين الدولتين المتمتعين بالسيادة، وهذا ما يجري في العقود بين البند والند وعلى أساس المساواة التامة، والمادة الثانية حصرت التشاور في كل أمر يتعلق بالسياسة الخارجية من شأنه أن يمس مصالحهما، وبذلك استثناء للأمور غير السياسية، فتبقى لسورية الحرية التامة بعقد معاهدات واتفافات تجارية وقضائية وصحية وغيرها مع أية حكومة كانت بدون أن تكون مضطرة للتشاور مع فرنسا بها، فتستطيع أن تؤسس علائقها التجارية مع الدول الأخرى على قاعدة المبادلة في البيع والشراء، وتجد أسواقاً حسنة لتصريف حاصلاتها الزراعية والصناعية، كما أنها تستطيع أن تعقد بالأمور السياسية التي لا تخل بمصالح فرنسا ولا تسئ إلى علاقاتها مع الدول الأخرى.
والمادة الثالثة تشير إلى نقل الحقوق والواجبات الناشئة عن العقود الدولية إلى الحكومة السورية وحدها، وذلك نتيجة لأزمة لاستقلال سورية واضطلاعها بالتبعات الدولية، وقد استلمنا نسخة من هذه العقود التي عقدتها فرنسا باسم سوريا مع دول العراق وفلسطين وشرق الأردن ومصر وتركيا لتعيين الحدود ووضع التخوم وتحديد الجمارك وإعادة المجرمين وتبادل الصكوك القضائية والادخال والاخراج للقروض التجارية وسائر الأمور التي اقتضتها المناسبات والصلات الراهنة بين سورية والبلاد الأخرى كالشؤون الصحية وحسن الجوار ومعاملات البرق والبريد وأشباهها، ومعاهدة لوزان تدخل بين هذه العقود، وهذا النص موجود في المعاهدة العراقية وهو واجب حقوقي لا يمكن العمل بدونه، وتبقى لسورية الحرية التامة بفتح مفاوضات مع الدول العاقدة لإعادة النظر بهذه العقود والسعي لتعديلها بما يأتلف مع الوضع الجديد.
من جملة هذه المعاهدات معاهدة أنقرة المعروفة التي عقدتها فرنسا مع الحكومة التركية في 20 تشرين الأول 1921 وفيها نصوص تتعلق بمحافظة الاسكندرونة ستبقى محترمة ومنفذة بعناية واهتمام.
التحالف الدفاعي: المادة الرابعة والخامسة:
هاتان المادتان تنصان عن التحالف الدفاعي الذي أوجب على فرنسا الاسراع لمعاونة سورية عسكرياً عند وقوع الاعتداء على أراضيها وأما معونة سورية لفرنسا عند وقوع الاعتداء على فرنسا فتقتصر على منحها التسهيلات ضمن الأراضي السورية فقط.. ان مسالك العبور الجوية للحكومة الفرنسية في الجو السوري معترف به بأنه من مصلحة التحالف، ويبقى هذا الاعتراف نافذاً ما دام التحالف قائماً، فإذا زال التحالف بإنقضاء مدة المعاهدة أو بفسخة لسبب آخر قبل انقضائها يزول هذا الاعتراف ويبطل حق العبور الناشئ عنه، ومن الطبيعي أن يسمح للطائرات الفرنسية أن تعبر في الجو السوري عند الاقتضاء في مدة المحالفة مادامت فرنسا أخذة على نفسها واجب الاشتراك مع الجيش السوري بالدفاع عن الأراضي السورية، وقد اعترف بمثل هذا الحق في المعاهدة العراقية ليس لمدة التحالف فقط بل بصورة أبدية وهذه مزية لا يستهان لها لمعاهدة السورية.
المادة السادسة: فرقت هذه المعاهدة بين نصوص المعاهدة نفسها وبين الملاحق المربوطة بها بأن جعلت فتح المفاوضات لتجديد المعاهدة أو تعديلها جائزاً بعد مرور عشرين سنة، ولأجل تعديل الملاحق جائزاً في كل وقت مجاراة لأوضاع جديدة.
المادة السابعة: حددت هذه المادة موعد وضع المعاهدة موضع العمل يوم دخول سورية في عصبة الأمم، أي في غضون ثلاث سنوات كما صرح به في المقدمة بصورة جازمة. ولا يخفى أنه إذا ألغيت جمعية الأمم يزول الانتداب حتماً.
المادة الثامنة والتاسعة: تشير إلى سقوط جميع المسؤوليات عن الحكومة الفرنسية وإلى أسلوب حل الخلاف عند وقوعه بشأن تفسير المعاهدة أو تطبيقها ونهايته الرجوع إلى المصالحة والتحكيم المنصوص عنها في ميثاق العصبة، وهذا يمنع فرنسا من كل تدخل مباشر في شؤون سورية الداخلية والخارجية، بل تتصرف الحكومة السورية بأمورها بالحرية المطلقة، وإذا وجدت الحكومة الفرنسية في هذا التصرف ما يخل بالمعاهدة لها أن تفاوضنا بشأنه . وعند عدم الاتفاق على حسم الخلاف لها أن ترجع إلى أصول المصالحة والتحكيم حيث تقف مع سورية أمام القضاء الدولي أسوة بما يجري بين الدول المستقلة عند الخلاف، وهذا الحق نفسه ممنوح لسوريا عندما تخل فرنسا بواجبها الناشئ عن المعاهدة، وفي هذه الحالة لا يخشى التدخل الكيفي المباشر وتبقى هذه المادة ضامناً لسلامة التطبيق وصيانة الصلات الحليفة بين الطرفين وحائلاً دون اللجوء لاستعمال الوسائل العنيفة بجميع أشكالها.
قال بعض الناقدين أن فرنسا تستطيع بقواتها الجوية والبرية التي تبقى في لبنان وسورية أن تعيد سيطرتها على البلاد وتفرض ارادتها متى شاءت، فنقول ان المعاهدة لا تخولها أن تفعل شيئاً من ذلك بل منعتها من أي تدخل كان في شؤون سورية، أما إذا عمدت إلى خرق المعاهدة والخروج على قواعد الشرف الدولي لا سمح الله فلا فرق بين أن يكون لها قوة قريبة أو أن تسوق هذه القوة من موضع لآخر، وهذه المستعمرات التي امتلكتها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وسائر الدول المستعمرة لم يحل بعدها الشاسع دون اجتياحها. وفي هذه الحالة لا يبقى مضاء لسلاح المعاهدات ولا لنصوصها بل تبقى الكلمة للشعب بين أن يذعن للظلم أو أن يثور في وجه.
ان فرنسا لم تستطع في عهد انتدابها أن تخمد شعلة الحرية في نفوس الشعب السوري وهو أعزل من غير سلاح الحق، وهي تحمل أقوى الأسلحة وأفتكها وتحمل صك انتداب من خمسين دولة يطلق يدها بالعمل كما تشاء، فكيف تستطيع ذلك بعد أن ينكر عليها الاجماع الدولي حق التدخل ويصبح أمامها في سورية أمة مستعدة للموت في سبيل الدفاع عن استقلالها، زد على ذلك روح الديمقراطية الحرة المستولية في نفوس الشعب الفرنسي والكارهة لمبادئ الاستعمار والاعتساف.
المعاهدة ونقادها:
ان الملاحظات التي أبداها الناقدون على نفس المعاهدة تتلخص بما يأتي:
1- انتقال جميع الحقوق والواجبات الناشئة عن العقود الدولية إلى الحكومة السورية بدون تعيين ماهية هذه العقود، والحقيقة أن هذه العقود مطبوعة جميعها في كتاب ومنشورة على الملأ، وقد اطلعنا عليها كلها، وأما بعد الآن فلن تعقد فرنسا باسم سوريا عقوداً جديدة الا بالاتفاق مع الحكومة السورية، ولا يخفى أنه لا يمكن في العرف الدولي أن لا يصرح بمثل هذ القيد في المعاهدة مادامت الدول الأخرى لم تعترف بعد باستقلال سوريا ليكون لها الحق منذ الآن في أن تتولى عقد المعاهدات، على أن المادة الثالثة تحصر البحث بالمعاهدات التي عقدتها فرنسا باسم سوريا وليس التي ستعقدها.
أما المعاهدة المنوي عقدها بين فرنسا ولبنان فلا تدخل ضمن هذا النطاق ولا تكون ملزمة لسوريا، لأنها لن تعقد باسم سوريا أو لحسابها، ثم إن هذا الوضع اللبناني لا يستند إلى المعاهدة العتيدة بل إلى تعيين حدود لبنان سنة 1920 وتصديق جمعية الأمم على هذا التعيين في صك الانتداب باعتبار لبنان دولة ذات كيان خاص منفصل عن سورية، وقد احتج السوريون على هذا التعيين عند كل مناسبة، كما سجل الوفد تحفظاته بهذا الخصوص بصورة جلية ولم تنازل لا صراحة ولا دلالة عن مطالبة بالأراضي المنسلخة عن سوريا، وعسى ان تتوفق الحكومة السورية فيما بعد إلى حل موافق بحسب ما يقتضيه التطور الجديد في سوريا ولبنان.
2- عدم وعد فرنسا في المعاهدة بمساعدتنا في تعديل العهود الدولية مستند إلى كون هذا الوعد كان مربوطاً بفقرة أخرى في المادة الثالثة من مشروع المعاهدة سنة 1933 يشير إلى تعهد سوريا لفرنسا بما تبقى من الامتيازات الأجنبية لدولة أخرى. فوجدنا أن العبء الناشء مع هذا الوعد العقيم أضخم جداً من النفع المنتظر من الوعد، ولذلك رجحنا صرف النظر عن نعمة الوعد ونقمة التعهد، مع العلم بأن الوعد بالمساعدة للتعديل من فرنسا لا يجدي نفعاً وإنما سيؤخذ هذا النص من جمعية الأمم باتفاق الدول كلها كما أخذ العراق في المادة “13” من تعهد وهو الاحتفاظ بحق نقذ العهود عندما يكون ذلك ملحوظاً.
الاتفاق العسكري: بموجب هذا الاتفاق تعييم الحكومة السورية وزارة دفاع تتولى بالحال تأليف الجيش السوري بالحرية التامة، على أن يكون الحد الأدنى للقوة العسكرية السورية فرقة مشاة ولواء فرسان مع المصالح التابعة لها. وهذا التحديد يطلبه كل حليف ليكون على بينة من القوة الصغرى عند حليفه، ويبقى باب الزيادة مفتوحاً للحكومة السورية بقدر ما تسمح لها ميزانيتها وتقتضيها حاجة الدفاع، وبما أن الحكومة السورية بقدر ما تسمح لها ميزانيتها وتقتضيها حاجة الدفاع، وبما أن الحكومة السورية ستنظم الوحدات التي أنشأها الجيش الفرنسي من السوريين فسيكون لديها في القريب العاجل شطر كبير من هذه الفرقة يمكن القوى الفرنسية من مباشرة الجلاء ويمكن وزارة الدفاع من اكمال النقص وابلاغ هذه القوة عاجلاً الحد الأدنى الواجب عليها بلوغه.
تصفية الكتائب السورية:
ينتقد بعضهم هذه الوحدات بأنها غير متجانسة فلا تكون نواة صالحة للجيش، وان تكاليفها ثقيلة بسبب ضخامة رواتب أفرادها فلا يسهل على الخزينة السورية تحمل أعبائها، مع أن الخبراء العسكريين لا يشاطرون المنتقدين هذه الملاحظة، إذ اننا لن نستلم الا الأشخاص السوريين من هذه الكتائب وبوسع القيادة السورية أن تستعمل صلاحيتها بابقاء الذين تتوفر فيهم جميع الشرائط اللازمة للخدمة في الجيش السوري، وبما أن هؤلاء الأفراد مرتبطون بعقود لاجال محدودة وقصيرة مثل أفراد الدرك فالقيادة السورية مختارة بتحديد الخدمة أو بالغائها عند انتهاء أجل كل عقد أو بإقامتها على أساس آخر، وقد علمنا ان القيادة الفرنسية بدأت بتصفية هذه الكتاب منذ بضعة أشهر كما أنها أخذت بتعديل أجورهم بحيث تسلم للحكومة السورية أصغر عدد ممكن بأقل نفقة مستطاعة، خلوا من كل عنصر أجنبي. وأما أجورهم فليست من الضخامة بالدرجة التي يتوهما الناقدون، وفيما يتناوله الجندي في الشهر لا يتجاوز ثماني ليرات سورية.
وبما أن هذه الكتائب مجهزة بالأسلحة والأعتاد الفنية الحديثة ومشهود لها من القيادة الفرنسية بالكفاءة فاستلامها يسهل لوزارة الدفاع المباشرة بتشكيل الجيش السوري وبمهد سبيل الجلاء، ومن الجهة الأخرى يحسن لفت النظر إلى الضرر الفادح من ابقاء هذه الكتائب السورية ضمن البلاد في خدمة الجيش الفرنسي الذي يكون مضطراً في هذه الحال إما أن تسريح أفرادها وضباطها حالا بتعويض ثقيل وهذا مخالف لمبدأ الاستقلال، وأما إلى تجهيزها إلى مستعمراته وهو أشد وأنكى.
البعثة العسكرية:
بناء على طلب الحكومة السورية تضع فرنسا تحت تصرف هذه الحكومة بعثة عسكرية تحدد مهمتها وتأليفها ونظامها باتفاق خاص، والحكومة السورية تستخدم أفراد هذه البعثة بالأسلوب الذي تراه نافعاً لها، ولن يكون لرجالها الا الصفة الاستشارية وابداء الرأي دون الصفة التنفيذية الا مرة أسوة بسائر البعثات العسكرية التي تأخذها دولة مبتدئة من دولة قديمة عريقة في التنظيم العسكرية، وعبارة المادة الثالثة بوضع هذه البعثة تحت تصرف الحكومة السورية يفيد صراحة أنها تكون مأمون لا آمرة، فالحذر من هذه الجهة ليس له مبرر، وأما الاتفاق المشار اليه في المادة فيوضع لبيان عدد أعضاء البعثة ورواتبهم واجازاتهم والأعمال التي يكلفون بها، وأما استخدام المعلمين والاختصاصيين الفنيين فيكون أيضاً اختيارياً وعند الحاجة اليه بموجب مقاولات خاصة، وجميع ذلك لا يضير استقلال سوريا ولا يخل بسيادتها ما دام استخدامها اختيارياً وصلاحيتهم استشارية وما دام الخبراء العسكريون يقولون بضرورة هذه الاستعانة.
القوى الجوية:
لن يكون لفرنسا في سوريا للقوى الجوية سوى قاعدتين تختار موقعهما بعيداً عن المدن لا أقل من أربعين كيلو متراً وطالما يتم انشاء هاتين القاعدتين تنتقل القوة الفرنسية الموجودة حاليا في قاعدتي المزة والنيرب، وتستلم الحكومة هاتين القاعدتين تنتقل إليهما القوة الفرنسية الموجودة حالياً في قاعدتي المزة والنيرب، وتستلم الحكومة السورية هاتين القاعدتين للقوى الجوية السورية التي ستنشئها كما تستلم المحطات أي منازل الطيارات الموجودة في تدمر والاسكندرونة والقامشلي ودير الزور والحسكة وغيرها، وتبقى جميع هذه المنازل ملكاً للحكومة السورية كما أنها تستولي على المنازل الأخرى التي يرى الطرفان باتفاقهما ضرورة لإنشائها قياماً بحاجات الدفاع عند الاقتضاء والقصد من ذلك ان الحكومة السورية تتعهد بإبقاء هذه المنازل صالحة لنزول الطيارات فيها ولا يجوز لها الغاؤها وإبطالها، وهي من وسائل الدفاع الواجب اعدادها استعداداً للطوارئ المفاجئة، والحكومة السورية تعرز قطعاً من جيشها لحراسة قاعدتي الطيران، على أن تدفع الحكومة الفرنسية نفقات هؤلاء الحراس، ومن ذلك يتبين ان فرنسا لن يكون لها حق الحماية والمحافظة في الأراضي السورية حتى في قاعدتي الطيران الخاصتين بها بل تعود هذه المهمة للجيش السوري، وتعهدت الحكومة السورية بالإنفاق على منازل الطيران الحالية مؤقتاً إلى تتمكن الحكومة السورية من استلامها واستخدامها لطياراتها العتيدة.
في أثناء دورة الانتقال تجلو الجنود الفرنسية البرية من البلاد وتحتل محلها قوى الجيش السوري، وعند دخول المعاهدة في دور العمل لا يبقى لفرنسا معها الا الوحدات الموجودة حالياً في جبل الدروز وبلاد العلويين، وسيتفق الطرفان المتعاقدان في هذه الدورة على تحديد نقاط إقامة هذه الجنود التي يتأخر جلاؤها خمس سنوات، ولن يكون لهذه القوى الفرنسية المتأخرة في البلاد أي تدخل في شؤوننا لأي سبب كان اذ ان مسؤولية الأمن في سوريا هي على الحكومة السورية وحدها بحكم الفقرة الأولى من المادة الخامسة من المعاهدة واستبقاء هذه القوى في مختلف النقاط لا يفيد احتلالاً ولا يمس بحقوق السيادة السورية بحكم الفقرة الأخيرة من المادة (5) من الملحق العسكري.
أما عدد الجنود المتأخرين في هاتين النقطتين فلن يكون أكثر من الموجود الحالي فيهما. وهو بكل حال أقل من العدد الذي استبقته بريطانيا في الهنيدي والموصل لمدة خمس سنوات أيضاً.
ولا ننسى أن لبريطانيا الحق بنقل هؤلاء الجنود بعد السنوات الخمس إلى قواعد الطيران وليس في المعاهدة السورية شي من ذلك.
ولا يغرب عن الذهن أن المادة السادسة من هذه المعاهدة أجازت إعادة النظر والتعديل في أمثال هذه المنح عند ظهور أوضاع وأحداث جديدة مثل تكامل الجيش السوري والتوثق من عدم الحاجة لبقاء القوى الفرنسية لآخر السنوات الخمس المذكورة.
ولست أدري كيف استنتج زعيم كبير (ويقصد الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الذي عارض المعاهدة) في نقده للمعاهدة تدخل الجيش الفرنسي في حفظ نظامنا الداخلي بالإضافة إلى حقه في حفظ الأمن الخارجي، بينما الفقرة الأولى من المادة الخامسة تصرح بأن مسؤولية حفظ النظام في سوريا ومسؤولية الدفاع عن أراضيها هما للحكومة السورية، فأي دخل للحكومة الفرنسية؟ والفقرة الثانية من هذه المادة هي: “الحكومة الفرنسية تقبل بتقديم المساعدة العسكرية لسورية مدة المعاهدة وفقاً لنصوص الاتفاق الملحق”.
حدود المعاهدة العسكرية:
نعود إلى هذا الاتفاق فنجد أن المساعدة الثالثة والرابعة منه ومحصورة بوضع بعثة عسكرية تحت تصرف الحكومة السورية عند طلبها، وبقبول الاشخاص الذين ترسلهم سوريا ليتعلموا الفنون العسكرية في فرنسا، وبتقديم الأسلحة والتجهيزات من أحسن طراز، وليس في هذا كله ما يبيح للحكومة الفرنسية أن تتدخل في شؤون سورية.
والفقرة الثالثة والأخيرة من المادة الخامسة تنص هكذا: “تسهيلاً لقيام الحكومة الفرنسية بالواجبات المترتبة عليها بموجب المادة السابقة من هذه المعاهدة تعترف الحكومة السورية بأن استمرار بقاء مسالك العبور الجوية “الترانزيت” للحكومة الفرنسية هو من مصلحة التحالف”.
ولما كانت المادة السابقة من المعاهدة المشار إليها في هذا النص تنحصر بحلف الدفاع الخارجي فمسالك العبور المذكورة هي لأجل هذا الدفاع فقط ولا علاقة لها بالأمن الداخلي، وإذا رجعنا إلى المادة الخامسة من الاتفاق العسكري الخاصة بالقوى الفرنسية الجوية والبرية نجدها مفتتحة بالعبارة التالية: “عملاً بأحكام الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من المعاهدة تتعهد الحكومة بأن تضع تحت تصرف الحكومة الفرنسية من المعاهدة تتعهد الحكومة بأن تضع تحت تصرف الحكومة الفرنسية لمدة التحالف مواقع لقاعدتين جويتين.. الخ”. فكل ما جاء في هذه المادة هو اذن معطوف على الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من المعاهدة أي لأجل تسهيل مهمة فرنسا في تنفيذ تعهدها بمساعدة سورية في الدفاع الخارجي، سواء أكان ذلك بواسطة طيارتها أو بواسطة قواها البرية التي يتأخر جلاؤها إلى أن يتم تأليف الجيش السوري.
التسهيلات للقوى الفرنسية: هذه التسهيلات المسرودة في المادة السادسة من الملحق العسكري تتضمن ترتب الأجور على الفرنسيين عندما يستعملون المرافق المحلية، وإنما اشترط فيها أن لا يكلفوا بتعرف متفاوتة توضع ضدهم زيادة عن التعرفة لسائر الأفراد وأن لا تزيد أعباء الأجور على ما يتحملونه في الوقت الحاضر، فقول بعض الناقدين أن الحكومة السورية مجبرة على تقديم المواضع والأمكنة مجاناً هو غير مؤتلف مع النص الوارد في هذه المادة وسيوضع اتفافات خاصة بين الطرفين لتحديد الانتفاع وتعيين الأعباء المترتبة عليه.
الميزات والمناعات: ظن البعض خطأ أن الميزات والمناعات التي سيتمتع بها الفرنسيون في ظل المعاهدة هي عين ما يتمتعون به حالياً، مع أن المادة السابقة من الاتفاق العسكري تنص على أنها تبقى كما تكون عند وضع الاتفاق موضع التنفيذ أي في نهاية دورة الانتقال، وجاء البروتوكول رقم (1) موضحاً أن الطرفين يحددان قبل دخول المعاهدة في دور العمل الميزات والمناعات المذكورة في المادة السابقة من الاتفاق العسكري وفاقاً للأساليب المتبعة في الحالات المشابهة.
فيتبن من ذلك أن هذه الميزات ليست ما هو حالياً بل سيوضع لها تحديد واضح وفاقاً لما يجري بهاذا الخصوص عند وجود قوى حليفة في أرض حليفتها وهذا الاتفاق سيبدأ بوضعه بعد تصديق المعاهدة وينفذ قبل وضعها موضع العمل ولكن يكون فيه ما يجعل هذه الميزات والمناعات أقوى من أمثالها في العراق وهي تتعلق بالقضاء العائد للجنود أو عليهم وبالإعفاء الجمركي لأعتدة الجيش والاعفاء من الضرائب أما الموظفون المدنيون الذين تقتضي المعاهدة وجودهم في سورية فميزاتهم تحدد في مقاولات استخدمهم ولا تتناول اعفاءات جمركية، وفضلاً عن ذلك فإن المادة السابقة المذكورة المذكورة تنص على امكان التعديل في كل ما يتفق عليه من هذه الميزات.
استلام العقارات والتأسيسات:
الأبنتية التي أنشأتها القوى الفرنسية بأموالها مع التأسيسات التي أقامتها ولا تزال باقية وصالحة للانتفاع كشبكة الهاتف مثلاً تسلمها للحكومة السورية مقابل القيمة التي تقدرها لها لجنة خبراء تحكيمية من الطرفين (الفقرة الأخيرة من المراسلة رقم 11)، وأما التي انشئت بأموال من ميزانية المصالح المشتركة فتسلم بلا مقابل وأكثر المؤسسات هي من هذا القبيل، لذلك لن يكون العبء المالي ثقيلاً من هذه الجهة، وفي الاتفاق العراقي أمثال هذه المؤسسات تعهد العراق أن يدفع بدلها لبريطانيا ثلث النفقة المصروفة على انشائها بموجب قيود وزارة الحربية والطيران، وذلك أنهم حسبوا هذه الانشاءات لن تكون قيمتها الباقية أكثر من ثلث الكلفة الأصلية بعد أن يمر على استعمالها أكثر من عشر سنوات وبعد هبوط الأسعار الذي أصبح فاحشاً بالنسبة إلى ما كان عليه يوم الإنشاء في جميع أنواع العقار، وقد ذهب بعض المنتقدين خطأ إلى كون العراق كلف بدفع ثلث القيمة الحالية فقط، مع أن ذلك مخالف للواقع، ولا ريب أن العقارات التي ستستلمها الحكومة السورية لن تساوي عند الاستلام ثلث المبالغ المقيدة من وزارة الحربية الافرنسية نفقة انشائها، فصفقتنا من هذه الجهة ليس فيها ما يوجب انتقاداً، أما منازل الطيران فتستلمها سورية بدون أن تكلف بدفع شيئ مقابلها، ومنها الطرق التي أنشأها الجيش الفرنسي وجميع ما أنشئ من قبل الجنود السوريين ومن ميزانية المصالح المشتركة.
الموظفون الأجانب:
استخدم الموظفون الأجانب ليس اجبارياً على سورية بل هي مختارة في ذلك، فإذا تجلت لها حاجة لجلب أحد منهم تأتي به من فرنسا بدون أن يكون للحكومة الفرنسية علاقة بانتقائهم والاتفاق معهم، بل تختارهم الحكومة السورية من بين الأشخاص الفرنسيين الذيني تقدمون لطلب الخدمة وتعقد معهم مباشرة، فيكون مسؤولين أمامها وحدها في جميع ما يعهد إليهم من أعمال وهذا الاطلاق يتناول المستشارين الفنيين والقضاة وسائر الموظفين الذين ترى الحكومة السورية لزوم لوجودهم في سورية واستعدادهم للعمل الحازم في جميع نواحي الإدارة، مما يؤول إلى الإقلال من هؤلاء الفنيين إلى الحد الأدني إذا لم يؤد إلى الاستغناء عنهم بتاتاً. في المعاهدة العراقية ينتقى الموظفون البريطانيون بالاتفاق بين الحكومتين، وتجاه هذا التقيد تظهر مزية معاهدتنا بجلاء لا يخفى عن البصر، أما كون الحكومة العراقية تستطيع أن تأتي بعير البريطانيين للوظائف التي لا يتيسر لها طالب بريطاني فذلك حق طبيعي لا يمارى في جواز استعماله ولا حاجة لذكره بالنص الصريح، فعند وجود فرنسي لا يلبي الدعوة يحق للحكومة السورية استخدام رجل غير فرنسي سواء ذكر ذلك أم لم يذكر، من ذلك نرى أن المقايسة بهذا البند بين معاهدتنا والمعاهدات الأخرى تسجل لمعاهدتنا رجحانا عظيماً، والمجربون يقدرون الفرق في الاختيار بين موظف أجنبي أرسلته حكومته وبين موظف أجنبي جئنا به بدون تدخل الحكومة.
التمثيل الخارجي:
المعاهدة السورية أطلقت الحق لسورية بإقامة ممثلين سياسيين في أي بلد كان ترى لها فيه مصلحة سياسية أو تجارية، ولما كان السوريون منتشرين في أكثر أقطار الدنيا، فلن يكون عسيراً عليها أن تجعل لها من أبنائها المهاجرين البارزين ممثلين وقناصل وقائمين بالأعمال في جميع المراكز التي لها علاقات تستدعي هذا التمثيل، وتقوم وارداتها بسد نفقاتها وأما المراكز الأخرى التي ليس لها فيها مصالح ولا علاقات ذات أهمية فيمكنها أن تعهد بما قد يقع لها أو لرعاياها من الأعمال إلى ممثلي حليفتها فرنسا، وفاقاً للتعامل الدولي المتبع في مثل هذه الحالات وإذا ظهر من ممثلي فرنسا تقصير أو إهمال في القيام بهذا الواجب يبقى مجال إعادة النظر بمضمون هذه المراسلة مفتوحاً بالاستناد إلى الحق المنصوص عنه في المادة السادسة من المعاهدة والاتفاق الخاص الذي يتم بين الحكومتين لتنفيذ هذا البند سيضمن سلامة المعاملة.
ضمان الحقوق الدستورية:
وضعت جمعية الأمم شروطاً جمة على كل دولة فيها أقليات عنصرية أو لغوية أو دينية لأجل تأييد المساواة في الحقوق العامة بين جميع أفراد الرعية وأوجبت التعهد بها بصكوك مسهبة علىى رومانيا وبلغاريا ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها من الدول الداخلية في جمعية الأمم، وقد جاء في تعهد الحكومة العراقية المؤرخ في السابع من أيار عام 1932 أنها تتعهد بأن تمنح جميع سكان العراق حماية تامة بدون تفريق في الجنس واللغة والدين، تمنح جميع سكان العراق حماية تامة بدون تفريق في الجنس واللغة والدين، فيتمتعون بممارسة طقوسهم الدينية وحرية الاعتقاد وبالحقوق المدنية والسياسية، ويؤمن قانون الانتخاب تمثيلاً عادلاً للأقليات وبالحقوق المدنية والسياسية، ويؤمن قانون الانتخاب تمثيلاً عادلاً للأقليات في الوظائف والامتيازات التشريعية واستعمال لغاتهم حتى في المعاملات الرسمية وأمام المحاكم. ويحتفظون بالمؤسسات الخيرية والمدارس وقواعد الأحوال الشخصية وإدارة أوقافهم، وفيه كل ما يخطر على البال من القيود والتفاصيل والمسهبة في عشر مواد وضعوها لأجل حماية الأقليات، وقد نصت المادة الأولى منها على اعتبار الأحكام المنصوص عنها في هذا الفصل قوانين أساسية في العراق، ولا يمكن لأي قانون أو نظام أو أي عمل رسمي كان أن يعارض هذه الأحكام أو يناقضها أو يتغلب عليها في الحاضر والمستقبل وفي المادة العاشرة من هذا التعهد أن أحكام هذه المواد تعتبر عهوداً ذات صبغة دولية تضمنها جمعية الأمم ويحق لكل عضو في مجلس جمعية الأمم أن يطالب بتنفيذها أمام الجمعية وأن يراجع محكمة العدل الدولي الدائمة لأجلها والعراق يذعن لما تصدره من الأحكام.
وفي المراسلة الخامسة الملحقة بالمعاهدة السورية بيان من الحكومة السورية أنها تؤمن بقاء ضمانات الحقوق العامة المنصوص عنها في دستورها للأفراد والجماعات، وهو أمر طبيعي وبيان يعطى للاعراب عن نيات الحكومة السورية وتطمين جمعية الأمم من هذه الناحية، ولا يفسح للحكومة الفرنسية مجال التدخل المباشر بشؤون سوريا من هذه الجهة الا بطريق الشكوى لجمعية الأمم وفقاً للمادة التاسعة من هذه المعاهدة. كما يحق لكل دولة من أعضاء مجلس العصبة أن تتقدم بمثل هذه الشكوى على سوريا أو على غيرها من الدول الداخلية في العصبة عندما تتحقق منها اخلالا بهذه التعدات.
ولما كانت المادة الثامنة من المعاهدة تصرح بسقوط جميع المسؤوليات المتعلقة بسورية عن فرنسا فلا تكون فرنسا مسؤولة أمام العصبة أكثر من غيرها من دول المجلس، ولما كانت الأمة السورية متحدة صفاً واحداً للعمل المخلص في سبيل صيانة مصالحها العامة وترصين كيانها السياسي والاجتماعي، ولا تؤمن بوجود أقليات مفتقرة لحماية حقوقها، وبل هي عازمة عزماً أكيداً على تقديس قاعدة المساواة في الحقوق العامة بين جميع أبنائها بدون تفريق في العنصر أو المذهب، وكان الدستور الذي وضعته الجمعية التأسيسية سنة 1928 والذي وضعه المؤتمر السوري سنة 1919 ينصان على احترام هذه الحقوق واعطائها كامل مفعولها، فلسنا نعتقد أن يكون هنالك وسيلة لأي دولة كانت أن تتقدم بالشكوى منا إلى جمعية الأمم بهذا الخصوص.
نحن نريد أن يقوم الكيان السوري على أساس المدنية البحتة والديمقراطية الصحيحة المرتكزة على قاعدة المساواة أمام القانون بين جميع أبناء الوطن في الحقوق والواجبات بدون تفريق، مع إطلاق حرية الاعتقاد في الأديان السماوية والتصريح لكل طائفة بممارسة طقوسها، وتنظيم الأحوال الشخصية لأبنائها بموجب قواعد دينها المؤتلفة مع الآداب العامة والنظام العام. والفرنسيون أنفسهم يعرفون أننا بالغون في بلادنا من هذه الحرية مالم تبلغه شرائعهم، والقيود الموضوعة في قانونهم المدني لأجل توحيد القضاء في الأحوال الشخصية لجميع الطوائف الدينية لا وجود لها في قوانينا، فهذا التسامح القائم عندنا منذ القديم على قاعدة أن “لا اكراه في الدين” فسح المجال لكل طائفة بإنشاء مدارسلها وتأسيس أوقافها للخيرات والمبرات، والاحتفاظ بشرائعهم في تنظيم العائلة والأحوال الشخصية هو كاف لتطمين الأقليات على حقوقهم وضامن لتأييد الوحدة القومية التي عليها وحدها يرتكز البنيان المدني الذي نصبوا اليه، وبها وحدها تتخلص الأقلية من وصمة الضعف اللاصقة بها.
المصالح المشتركة:
عند مواجهة الأمر بانفصال لبنان عن سوريا سياسياً لا يبقى للمفاوض السوري في معالجة هذه العقدة الا الاحتفاظ بحقوقه لوقت آخر وانفراده بإدارة مصالحة الاقتصادية، مع ابقاء الباب مفتوحاً لايجاد حل آخر جديد بالقبول فلا يمكننا الآن أن نستبق الحوادث ونتكهن عما تصير اليه الأمور حيال التطورات الحاضرة والآتية، وما يستقر عليه رأي الأكثرية في لبنان بعد أن ينال استقلاله وتصبح مقدراته في أيدي أبنائه الذين لا نشك في أن المقيمين منهم والمهاجرين يقدرون مثلنا الأضرار الجسيمة الناجمة عن هذا الانفصال ويحسبون لها حساب البصير الحكيم، وإننا نراقب المستقبل القريب بالأمل المحبوب أن نؤلف مع أخواننا اللبنانيين كياناً سياسياً واحداً توحده القومية واللغة والتاريخ والوضع الجغرافي والعادات وهم يعرفون جيداً انهم غير بالغين حالة الاستقرار التي هم بأشد الحاجة إليها ما دام الشطر الكبير منهم غير راض عن الوضع الحاضر وما دامت شقيقتهم سوريا تعاني الام الحجب عن منافذها الطبيعية، وبما أننا دنونا من عتبة المفاوضة مع الحكومة الفرنسية لأجل هذه العقدة الباقية فإننا نعقد امالاً طيبة على أنهم يسهلون قطع هذه المرحلة ويشتركون معنا في الرغبة بالاتحاد.
محافظة الاسكندرونة: (المراسلة السادسة) ان محافظة الاسكندرونة تدار منذ سنة 1920 بنظام خاص حفظ لسكانها ادارة ممتازة في المالية والتوظيف وبالنظر للوضع الخاص القائم في مقاطعتي العلويين وجبل الدروز اتفق الوفد مع الحكومة الفرنسية على ضم هاتين القطعتين إلى سورية على أن يطبق فيهما النظام الحكومي الجاري في محافظة الاسكندرونة، وبما أن هذا الضم هو نتيجة المعاهدة فإنه يتم بالفعل حال تصديقها في مجلس النواب السوري، وقد تخوف أحد الناقدين من الرجوع عن قرار الالحاق مع أن هذا القرار أصبح جزءاً من المعاهدة واجب التنفيذ على الحكومة الفرنسية.
نفقات الانتداب:
في الواقع لم تستوف بريطانيا في العراق نفقاتها في مدة انتدابها ونحن لنا الحق بحكم اتفاق أول آذار ان نستفيد بمثل ذلك، ورغماً عن كون نفقات انتداب بريطانيا بالعراق كانت أقل من نفقات فرنسا في سوريا بالنظر لقصر مدة الانتداب العراقي ولقيام حكومة عراقية منذ سنة 1921 تمارس صلاحياتها الواسعة، فقد توفق الوفد إلى حمل فرنسا على التنازل عن المطالبة بنفقاتها التي يخولها صك الانتداب الحق بالمطالبة بها، وهي تبلغ بحسب قيد الميزانية في فرنسا 216 مليون ليرة سورية.
النظام القضائي :
(البروتوكول الرابع) ان وظائف الحكومة السورية جميعها بمعزل عن التدخل الأجنبي، فهي تدير الاشتراع وسائر فروع الإدارة في الحرية التامة، ولولا قضية الامتيازات الأجنبية الموروثة عن الإمبراطورية العثمانية لما كان مبحث القضاء مدخلاً بمشروع المعاهدة. ولكن عند تأسيس الانتداب اتفقت الدول ذات الامتيازات أن تؤجل العمل بامتيازاتها مادام الانتداب قائماً، واشترطت العودة اليها بحال زوال الانتداب، ولما كانت معاهدتنا الحالية تنص على زوال الانتداب، ولكن يكون المشروع مقبولاً عند هذه الدول يجب أن يتضمن نصاً عن أسلوب القضاء الضامن لحماية مصالح الأجانب، وبما أنه سبق للعراق ان وضع بالاتفاق مع بريطانيا أسلوباً لهذه الغاية قبلته جمعية الأمم والدول صاحبة الامتيازات فقد رأى الوفد والحكومة الفرنسية أن يحذوا هذا الحذو ويباشر بعد تصديق المعاهدة وضع نظام مستمد من القاعدة المؤسسة بين الطرفين في اتفاق أول آذار، وهي ان لا تقل حقوق سورية في المعاهدة عن الطرفين في اتفاق أول آذار، وهي أن لا تقل حقوق سورية في المعاهدة عن حقوق العراقيين وهكذا سيكون النظام القضائي هذا شبيها بالنظام العراقي، وفيه أن اللغة العربية وحدها اللغة الرسمية فيها، وان العراق يستخدم في محاكمة تسعة قضاة انكليز لمدة عشرة سنوات، الى آخر ما هنالك من التفصيلات.
شكر ملوك العرب:
وقبل أن أختم هذه المحاضرة أرى من الواجب المحتوم أن أذكر بالتقدير ما صادفناه من العطف والعناية من أصحاب الجلالة ملوك العرب الأعاظم ورجال حكوماتهم الأمائل الذين رافقوا أعمال الجهاد السوري وأحاطوها بالمدد والتنشيط ورمقوا برضاهم الغالي ماوصلنا اليه من طلائع النجاح.
كما تسجل لهم الأمة العربية بالاعجاب ومعرفة الجميل هذا العطف النبيل المقرون بالسعي المثمر لإنقاذ الشطر السوري الجنوبي من كارثة الاجتياح الصهيوني المنيخة عليه بكلكلها الثقيل. ونرجو أن يكون الاتفاق الذي لقيناه نحن عند الشعب الفرنسي النبيل ورجال حكومته العادلين مثالاً حسناً يحذوه العدل البريطانية تجاه إخواننا في فلسطين)(1).
(1) الحوراني (أكرم)، مذكرات أكرم الحوراني، الجزء الأول.
انظر:
صحيفة – فارس الخوري يشرح بنود المعاهدة السورية عام 1936
قانون تصديق معاهدة التحالف والصداقة بين الحكومتين الفرنسية والسورية 1936