المدرسة السليمانية
موقعها: تقع المدرسة السليمانية ضمن مجموعة عمرانية ضخمة على الجهة اليمنى من ضفاف نهر بردى في الجانب الشرقي من التكية السليمانية ولكن بزاوية ميلان بما يعادل العشر درجات عن محور التكية.
تاريخها: بنيت المدرسة السليمانية في عام 974ه/1566م بأمر من السلطان سليمان، بعهد الوالي لالا مصطفى باشا[1]، وهي السنة نفسها التي توفي فيها السلطان سليمان القانوني.
يوجد على ساكف بابها الشرقي نقش كتابي يؤرخ تجديده ينص: “جدد هذا الباب السلطاني في زمان السلطان بن السلطان مصطفى خان ابن السلطان أحمد خان بنظارة المرحوم موسى بك“. وفي تاريخها يقول بدران: “في سنة اثنتين وستين وتسعمائة بنى السلطان سليمان خان جامعاً وتكية في الميدان الأخضر المسمى اليوم بالمرجة مكان قصر الظاهر بيبرس، فأخذت آلات القصر وجعلت فيه، وأضيف إليها ما يحتاج البناء إليه، فجمع من الآلات والأحجار والرخام الصافي والملون والقباب والصنائع والترصيص ما يحير فيه الناظر ويشرح الخاطر، ويشتمل على حجرات وخلاوي، كل خلوة بقبة وشبابيك ومطبخ ومطعم وجامع بمئذنتين شرقية وغربية، وفي الجانب القبلي من الجامع جنينة بديعة المنظر. وقال الشيخ محمود العدوي: ثم تجددت مدرسة إلى جانب التكية السليمانية برسم التدريس سنة أربع وسبعين وتسعمائة من زوائد التكية، فجاءت محكمة البناء حلوة الشمائل، وهذا كله من آثار السلطان سليمان خان ابن السلطان سليم الأول المتوفى سنة أربع وسبعين وتسعمائة”[2].
عمارتها: من الملاحظ أن مخطط المدرسة السليمانية جاء أكثر انسجاماً مع تقاليد العمارة الدمشقية التي تتميز بالمربع المفتوح للداخل والذي يشكل الصحن الذي تتوسطه بركة مركزية، وتأتي القاعات لتفصل بين الصحن والمحيط الخارجي وذلك للتأكيد على خصوصية المبنى؛ في حين إذا نظرنا إلى مخطط التكية السليمانية وعلى الرغم من إحاطتها بسور حجري نجدها أكثر انفتاحاً، فالصحن مفتوحاً للخارج ومتصلاً بالممرات والحديقة المحيطة بالتكية، والفراغات الداخلية منفصلة ومتوزعة بشكل متناظر وتتخللها مساحات خضراء وممرات حجرية.
تتألف المدرسة السليمانية من مجموعة غرف تتوزع في جهاتها الأربع يتقدمها أروقة مفتوحة على الصحن مسقوفة بالقباب المحمولة على قناطر ذات أعمدة قصيرة، ونظراً لاكتظاظ هذه الغرف نلاحظ أن القباب التي تعلو الغرف لا تقابل القباب التي تعلو الرواق، فالقباب التي تعلو الرواق جاءت بتوزيع لا يتناسب مع قباب الغرف كما هو الحال في التكية السليمانية التي كانت تتميز بالشكل الهندسي المدروس والمتناظر فكل قبة من قبب الغرف تقابلها قبتان من قبب الرواق الذي يتقدم هذه الغرف.
تتميز البوابة التي تؤدي إلى الصحن بأنها عالية، ويفترض الباحثان واتسينجر وولتسينجر أن هناك مئذنة كانت تقوم فوق البوابة نفسها أو أنها استخدمت على الأقل كمكان للمؤذن مع شرفة ومظلة خشبية، أي أنه كانت لها مئذنة شمالية[3]. يؤدي الباب الرئيسي إلى ممر سقفه عبارة عن قبوة ذات مقطع قوسي مدبب، ينتهي الممر برواق على أعمدة يشرف على الصحن مسقوف بثلاث قباب للوسطى منها رقبة، خالية من النوافذ التي حل محلها كوى مزخرفة، والباب واسع مفتوح ضمن إيوان ويقابله باب آخر متماثل له مفتوح في الطرف الشمالي من السوق. ولكل منهما واجهة غنية بالزخارف.
أما الصحن فهو مستطيل الشكل 20×25م أرضيته من الحجارة المتناوبة ذات اللونين الأبيض والأسود، تتوسطه بركة مستطيلة وتتوزع حوله مجموعة من الغرف لها أبواب ونوافذ مفتوحة على الصحن يخترقه باب في الجهة الغربية وأخر في الجهة الشرقية يصل المدرسة بالحدائق المحيطة وبابان في الجهة الجنوبية؛ تحيط الغرف بالصحن من الجهات الأربع وهي غرف صغيرة لكل غرفة باب ونافذة، عدد الغرف الشمالية ست غرف وفي الجهة الغربية والشرقية سبعة غرف أما في الجهة الجنوبية يوجد غرفتان، وجميعها مسقوفة بالقباب وفي كل منها مدفأة من الحجر المنحوت لها مدخنة تبرز فوق القبب كالمئذنة الصغيرة، وأمام الغرف رواق يفصل بينها وبين الصحن؛ لهذا الرواق أقواس مدببة و أعمدة قليلة الارتفاع مقارنة بأعمدة التكية، ويطل الرواق الشرقي على غرف صغيرة مسقوفة بقباب والرواق مسقوف بقباب محمولة على أقواس، وينطبق هذا أيضا على الرواق الغربي، أما الرواق الثالث وهو الشمالي فيفتح عليه الباب الرئيسي الكبير. تبعد المدرسة عن التكية خمسة عشر متراً وليس لها سور، إلا أنه ألصق بواجهتها الشمالية الخارجية دكاكين تؤلف الجناح الجنوبي للسوق الممتد من الشرق إلى الغرب بطول خمسة وثمانين متراً[4].
مسجد المدرسة السليمانية: ويحتل الجناح القبلي وليس له مآذن ولا منبر. أما القاعة فلها شكل مربع طول ضلعه 11 متراً تبرز عن حدود البناء باتجاه الجنوب، مسقوف بقبة ذات طراز عثماني لها رقبة ذات اثنا عشر مزودة بالنوافذ ويحمل القبة أقواس ملتصقة بجدران القاعة السميكة، أما زوايا الانتقال بين الأقواس مشغولة بمثلثات كروية عادية دون مقرنصات أو حنايا. وينفتح في جدران القاعة الأربعة شبابيك على الحدائق .ويعلوها في كل جدار نافذة، وهذه النوافذ مع نوافذ القبة كانت من الجص المعشق بالزجاج الملون الذي تتألف منه مواضيع زخرفيه رائعة ذهب أكثرها ولم يبق سوى واحدة فقط.
واجهات المسجد الخارجية مبنية بمداميك من الحجر الملون يتناوب فيها الأبيض والأسود وتبدو الزخارف في الواجهة الشمالية فقط وهي عبارة عن كسوة من الرخام الملون والقاشاني وفي هذه الواجهة أيضا يقع باب الحرم ويحيط بالباب إطار من الزخرفة الهندسية مركبة بواسطة قطع من الرخام الملون؛ أكثر ما يميز الحرم هو كسوة القاشاني التي تغطي الجدران وكأنها سجادة غنية بأشكالها وألوانها الأزرق الفاتح والأزرق الداكن والأخضر الفاتح والأخضر الداكن بالإضافة إلى اللون الأبيض. أما المحراب فهو عبارة عن نصف مضلع مؤلف من عشر زوايا، وبالرغم من استخدام المقرنصات في طاسة المحراب فلم يستغن عن القوس الحدوي في إطار المحراب نفسه.
[1] لالا كارا مصطفى باشا (1500-1580) هو قائد عسكري وصدر أعظم عثماني. كان قائم مقام إيالة مصر عام 1549 م ورقي إلى مستوى “بيلر لي” في دمشق أي سيد السادة في دمشق الشام .
[2] بدران، عبد القادر. (1959). منادمة الأطلال. دمشق: المكتب الإسلامي، ص378.
[3] ولتسينجر، كارل. واتسينجر، كارل. الآثار الإسلامية في مدينة دمشق. ص229.
[4] الريحاوي، عبد القادر. (2005). روائع التراث الدمشقي. دمشق: التكوين للطباعة والنشر، ص69