بطاقات بحث
القمصان الحديدية
شكلت الكتلة الوطنية في سورية خلال فترة المفاوضات على المعاهدة السورية – الفرنسية عام 1936م فرق القمصان الحديدية أو “الشباب الوطني”، وكانت التحية التي اعتمدتها تلك الفرق هي برفع اليد إلى الأعلى على الطريقة النازية والفاشستية.
وجاء في النظام الخاص لفرق القمصان الحديدية:
“المادة الرابعة: الشباب الوطني هيئة كفاحية تقوم على أساس الطاعة والتضحية والنظام وتدريب الشبيبة على أساليب مستمدة من التعاليم الرياضية والعسكرية.
المادة السابعة: يؤلف الشباب الوطني فرقاً باسم القمصان الحديدية.
المادة الثامنة: شعار الشباب الوطني: ساعد مفتول يقبض بشدة على مشعل ملتهب إشارة إلى أن رسالة الشباب هي الحرية والحق والقوة.
المادة التاسعة: لباس الشباب الوطني الرسمي قميص وبنطلون حديديان”.
انهال شباب البلاد بحماس منقطع النظير أفواجاً إلى مكاتب الكتلة الوطنية في جميع أنحاء سوريا وأقضيتها لينتظموا في هذا الجيش الشعبي، ولم يمض شهر آذار 1936 إلا وأربى عدد المنتظمين في “الشباب الوطني” بمحافظة حلب وحدها على ثمانية آلاف شاب. وبلغ عدد المتطوعين في سوريا عشرات الأولوف.
كانت اللجنة العليا “للحرس الوطني” في حلب مؤلفة من : جميل إبراهيم باشا ورشدي الكيخيا وناظم القدسي، وفي دمشق من : فخري البارودي وسيف الدين المأمون ومنير العجلاني وفي حماة كان سعيد الترمانيني مسؤولاً عن فرق القمصان الحديدية، وهكذا كانت قيادة الحرس الوطني بعقليتها ومنشئها أبعد ما تكون عن جعل هذا الجيش الشعبي المتقد حماساً واندفاعاً هيئة كفاحية حقيقية، بالإضافة إلى التناقض بين ما سمي بمبادئ الحرس الوطني الديمقراطية الليبرالية، وبين مظاهر تنظيماته الفاشية وهو التناقض المألوف في كل المنظمات الزائفة التي يناقض بها الإطار المضمون ويناقض الظاهر فيها الباطن، وهكذا كانت الكتلة الوطنية عاجزة عن تنظيم الشباب الوطني كقوة ضاغطة في مفاوضات باريس أو إعدادها لتكون قوة تحرير عند نكوص فرنسا وتراجعها، بل اهتمت اهتماماً كبيراً بمظاهر التنظيم الخارجية كاللباس والشارات على الطريقة النازية والفاشية الدارجة والجذابة في تلك الأيام.
وهذا ما برر لصحيفة ليزيكو “الأصدقاء” الدمشقية الناطقة بالفرنسية أن تسخر بهذه المظاهر الجوقاء قائلة:
“إن قمصان الحديد السورية ولدت وهي حديدية بلون قمصانها الرمادية المزرقة التي اختارها قادة الحركة، وبالطابع الحديدي القوي الذي يريد هؤلاء أن يطبعوا به جماعة الشباب..
فقمصانها الرمادية تكمل أذن سلسلة الألوان الدولية: القمصان الفاشستية السود، القمصان الهتلرية السمر، قمصان ستالين الحمر، قمصان الفرنسيين الزرق، قمصان نحاس باشا الخضر(1).
موقف سلطات الانتداب الفرنسي من فرق القمصان الحديدية:
أثار تأليف فرق القمصان الحديدية غضب السلطات الفرنسية في فرنسا، ولاسميا أن التحية التي اعتمدتها تلك الفرق كانت برفع اليد إلى الأعلى على الطريقة النازية والفاشستية.
نقل نصوح بابيل في كتابه أن حسن عبد العال مراسل صحيفة “الأيام” روى له في حينه أنه بعض مضي شهرين على عودة الوفد السوري من باريس إلى سورية (استدعانا) “جان لونغيه” إلى مكتبه فذهبنا أنا وبعض الطلاب لنجد هناك أعضاء لجنة فرنسا – سورية مجتمعين. وبعد تبادل التحيات، أخرج لونغيه مجموعة من الصور ووضعها أمامنا وهي تصور رئيس الوفد وأعضاءه يستعرضون “القمصان الحديدية” وهم يرفعون أيديهم إلى أعلى على الطريقة النازية.. وصور أخرى عن التحية واستعراضات “القمصان الحديدية”. وبعد أن أطلعنا على هذه الصور قال: “اليسوا هؤلاء السادة هم الذين عقدوا المعاهدة هنا في باريس؟” قلنا : “نعم.”.
قال : “لقد غشيتمونا .. أيها السادة .. إننا عندما وضعنا كل ثقلنا بالعمل من أجل عقد المعاهدة اعتقدنا أن هؤلاء السادة ديموقراطيون، وكنتم أنتم دائماً ترددون على مسامعنا أنهم صفوة البلاد، وأنهم وطنيون صادقون، ولم نبدأ العمل معهم إلا بعد أن عقدنا معهم معاهدة بين الشعبين الفرنسي والسوري. وقد وقع هاشم الأتاسي هذه المعاهدة نيابة عن الشعب السوري على أن يتعهد هذا الشعب بأن يكون شعباً دموقراطياً.. غير أن الذي حدث أن جماعتكم كانوا “ممثلين”.. إنهم نازيون وفاشستيون، والدليل على ذلك .. القمصان الحديدية، والتحية الرومانية. ما الذي يربطكم بالرومان حتى تقلدوهم في تحيتهم ؟ إذا كنتم في حاجة إلى تحية، فلديكم تحية جميعة ذات مغزى كبير، فأي تحية أجمل من وضع اليد اليمنى على القلب؟ هل هناك أجمل من هذا الرمز الذي يمكن ترجمته: إني مستعد أن أقدم لك قلبي؟ أيها السادة: لقد غشيتمونا وجعلتمونا نعمل من أجل إنشاء دولة فاشستية، ولهذا لن تروا لنا وجهاً بعد اليوم. ولن يمكنكم أن تتكلموا علينا في تصديق المعاهدة”.
وأضاف مراسلنا حسن عبد العال: “مما لا بد من الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن الحساسية الفرنسية في ذلك الوقت قد بلغت أوجها فكلا الجبهتين اليمين واليسار كانتا في وضع الخائف من النظام النازي، ففي ذلك الوقت كان هتلر يملأ الدنيا جعجة وتهديداً، وكان موسوليني يغزو الحبشة، واليسار الفرنسي يندد بهذا الغزو، ويجمل على الفاشستية حملات نارية)(2).
(1) من مذكرات أكرم الحوراني – تنظيم الشباب الوطني
(2) بابيل (نصوح)، صحافة وسياسة، سورية في القرن العشرين، دار رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الثانية عام 2001م، صـ 110.
رشدي الكيخيا وفريق القمصان الحديدية بحلب 1938م
من مذكرات أكرم الحوراني – تنظيم الشباب الوطني